أثارت رواية "باتريا" عاصفة ثقافية منذ أن اجتاحت إسبانيا العام الماضي. ويروي الكتاب قصة أسرتين انفصلتا عن بعضهما البعض بسبب إرهاب جماعة "إيتا"، الانفصالية في إقليم الباسك. وفتح الكتاب الباب لنقاش أوسع في إقليم الباسك، حيث يبحث الناس عن تفهم أوضح لتاريخ الإقليم، الذي تخللته أربعة عقود اتسمت بعدوان جماعة إيتا، ثم تقريبا عقدين آخرين من نشاط محدود لها قبل أن تحل بشكل رسمي مؤخرا. وأثارت الرواية، التي كتبها الكاتب فيرناندو أرامبورو، وهو من إقليم الباسك ويعيش في ألمانيا، على مدى العقود الثلاثة الماضية، انزعاجا في المجتمع الإسباني، وجلبت التاريخ الداخلي المعقد للصراع إلى جماهير جديدة. وقال أرامبورو مؤخرا لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): "لقد أوليت قدرا كبيرا من الاهتمام الأدبي بالتاريخ الحديث لإقليم الباسك، نظرا لأني شعرت بالتحدي مرة بعد مرة، بسبب الكثير جدا من الأحداث الدموية أو السلبية التي مازلت أتذكرها. شعرت أنه يتعين علي أن أقوم بإسهام شخصي من خلال الأدب". وبعد ست سنوات ونصف من إعلان الجماعة المسلحة وقفا نهائيا للعنف، أغلق إقليم الباسك أخيرا الباب على أكثر من أربعة عقود من الإرهاب. لكن ماريا سيلفيستر من جامعة "دويستو" بالإقليم تقول إن ذلك حدث "بدون الخوض بشكل عميق في ما وراءه". وتضيف سيلفيستر: "هناك الكثير من الأمور التي لم تتم مناقشتها بعد بحرية. هناك قضايا محرمة وغير مريحة، لا يعد المجتمع مستعدا لتناولها بعد". وبينما تم تطبيع الاختلافات الإيديولوجية في السنوات الست الماضية، مازالت هناك مخاوف من أن أي رواية رسمية لما حدث، تحت مخاطر إيتا، تحكي فقط جزءا من القصة. وهذا تحديدا ما يخشى منه ضحايا إيتا، ما دفعهم للمطالبة بأن تبقى "القصة الحقيقية" في إسبانيا، إذ انتقدت العديد من "اتحادات ضحايا إيتا" بيانا لإيتا، صدر في 20 إبريل الماضي، طالبت فيه الجماعة ب"العفو" عن "الضرر الذي تسببت فيه". وذكر الضحايا أن البيان "دعاية أكثر من كونه توبة صادقة". ويعتقد علماء الاجتماع في الإقليم أن الأمر سيستغرق العديد من الأجيال قبل أن تتشكل رواية واحدة موحدة. وتقول سيلفيستر: "لن تكون هناك رواية واحدة، على الأقل ليس الآن"؛ وبدلا من ذلك تؤيد قيام الناس بالاتفاق على حد أدنى من الحقائق المقبولة عالميا، ما يرسخ "نظرة عامة لكل شيء حدث"، و"الرفض غير المشروط" لاستخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية. وتضيف سيلفيستر: "هنا، مازالت حساسيات مختلفة، مشكلة بتجارب فردية، وهذا يجعل من الصعب أن توجد رواية واحدة. لكن يجب أن يكون هناك إجماع على عدم وجود أي شرعية للعنف قبل إمكانية تقديم الرواية"، مشيرة إلى أن "الطبقة السياسية لديها مسؤولية كبيرة في ما يتعلق بكيفية تطبيق هذا الحوار، وكذلك الحال مع المؤسسات التعليمية والأسر". والنجاح الباهر الذي حققته رواية "باتريا"، المؤلفة من 600 صفحة، يلقي الضوء على قضايا بقيت لفترة طويلة في الظل، بينما تكشف أيضا حقائق معروفة على نطاق ضيق للحياة اليومية لإقليم الباسك خلال ما تسمى "أعوام كئيبة". في تلك الأيام، كان هناك إحساس كامن بالخوف في الشوارع. وهددت الكتابة على الجدران "الجرافيتي" هؤلاء الذين عارضوا إيتا، والضغط الاجتماعي والتهديدات بالعنف أرهقت كثيرا عقول المواطنين العاديين. ورواية "باتريا" مهمة نظرا لأنها "تطرح على الطاولة قضايا كان يعرفها الجميع، لكن لم يجرؤ أحد على التعبير عنها"، حسب قول سيلفيستر، التي تضيف أن "المجتمع تقدم خطوة على الحكومة في هذا الصدد، بينما على المستوى الاجتماعي، لم تعد إيتا على الأجندة". ويمكن رؤية ذلك في الردود على نزع سلاح جماعة إيتا العام الماضي وحلها الذي تم الإعلان عنه مؤخرا. وقبل عقد من الزمن، كان هذا النبأ سيوقف المطابع، لكن الآن رد الفعل الشعبي محدود. وتقول سيلفيستر: "إنها ليست قضية تظهر في الإعلام أو في معظم الحوارات، وأعتقد أن الناس يعطونها الأهمية التي تستحقها. إن الأمر متأخر..وإنها خطوة رمزية أكثر من كونها أي شيء آخر". والخطر الرئيسي قادم، والخطر الذي يلاحظه باستمرار الضحايا الباقون على قيد الحياة لإرهاب إيتا هو أن الأجيال المستقبلية لن تفهم ما حدث خلال السنوات ال50 الماضية في الإقليم. وطبقا لمعهد استطلاعات الرأي "يوسكوباروميتر" فإن استطلاعا للرأي العام للإقليم، أعدته جامعة "ديوستو"، يظهر أن معظم الشباب في إقليم الباسك يربط إيتا بالماضي. وتختم سيلفيستر: "قلة الوعي تلك ليست جيدة، وسيتعين علينا بذل مزيد من الجهد لنقل الحقائق بشأن ما حدث، لتفادي ارتكاب نفس الأخطاء مرة أخرى". *د.ب.أ