على الرغم من أن حالات الاغتصاب التي تتعلق بالفتيات الصغيرات قد تصدرت عناوين الصحف في الهند مؤخراً، إلا أن معظم حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال غالباً ما لا يتم الإبلاغ عنها، ويقول الناجون إن الثقافة الحالية تجعل من الصعب الكشف عنها. وكانت رينا دسوزا، التي تبلغ من العمر 38 عاما، واحدة من هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا لهذه الاعتداءات. وذكريات دسوزا عن تعرضها للاعتداء الجنسي من جانب شقيقها الأكبر عندما كانت في السابعة أو الثامنة أو ربما التاسعة من عمرها ضبابية. وقالت: "استمر الأمر لبعض الوقت... هناك أشياء لا أتذكرها، هناك ذكريات مكبوتة، وأنا دائما أشعر بالقلق من أن تعود للظهور يوما ما". ودسوزا مجرد واحدة من آلاف الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء كل يوم في الهند. وفقا لبيانات مكتب سجلات الجرائم الوطني، تم الإبلاغ عن أكثر من 36 ألف حالة في عام 2016 وحده من مختلف الجرائم بموجب قانون حماية الأطفال من الجرائم الجنسية لعام 2012، بما في ذلك أكثر من 19 ألف حالة اغتصاب وأكثر من 12 ألف حالة اعتداء جنسي. وقليل من الحالات تتصدر عناوين الصحف في الهند وتثير غضبا في جميع أنحاء البلد، مثل الاغتصاب الجماعي لفتاة تبلغ من العمر ثمانية أعوام وقتلها في الجزء الذي تديره الهند من كشمير في يناير الماضي. ومع ذلك، فإن معظم حالات الاعتداء الجنسي لا يتم الكشف عنها من جانب العائلات التي تشعر بالقلق إزاء وصمة العار الاجتماعية، وتظل هذه الاعتداءات حبيسة زوايا ضبابية في عقل الطفل. ووفقا لبيانات مكتب سجلات الجرائم الوطني، ففي أكثر من 90 في المئة من حالات الاغتصاب التي يكون ضحاياها من نساء وأطفال، يكون الجناة أشخاصا معروفين للضحية: أفراد العائلة والجيران والأصدقاء، وجميعهم أشخاص موثوق بهم للغاية، وهي حقيقة يقول نشطاء حقوق الإنسان إنها تربك الأطفال، مما يجعل الكشف عنها امرا أكثر صعوبة. وقالت ديسوزا إنها اعتقدت لفترة طويلة أنها كانت مسؤولة عن الاعتداء الجنسي عليها من جانب أخيها الأكبر، وأضافت: "شعرت، بطريقة ما بأنني كنت على خطأ... وبأنني كنت وراء إغرائه... وبعد مرور وقت طويل، اكتشفت أن زنا المحارم يمكن أن يكون أيضا اعتداء جنسيا". وفي عام 2017، نشرت وسائل إعلام تقارير عن حالات فتاتين، واحدة تبلغ من العمر عشر سنوات والأخرى 13 عاما، تقدمتا بطلب لمحاكم للحصول على إذن لإنهاء الحمل، وهو أمر مطلوب بموجب القانون إذا كان عمر الجنين أكثر من 20 أسبوعًا. إحدى الفتيات اغتصبها عمها، فيما اغتصب الأخرى زميل والدها. وتم الكشف عن الاعتداءين الجنسيين فقط عندما تم اكتشاف أن كل واحدة منهما حامل. ولا يشكل الاغتصاب سوى جانب واحد من نطاق الاعتداء الجنسي، الذي يتعرض له الأطفال في الهند، حيث أفادت دراسة، أعدتها وزارة شؤون المرأة والطفل في عام 2007، بأن حوالي 53 في المئة من الأطفال ال 12447 الذين شملتهم عملية المسح قد تعرضوا لشكل من أشكال الاعتداء الجنسي، 50 في المئة من هذه الحالات كان المعتدي معروفا للطفل. ووجدت الدراسة أن الاعتداء الجنسي على الأطفال قد بقي طي السرية، وأن أعدادا كبيرة من الحالات لا يتم الإبلاغ عنها. وقال أشويني أيلاوادي، الشريك المؤسس لمجموعة راهي، وهي منظمة غير ربحية