منظمة التجارة العالمية تسلط الضوء على تطور صناعة الطيران في المغرب    دعوة وزيرة السياحة البنمية لزيارة الداخلة: خطوة نحو شراكة سياحية قوية    الاحتيال على الراغبين في الهجرة السرية ينتهي باعتقال شخصين    حجز 230 كيلوغراما من الشيرا بوزان‬    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    لا زال معتقلاً بألمانيا.. المحكمة الدستورية تجرد محمد بودريقة من مقعده البرلماني    طنجة المتوسط يعزز ريادته في البحر الأبيض المتوسط ويتخطى حاجز 10 ملايين حاوية خلال سنة 2024    عامل نظافة يتعرض لاعتداء عنيف في طنجة    فوضى حراس السيارات في طنجة: الأمن مطالب بتدخل عاجل بعد تعليمات والي الجهة    ضمنهم طفل مغربي.. مقتل شخصين وإصابة آخرين في هجوم بسكين بألمانيا والمشتبه به أفغاني    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    السكوري: نسخة "النواب" من مشروع قانون الإضراب لا تعكس تصور الحكومة    النصب على "الحراكة" في ورزازات    في درس تنصيب أفاية عضوا بأكاديمية المملكة .. نقد لخطابات "أزمة القيم"    عامل إقليم الجديدة يستقبل رئيس وأعضاء المجلس الإقليمي للسياحة    ميناء طنجة المتوسط يكسر حاجز 10 ملايين حاوية في سنة واحدة    ريال مدريد يُسطر انتصارا كاسحا بخماسية في شباك سالزبورج    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    شباب الريف الحسيمي يتعاقد رسميا مع المدرب محمد لشهابي    توقعات أحوال الطقس ليوم الخميس    في الحاجة إلى ثورة ثقافية تقوم على حب الوطن وخدمته    جهود استباقية للتخفيف من آثار موجة البرد بإقليم العرائش    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    وزارة الداخلية تكشف عن إحباط أزيد من 78 ألف محاولة للهجرة غير السرية خلال سنة 2024    نحن وترامب: (2) تبادل التاريخ ووثائق اعتماد …المستقبل    دولة بنما تقدم شكوى للأمم المتحدة بشأن تهديدات ترامب لها    رسميا.. مسرح محمد الخامس يحتضن قرعة الكان 2025    توقيع اتفاقية مغربية-يابانية لتطوير قرية الصيادين بالصويرية القديمة    المغرب يُحبط أكثر من 78 ألف محاولة هجرة غير نظامية في 2024    القضاء يبرء طلبة كلية الطب من التهم المنسوبة اليهم    القضاء الفرنسي يصدر مذكرة توقيف بحق بشار الأسد    منتخب "U17" يواجه غينيا بيساو وديا    الشيخات داخل قبة البرلمان    اعتقال المؤثرين .. الأزمة بين فرنسا والجزائر تتأجج من جديد    بنعلي: المغرب يرفع نسبة الطاقات المتجددة إلى 45.3% من إجمالي إنتاج الكهرباء    الغموض يلف العثور على جثة رضيعة بتاهلة    وهبي يعرض مشروع قانون المسطرة الجنائية الجديد    أيوب الحومي يعود بقوة ويغني للصحراء في مهرجان الطفل    120 وفاة و25 ألف إصابة.. مسؤول: الحصبة في المغرب أصبحت وباء    الإفراط في تناول اللحوم الحمراء يزيد من مخاطر تدهور الوظائف العقلية ب16 في المائة    حضور جماهيري مميز وتكريم عدد من الرياضيين ببطولة الناظور للملاكمة    سناء عكرود تشوّق جمهورها بطرح فيديو ترويجي لفيلمها السينمائي الجديد "الوَصايا"    الكويت تعلن عن اكتشاف نفطي كبير    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر والفيلسوف المغربي محمد سبيلا لجريدة «الاتحاد الاشتراكي» .. دور السلطة العليا هو حماية بيضة الدين ورعاية نبتة الحرية

