1 في المغرب،كما في العديد من دول العالم الثالث، المثقف هو من تحمل مسؤوليات تأسيس الأحزاب السياسية وتنظيمها وقيادتها في زمن النضال ضد الإدارة الاستعمارية، هو من أصدر الجرائد و المنشورات السياسية والكتب والمجلات. هو من كان قريبا أكثر إلى النضال من أجل الحرية والاستقلال والعدالة والكرامة الاجتماعية والسياسية لوطنه، فالصحف والنشرات والكتب بحقبة النضال الوطني، تشهد بانخراطه في المعارك ضد الاستعمار والاستبداد والفساد والتخلف والظلم. يعني ذلك بوضوح أن الثقافي في المغرب كما في العالم الثالث، كان منذ البداية مرتبطا بالسياسي في مفاهيمه العريقة على كافة المستويات، فالثقافي بهذا المعنى أسس للسياسة، للإيديولوجيات، للأفكار التي أحدثت التغيرات والتحولات الكبرى في التاريخ الحديث للعالم الثالث. هكذا رسمت الأحداث والتحولات ملامح المثقف في المغرب وفي العالم الثالث خلال القرن الماضي ،حيت استلهم مكانته من النضالات من أجل الاستقلال، استلهمها من مواجهة التعسف والظلم والتهميش وتقييد الحريات، وهو ما حوله إلى حالة رمزية واكبت جميع الأحداث التي آلمت بالبلاد والعباد. 2 مغربيا فرضت أوضاع البلاد على المثقف، في العهد الاستعماري،أن يؤسس الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية والجرائد والمجلات،وان يلتزم بمواكبة تطلعات الجماهير الشعبية من فلاحين وعمال وصناع وعاطلين، فكان هو الأول من يقود المظاهرات، من يعتقل، من يضرب بالعصي، ،ومن يحكم عليه بالنفي والإعدام. إن علال الفاسي ومحمد حسن الوزاني وعلي يعته وعبد الرحمان اليوسفي والمهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد و عبد الله ابراهيم ومحمد البصري هم وغيرهم كثير، نخبة من المثقفين الذين حولوا أنفسهم بطواعية واقتناع إلى صوت الدين لا صوت لهم، فانتصروا للمثل الإنسانية ولقيم الحرية والاستقلال والمساواة الاجتماعية. ورغم ما عاناه المثقف المغربي خلال تلك الفترة الحالكة، ظلت ثنائية الثقافي والسياسي حية / ظلت من الثنائيات الفكرية الكلاسيكية التي ما تزال تستحوذ على الثقافة والمثقفين في المغرب الراهن في عهد الاستقلال، رغم ما قامت / تقوم به أحزاب السلطة من مواجهات ومناوشات لإسكات الصوت الثقافي وإخماده، مرة بقوة المال وبهاء الكراسي، ومرات بالسوط القوي الذي لا يرحم. 3 نعم، في مغرب الألفية الثالثة تراجعت أحزاب المثقفين، إذ رحل أغلبهم إلى دار البقاء. ونصبت السلطة أحزابها بقيادات تعمل من أجل الانتخابات وملء الجيوب، ولكن مع ذلك لم يتراجع المثقفين الجدد عن قيمهم، إذ تحول العديد منهم إلى مناضلين خارج الأحزاب/ إلى كتاب سياسيين واجتماعيين في قلب الأحداث، ملتزمين بمواكبة تطلعات جماهير العمال والفلاحين والعاطلين والفقراء والمهمشين، الذين لم تستطع الأحزاب المقاولاتية احتضانهم أو العناية بأوضاعهم. المثقفون الجدد، ورغم الأوضاع الصعبة التي تواجههم من خلال السياسات الفاسدة، تحولوا إلى منتجين لرموز القيم والخطابات والأفكار، مبلورين للتحولات المؤثرة في الأحداث والهزات التي عرفتها / تعرفها بلادنا في العقود الأخيرة. فبعد ظهور وسائل الاتصال الرقمية الجديدة ،أصبح للعديد من المثقفين الجدد مواقعهم وقراءهم وخطابهم السياسي الخاص، وهو ما يعني أصبح لكل كاتب ،لكل محلل سياسي حزبه الخاص، وقدرته الخاصة على التواصل مع الجماهير الواسعة، وهو ما يعني أيضا أن النضال السياسي أصبح يقوم على الحوار المتواصل بين الكاتب المثقف ومورديه على وسائل التواصل الاجتماعي. أطلقوا على مثقف وسائل التواصل الاجتماعي «المثقف الشبكي» وهو في رأي العديد من الباحثين / الخبراء مثقف جديد، يتباهى مع متطلبات عصر المعرفة الالكترونية، أو عصر نخب الميديا والوسائط كما يسميها البعض منهم. السؤال الذي يطرح نفسه على مثقفينا الجدد، وهم اليوم يعدون بالعشرات إن لم نقل المئات، الذين اختاروا هذا الطريق (طريق وسائل الميديا) : هل سيستطيعون أن يكونوا الروافد المتنوعة لعصر المعلومات، هل سيكونوا المثقفين الذين أفرزتهم الثورة الاتصلاتية الجامحة المتدفقة. هل سيتحولون إلى قادة الإصلاح والتغيير.. هل سيصبحون رموزا لعصرهم، عصر الحداثة والتكنولوجيا الرقمية… ؟ نضع السؤال وننتظر جواب المثقفين الجدد…