تتعاون مع ضحايا بالغين للاعتداء الجنسي على الأطفال: "دليلنا الذي تم التوصل إليه من خلال سرد وقائع الاعتداءات الجنسية يشير إلى أن النسبة أعلى بكثير من نسبة ال53 في المئة، وقد تصل إلى 85-90 في المئة". وقالت ديسوزا، وهى الآن مديرة مشروع لمنظمة راهي: "نحن أيضاً نعاني من الكبت الجنسي بشكل كبير كمجتمع... لا يمكننا أن نمارس الجنس ولا نستطيع حتى التحدث عنه... فالأفراد الصغار الضعفاء في العائلة من السهل الوصول إليهم". وقال ايلاوادي: "منظومة الأسرة الهندية تفسح المجال أمام الاعتداء الجنسي، ويتعلم الأطفال أن يطيعوا كبار السن... ولا يُسمح لهم بالتحدث"، مضيفة: "هناك قصص عن اعتداءات من جانب الأب، والجد... عندما يكون شرف العائلة على المحك، فانهم لن يقوموا عادة بالإبلاغ عن ذلك". وقال كاجول مينون، الشريك المؤسس لمجموعة لهر، وهي منظمة غير ربحية معنية بحقوق الطفل: "إن الاعتداء الجنسي على الأطفال منتشر على نطاق واسع ونحن ننكر ذلك". تتذكر معلمة، تبلغ من العمر 52 عاماً، لا تريد ذكر اسمها، أنها تعرضت لاعتداء جنسي في سن مبكرة: "اغتصبني زوج ابنة عمي عندما كان عمري 8 سنوات. بدأت أختبئ في الحمام عندما كان يأتي إلى المنزل. أخبرت أخيراً والدتي وطلبت هي منهم عدم زيارتنا". وأضافت: "أمي طلبت من ابنة عمي عدم المجيء إلى بيتنا مع زوجها واستشاطت ابنة عمي غضبا وقالت إن والدتي عقلها مشوش. توقفنا عن حضور اللقاءات العائلية. ولكن الآن أتساءل، هل فعلت أمي ما يكفي؟ ماذا كان سيحدث لوكان زوج ابنة عمي قد واصل الاعتداء الجنسي على أطفال آخرين؟". هناك العديد من الأشياء التي تمنع الإبلاغ عن حالات الاعتداء الجنسي عن الاطفال، ويعد الخوف من الإهانة والوصمة الاجتماعية وجلب العار أمثلة قليلة. وفي كثير من الأحيان، يكون السبب الرئيسي هو غياب التعليم الجنسي والثغرات في التواصل مع كبار السن. وقال المحامي أوتساف باينز، الذي نجح مؤخرًا في التواصل مع معلم روحي شهير أدين باغتصاب فتاة تبلغ من العمر 16 عامًا، إن الاعتداء الجنسي على الأطفال في الهند أزمة يجب التعامل معها مثل وباء صحي، يستوجب تدخلات ملحة. وتحتاج منظومة العدالة الجنائية إلى إصلاح شامل، بحسب خبراء في هذا المجال. والشرطة والقضاء في حاجة إلى زيادة من المراعاة للوضع، ويتعين التعامل مع العدد الهائل من القضايا العالقة في المحاكم. ووفقا لأحدث الأرقام لدى المحكمة العليا، كانت هناك أكثر من 100 ألف قضية تتعلق بالاعتداء الجنسي على الأطفال في المحاكم الهندية حتى منتصف فبراير عام 2018. ويقترح باينز جدولا زمنيا محكما للنظر في قضايا اغتصاب الأطفال والاستعانة بمجموعة من القضاة للبت في القضايا العالقة. وغالبًا ما يتم التعامل مع ضحايا الاغتصاب بالشك والريبة، ويعقب ذلك محاكمات طويلة. وقالت ديسوزا: "لا يريد الناجون من الاغتصاب أن يكشفوا عن ذلك بسبب العملية القذرة... هذا رادع، ورادع كبير". وقال مينون إن الأخصائيين الاجتماعيين والمعلمين والعاملين في المجال الطبي يحتاجون إلى تدريب لتحديد حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال، والتعامل معها، وهناك حاجة غلى مزيد من المستشارين القانونيين. وأضاف: "الاعتداء الجنسي يحدث كأمر واقع كل يوم بالنسبة للأطفال في هذا البلد، وهناك حاجة إلى تغيير ثقافة الصمت". *د.ب.أ