في هذا الحوار الذي أجرته جريدة «الاتحاد الاشتراكي» مع المفكر المغربي محمد سبيلا، تناول صاحب مؤلفات «حوارات في السياسة والثقافة»، «الحداثة وما بعد الحداثة»، «في تحولات المجتمع المغربي»، «للسياسة بالسياسة»...، بالدراسة والتحليل أهم القضايا الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تؤرق المجتمعات العربية عامة والمغرب على وجه الخصوص في العصر الحالي، كظاهرة الإرهاب، ثم الدخول لعهد الحداثة كعملية مستمرة في الزمان والمكان، ظاهرة الإسلام السياسي، ووصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، بالاضافة إلى دور المثقف ووظائفه ما بين الأمس واليوم، ثم ثورات الربيع العربي، والوضع السياسي بالمغرب
o المثقف كان دائما يدلو بدلوه في القضايا الكبرى داخل المجتمع، المثقف كان دائما طلائعيا بحكم أنه يحمل رؤية للحاضر والمستقبل، لكن يظهر اليوم أن المثقف ركن للخلف واتخذ موقف المتفرج والسلبي، هل يمكن أن نقول أن المثقف اليوم فقد دوره و وضيفته وأصبح في خبر كان؟
n هذه الرؤية النبوية للمثقف ربما ارتبطت بعصر ولى وبفترة تاريخية كان فيها للمثقف دور كبير وهي الفترة التي كانت تتسم بطموحات التحرر والتقدم في المجتمعات العربية سواء في وجهها الليبرالي أو الاشتراكي، كان المثقف رائدا وموجها ومرتبطا بالنضالات اليومية في الأماكن العمة والحزبية، لكن تطور الأحداث وتطور الشروط الاجتماعية والمعطيات التكنولوجية والإعلامية وغيرها، جعلت المثقف يتساءل من جديد حول دوره وهنا افتح قوس لأقول مفهوم المثقف قد تغير ، لقد توسعت دائرة المثقفين لتشمل فئات أخرى لم تكن تدرج في هذا الصنف من قبل، فقد تكاثر عدد المثقفين والمتخصصين والمستشارين والصحفيين و الإعلاميين الذين رفضتهم القنوات الإعلامية مما غير خريطة المثقفين هذا في مرحلة أولى، فيما بعد حصل نوع من إعادة النظر في أدوار المثقفين، حيث بدأ يتبن انخراط المثقف في الصراعات الاجتماعية في تفاصيلها اليومية، قد يتعارض مع دور المثقف من حيث وظيفته الأساسية هي التفكير والتنظير ودراسة حركة التاريخ إضافة إلى مهامه المعهودة في تمثل التجديدات الثقافية والفكرية ي المراكز الفكرية الكبرى بالعالم، فسرعة تطور الأفكار والنظريات وتعدد الإسهامات جعلت المثقف يحجم عن المساهمة والانخراط في تفاصيل الحياة اليومية حتى لا تفوته الكثير من التجديدات الفكرية وهذا حرج لا يشعر به إلا المثقف ولذلك بدأ ضمن هذه الشروط كلها نوع من تخلص الدور الإرشادي للمثقف، لكن مع ذلك ونظرا للحاجة التي تعبر عنها الفئات الاجتماعية والمرتبطة ربما بنوع من خيبات الأمل في الساحة السياسية ربما في السياسين الذين تحولوا الممارسة البراكماتية، فافتقد الرأي العام ذلك الوهج والبريق الإرشادي والتوجيهي وظهر نوع من الحنين إلى المثقف المرشد إجمالا تحولا مختلفة التي حدثت في العقود الأخيرة هي التي غيرت خريطة الثقافة والمثقفين وربما عدلت من أدوارهم ووظائفهم التي كانت دائما إشراقية ليتحولوا إلى أدوار معرفية تتطلب الكثير من التريث ومن إصدار الأحكام والتوجهات.
o و ماذا عن المثقف العضو الذي عرفناه فيما قبل، هل لازال هذا الصنف من المثقفين في العصر الحالي؟
n لا يمكن أن ننفي وجود المثقف العضوي، لكن بمعنى آخر وفي سياق آخر فالمثقف الإسلامي في حزب إسلامي فهو مثقف عضوي والمناضل الإعلامي في ساحات المظاهرات والاحتجاجات هو أيضا مثقف عضوي بمعنى آخر، ويمكن أن نقول هناك العديد من المثقفين العضويين في مجالات مختلفة وفي أفق مختلف عن الأفق السابق، المثقف بالمعنى الآني هو مثقف مرتبط بحركة جماهيرية معبئة تقليدية أو حداثية، احتجاجية أو سلمية، هو من جهة ثانية مرتبط بوسائل الإعلام والاتصال والمعلوميات والشبكات الاجتماعية أي أن المثقف العضوي الحالي بهذا المعنى الموسع قد انتقل من دائرة الثقافة الكتابية التي ارتبط بها المثقف العضوي القديم ، وانخرط في الثقافة التي يسميها روجيس دوبري la videosphère ثقافة الصورة المتحركة.
o لماذا نمارس السياسة وعن أي جرح تجيب السياسة، وماذا عن وضعية السياسة في المغرب؟
n السياسة ظاهرة حركية وشمولية، فهي بمثابة مرآت لكل ما يحدث في المجتمع وهي إلى حد كبير مرآت قيادية أو توجيهية، لان الساسة هي قفل ومفتاح في نفس الوقت، والمفروض في السياسة اليوم والسياسة المغربية على وجه الخصوص أن تستجيب لهذه الجروح التي أشرنا إليها، للمشاكل الاجتماعية في المغرب الذي يشهد تحولات متسارعة، فدينامية التحولات الكلية في المغرب، تدل على نوع من الشارع الاجتماعي وعلى قدر أكبر من التفاعل والصراع بين بنيتين أو مكونين أساسين في المجتمع، البنية التقليدية والبنية العصرية، فبعض الباحثين أشار إلى أن هناك مغربين ضمن المغرب الواحد، مغرب التقليد والمحافظة والرتابة ومغرب التجديد والتحول، ومن أجمل المقالات التي اطلعت عليها مقال لمحمد الساسي تحث عنوان "مغرب محافظ" يرصد فيه بالضبط هذه الدينامية المزدوجة في مختلف المجالات والتي تعر عنها الأحداث المتكاتفة في مغرب اليوم المتمثلة في توجهات قوية نحو المساواة الكاملة بين المرأة والرجل وفي ميل الكثير من المغاربة نحو الأفكار والسلوكات والممارسات والاختيارات العصرية في الثقافة والموسيقى والسينما وغيرها من المجالات والتي يمكن إدراجها ضمن ما اسماه السوسيولوجي المغربي جنجار دينامية انبثاق الفرد الحر أو تطلعات نحو لعب ادوار أكثر تأثيرا في اتجاه تحديث المجتمع وفي اتجاه قبول الشرط المعاصر وهي دينامية تغديها أو تسندها بعض الاختيارات السياسية الكبرى المتمثلة في الدستور الجديد أو مدونة الأسرة وإصلاح القانون الجنائي وغير ذلك، ومقابل ذاك يريد الأستاذ الساسي في مقالته مظاهر الاختيارات المحافظة سواء خارج اللعبة السياسية أو داخلها المتمثلة في مواقف محافظة اتجاه المرأة، أو الاختيارات الثقافية العصرية وهذا الاختياران الأساسيان اللذان يعتملان في قلب المجتمع المغربي لهما أصداء وعناوين أو رموز سياسية وربما كان هذان القطبان على الرغم من تعدد الأحزاب وتداخلها هما القطبان الأساسيان، يعتبران بمثابة البنية الأساسية للفعل السياسي، وهما اللذان يحددان بشكل كبير دور السلطة السياسية في مراعاة التوازن بين هذين القطبين الكبيرين مع مراعاة التوازن بين هذين القطبين الكبيرين وحماية المكونين معا والذين ألخصهما في حماية البيضة، بيضة الدين ورعاية النبتة، نبتة الحرية.
o كيف تقرأ وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، في بعض بلدان العالم العربي، وبتزامن مع ثورات الربيع العربي، هل مشاركة هذه الحركات الإسلامية في تدبير الشأن العام مدبرة أم حتمية تاريخية؟
n التحولات الكبرى التي حدثت في الساحة ترتبط بفترتين أساسيتين، أولا فترة الأربعينات والخمسينات من القرن و هي فترة نضال وطني ضد الاستعمار وما صاحبه من تطلع نهضوي نحو تحقيق التقدم الاجتماعي، وهي فترة حكمتها إيديولوجيتان كبيرتان، الليبرالية ولو بشكل محدود ومحتشم، ثم الاشتراكية التي كانت بمثابة البراديغم المحدد الأساسي لفترة صعود المثال الاشتراكي، أما الفترة الثانية بدأت مع هزيمة العرب ضد إسرائيل سنة 1967، ثم حدوت الثورة الإيرانية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، ويرتبط بها حدث أساسي هو تعبئة الحركات الإسلامية ضد الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، هذه التحولات التي هي بمثابة شروط تاريخية كبرى موجهة، هي التي مهدت لازدهار الإسلام السياسي حتى وإن كان لبعض مكوناته كالإخوان المسلمين تاريخ يعود إلى تاريخ سقوط الدولة العثمانية وتكون الجماعة سنة 1928 ، ابتداء من سبعينات القرن الماضي، بدأ ازدهار الإسلام السياسي الذي يركز في فهم الإسلام وتأويله على المعطى السياسي، ومن المؤكد أن الإسلام السياسي كانت تتنازعه ديناميتان أساسيتان، الدينامية الدعوية والدينامية السياسية، ومن يقول السياسة يقول السلطة، فالإسلام السياسي تغلبت فيه النزعة السياسية واعتبار أن إصلاح المجتمعات الإسلامية لم يتم من تحث وعن طريق الدعوة بل عن طريق الدخول إلى السلطة، وفي مطلع القرن 21، اندلعت أحداث الربيع العربي بثنائياتها المختلفة: التلقائية ونظرة المؤامرة الخارجية وثنائية التقليد والتحديث وثنائية مطالب الحرية ومطالب الهوية، ونتيجة المآلات والمخاضات والتعثرات التي عرفتها ديناميات الربيع العربي باختياراته الديمقراطية في النهاية صوتت الجماهير في مصر وتونس والمغرب وربما مناطق أخرى لصالح الحركة الإسلامية وقد تم ذلك كما يقول العديد من المحللين بمباركة أمريكية، لأن أمريكا أرادت أن تتيح للإسلام السياسي الذي هو في نظرها يختلف عن جدر الإسلام السياسي العنيف، مما مهد لصعود الإسلام السياسي في العدد من المناطق العربية، وفي تقديري هذه فترة ضرورية من جهة لاستدماج الحركات الإسلامية نحو العمل السياسي أي نحو تقوية اختيار نوع من الانخراط في البنية السياسية العصرية باختياراتها الديمقراطية، هذه الفترة إذن فترة ناتجة عن حتميات تاريخية وعن حتميات سوسيولوجية وثقافية ولعلها مرحلة ضرورية وبالرغم من كل سلبياتها، فهي مرحلة تاريخية اختبارية وايجابية.
o كيف تقرأ اندلاع ثورات الربيع العربي، وهل تتفق مع الرأي الذي يقول أن كيفية حدوث هذه الثورات استطاعت أن تخلخل كل البنيات والوسائل التقليدية التي يعتمدها المجتمع المدني ومنها الأحزاب السياسية، الزعيم، البرنامج السياسي، الاجتماعات، الخطط، نخب سياسية وقيادية، التأطير التعبئة التنظيم... ؟
n من السمات المميزة لما سمي بالربيع العربي هو انبثاق ثورات احتجاجية كانت تتراوح بين العنفية والسلم، بين التلقائية والتدبير، بين النزعات الهوياتية والمطالب الحيوية، كما أن أحد سمات هذه الثروات غياب إيديولوجية موحدة ورموز قيادية وهيئات وأحزاب بالمعنى الكلاسيكي وهو ما أخد عليها في البداية وان كان من الصعب تقديم أحكام جاهزة ونهائية بصدد هذه الثورات لأن كل خفاياها وخلفياتها لم ولن تظهر إلا بعد عقود ، لأن الأحداث التاريخية الحية لا يمكن أن تخضع لنظرة المؤرخ أو لنظرة المتأمل ولكن الشيء المؤكد هو أنها ثورات حدثت خارج التطورات الكلاسيكية المعروفة في الثورات السابقة وجود نخبة سياسية، وجود اديولوجية وجود برنامج سياسي وجود زعيم إلى غير ذلك، وهذا التغيير نابع أساس من التحولات التكنولوجية الكبرى المتمثلة في الثورة الرقمية التي قلصت الزمان والمكان والفصل والأدوار حيث تبين أن دور الفاعل لم هو النزول إلى الشارع لتعبئة الأفراد بل استخدام الحاسوب، ووسائل الاتصال للتجييش وتحديد الشعارات وتوزيعها، وتحديد المواعيد...ونحن كثيرا ما نتغافل عن نتائج الثورة التكنولوجية التي هي استمرار وتكثيف لكل الثورات التكنولوجية التي شهدها العالم المتقدم منذ أواسط القرن التاسع عشر.
o كيف ترى تنامي ظاهرة الإرهاب اليوم، والدولة الإسلامية في بلاد العراق والشام المعروفة بداعش التي تسعى لقيام دولة إسلامية على جثة وأرواح عربية وإسلامية؟
n منظور الباحث للإرهاب يختلف عن منظور السياسي، فالسياسي يميل إلى اختزال الظاهرة الإرهابية في معطى السياسي والمخابراتي أو غيره من المعطيات الملموسة، أما الباحث ينظر إلى الظاهرة الإرهابية كظاهرة تاريخية وشمولية، تاريخية بمعنى أنها نتيجة عوامل بعيدة تضرب جذورها في التاريخ، فالإرهاب العربي الإسلامي المتمثل اليوم في داعش يجد له أصولا تاريخية في ثقافتنا وفي تاريخنا وفي مظاهر العنف المتواترة منذ معقل الخلفاء وظهور الخوارج، انتهاء بالجماعات الإسلامية التكفيرية اليوم وفي الموارد الفكرية التي يمثلها العديد من المشايخ، انتهاء بأفكار المفكر المصري سيد قطب، وغيره وهي أيضا ظاهرة شمولية بمعنى أنها تطال كل مكونات المجتمع ولا يمكن اختزالها في مكون واحد من مكونات البنية الاجتماعية، انأ شخصيا مهتم بتراتب هذه العوامل ابتداء من العوامل الاقتصادية المتمثلة في الفقر وانعدام العدالة الاجتماعية وغيرها، مرورا بالعوامل السياسية المتمثلة في الاستبداد والتهميش وانعدام الحريات الخ، ومرورا كذلك بالعوامل النفسية المتمثلة في تشرب الشباب لمختلف الاحباطات الاجتماعية المتمثلة في بطء الحياة الاجتماعية وانتهاء بالعوامل الإيديولوجية والثقافية، شخصيا أميل إلى التمييز بين ما اسميه العوامل التي هي بمثابة خلايا نائمة والمتمثلة في الشروط الاقتصادية وربما السياسية والعوامل الثقافية والتحشيدية، ففي تقديري، أن هناك عاملين أساسيين قد يسميان سوسيولوجيا بالمحددات الحاسمة أو المحددات في آخر التحليل أو في آخر الطور، وهما عنصرا التهييئ الثقافي أو التعبئة السياسية أو المخابراتية، فالعنصران الأخيران هما العنصران المفجرانDeclancheurs إذا ما توفر هذا العنصران اشتعل الخطر الإرهابي وفي غيابهما تظل الخلايا نائمة.
وبالنسبة لداعش أرى أن لها جذور سياسية وثقافية ، فهي من سلالة القاعدة التي تمثل الجيل الأول للعنف المرتبط بالإسلام الجهادي بينما تمثل داعش الجيل الثاني، أعتقد أن نشأة داعش ترتبط بالإضافة إلى السلالة القاعدية إلى عناصر بعضها يغيب في التحليل حيث أن بدورها الأولى ارتبطت بأسلمة الجيش والدولة من طرف الراحل صدام حسين، ومن مفارقات التاريخ أن صدام حسين هو أحد الممهدين أو المؤسسين لداعش ولو بغير قصد، ومرتبطة أيضا بالغزو الأمريكي سنة 2003 وبخاصة بعملية تسريح الجيش العراقي المؤهل تقنيا و المؤطر إيديولوجيا وإسلاميا بحيث شكلت النواة الصلبة التقنية والإيديولوجية لداعش التي استطاعت بامتلاكها غالى تمويلات ضخمة إضافة إلى التكنولوجيات أن تتوسع وتتحدى القوى العالمية وتحاول التمدد في الرقعة العربية كلها.
o اشتغلتم كثيرا على الحداثة أولا نريد منكم تبسيط هذا المفهوم للقارئ؟، وثانيا هل المغرب دخل عهد الحداثة أم مازلنا في مرحلة ما قبل الحداثة؟ وما علاقة الحداثة بالتراث وكيف الملائمة ما بينهما؟
n مفهوم الحداثة بحكم التوسع في استعماله، تحول إلى مفهوم واسع وربما فضفاض لذلك يجب أن نميز بين المفهوم كما يستعمل في البحث السوسيولوجي والبحث العلمي والمفهوم كما يتم تداوله في المجال السياسي و الإعلامي حيث يتحول أحيانا إلى رمز أو شعار إلى غير ذلك من الاستعمالات ولكن بصورة مجملة يمكن القول أن مفهوم الحداثة بمثابة مثال أو نموذج يقوم على أساس عدة مكونات أولها الاستعمال الأقصى للعقل وتتمين الإنسان والحياة ومراعاة الشرط التاريخي واعتبار أن البشرية قد دخلت في الحداثة وتتجه نحو المستقبل وتحقق مزيدا من التقدم وهذا النموذج هو نموذج نظري قد لا يتحقق كليا في تاريخ شعب من الشعوب، بل هذا يتحقق تدريجيا ومرحليا في تاريخ المجتمعات ومن ضمنها المجتمع المغربي الذي يمكن أن نقول قد انخرط بغير إرادته في دينامية الحداثة منذ مطلع القرن العشرين، لأن انخراط المغرب في الحداثة ارتبط بصدمتين كبيرتين، الأولى بهزيمة المغرب أمام الجيوش الأوروبية، والثانية بصدمة دخول الاستعمار ، وبحسب بعض التحليلات السوسيولوجية فان الاستعمار قد لعب دورا مزدوجا من حيث أنه كان أداة لنهب خيرات الشعوب المتخلفة ولكنه بنفس الوقت كان أداة للتحديث ارتبطت أساس بدخول الاستعمار الذي نظم الطرق ونظم المدن والمواصلات وأقام السكة الحديدية والتلغراف والتلفون والسيارة ومختلف الأدوات التقنية، وبعد الاستقلال دخل المجتمع المغربي في سياق تجربة تحديثية هي الديمقراطية بمختلف مكوناتها ومستوياتها وهناك بعد آخر من أبعاد التحديث فهو التحديث الثقافي المتمثل في البنية العصرية للتعليم والذي نلمس جزء منه في الإنتاج الثقافي والذي يبرز فيه مثقفي الحداثة وعلى رأسهم المرحوم محمد عابد الجابري وعبد الله العروي والأجيال الأخرى، اذن المغرب منخرط في دينامية الحداثة أحيانا يسير ببطء وأحيانا يسرع لان عملية التحديث ليست طريقا سيارا أو معبدا بل تطاله أو تحكمه عملية التفاعل بين كوابح التقليد وطموحات التحديث على كافة مستويات البنية الاجتماعية، لذلك فالتحديث لم يتم في عقد أو عقدين من الزمن بل لعله يتطلب قرنا أو قرونا من الزمن، لان التحديث هو عملية شاملة وطويلة المدى، طبعا يمكن أن نركز على الحاضر و بعض التفاعلات والصراعات التي يمكن اختزالها في بعدين، بعد التطلع إلى الحريات الفردية والجماعية واكتساب المزيد من الحقوق وعملية مراقبة منسوبات التحديث بمراعاة المكونات التقليدية دون الدخول في تفاصيل هذا الصراع يمكن أن نقول أن التحليلات السوسيولوجية والفلسفية تقر اليوم بان ليس هناك تحديث مطلق أي تحديث بالتفاعل مع البنيات التقليدية واستدماجها وتطويرها، معظم النظريات اليوم أن التحديث الناجح لا يتم عبر القطائع بل عبر عملية تحديث البنيات التقليدية واستدماجها التدريجي في أفق الحداثة والتحديث دون تعنيف المكونات العميقة لروح التقليد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.