بإعلان موعد الانتخابات الخاصة بممثلي الصحافيين المهنيين وناشري الصحف بالمجلس الوطني للصحافة في الثاني والعشرين من يونيو المقبل، يكون الجسم الصحافي مطالبا بالإجابة عن الأسئلة العميقة المرتبطة بإشكاليات التنظيم والتقنين والتمثيلية والمهنية والأخلاقيات بقطاع لا يمكن أن يتنفس إلا في ظل أجواء الحرية والاستقلالية والمصداقية. ويعد المجلس الوطني للصحافة هيئة الوساطة الوحيدة التي ينص قانونها على انتخاب كافة أعضائها الممثلين للجسم الصحافي، بدل مسطرة التعيين؛ وذلك بمقارنة مع هيئات شبيهة من قبيل المجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على سبيل المثال لا الحصر. ليس الهدف هنا الانكباب على مناقشة المقتضيات التي ينص عليها المجلس الوطني للصحافة وتشكيلته ومهامه وأسلوب انتخابه، أو أسباب تنزيله في هذا الظرف، وردود الفعل المختلفة حوله، بقدر ما يتعلق الأمر بإدراج بعض الملاحظات، منها غياب نقاش حقيقي وسط المهنيين والفاعلين في مجال حريات التعبير، يترفع عن المرامي والمصالح الفئوية والذاتية وينفذ بموضوعية إلى الأسئلة العميقة التي تفرضها المرحلة الدقيقة التي تمر منها الصحافة والإعلام. لقد كان من المفروض أيضا أن يندرج هذا النقاش العمومي حول هذا القطاع الحيوي وفق مقاربة تشاركية، تراعي بالخصوص انتظارات المهنيين من جهة والحاجيات الملحة لإعلام الحقيقة، إعلام مستقل ذي مصداقية، يتجاوب مع انتظارات الرأي، ويشكل أداة رقابة مجتمعية، وآلية ووسيلة للتقصي والرقابة على ممارسات كافة السلط بأوجهها المتعددة. فالمجلس وإن كان يشكل مرجعا أساسيا لتنظيم المهنة، فإن قضية أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام تعد من الانشغالات التي سيكون على المجلس إيلاؤها أهمية خاصة، وذلك من منطلق حرية التعبير، وليس من زاوية الحد من هذه الحرية من لدن السلطة باعتبار أن أخلاقيات المهنة وحرية التعبير وجهان لعملة واحدة.. فقضية أخلاقيات المهنة كانت عبر تاريخ ومسار الصحافة، خاصة منذ تسعينيات القرن الماضي، كسيف ديموقليس يسلط على رقاب الصحافيين خلال مراحل التوتر والمواجهة معهم، إذ يتم اللجوء إلى مقتضياتها والدعوة إلى الالتزام بها في فترات الحملات التي تستهدف الصحافة، في وقت يهم احترام آداب وأخلاقيات المهنة الجميع، وليس الإعلام بمفرده الذي غالبا ما يوضع في قفص الاتهام. غير أن حرية الصحافة والإعلام وإن كانت تعد في الأنظمة الديمقراطية مبدأ مقدسا، لا يمكن المساس به تحت أي طائلة، والضمانة الفعلية لممارسة حرية التعبير باعتبارها أحد المكونات الرئيسية لكل بناء ديمقراطي، فإن حرية الصحافة أيضا تكرس المبادئ الفضلى للمراقبة لفائدة المجتمع برمته، وتضمن حق الاختلاف. إن إقرار هذه الحقوق الإعلامية لا يستقيم إلا بتوفر جملة من الشروط، من بينها قيم الشفافية والحكامة في كل ما يهم تدبير الشأن العام، من منطلقات حق المواطن في الاطلاع على المعطيات والأخبار المتصلة بحياته ومصيره ومستقبله. من هذا المنطلق لا يمكن للصحافة والأعلام أن يقوما بدورهما إلا إذا عززا مصداقيتهما من جهة، وظلا أوفياء لرسالتهما النبيلة في الكشف عن الحقيقة، ومواجهة كل التجاوزات في مجال حقوق الإنسان، ومناهضة كل الأساليب والممارسات التي تسيء إلى نبل صاحبة الجلالة وتؤثر على ضميرها المهني المطالب بالالتزام بآداب وأخلاقيات المهنة، إذ إن الحفاظ على مصداقية الصحافة لا يمكن أن يستقيم إلا في إطار المهنة نفسها، واستنادا إلى آليات تساهم فيها فعاليات المجتمع المدني من منظمات حقوقية وجمعوية وثقافية، كما كان عليه الشأن بالنسبة للهيئة الوطنية لأخلاقيات الصحافة وحرية التعبير. وفي ظل التحولات التي يشهدها الإعلام على المستوى الوطني والدولي، والتي جعلته يصبح سلطة أولى بوظائف متعددة، فاقت في الكثير من الأحيان كل السلط، بفضل الثورة الرقمية، بعلاقة مع المجلس الوطني للصحافة، تنتصب جملة من التحديات والتساؤلات، منها ما هو الدور الذي يمكن أن يضطلع به هذا المجلس في خضم متغيرات ورهانات مهنة الصحافة والإعلام، وأيضا المتطلبات والحاجيات الجديدة للعنصر البشري، خاصة الأجيال الجديدة؟ وهل آلية انتخاب ممثلي الجسم الصحافي بمفردها ستمكن من ربح رهان المصداقية لدى الرأي العام؟. كما ترتبط هذه التساؤلات ب:هل يمكن اعتبار المجلس بعد "معركة" الانتخابات، بين "الأخوة الأعداء"، الوسيلة الفضلى لتكريس مبادئ أخلاقيات المهنة، وفرض احترامها والالتزام بها من لدن كافة الأطراف؟ كيف سيتم فرز تمثيلية حقيقية للصحافيين والإعلاميين، وضمان تنافسية حقيقية خارج هيئاتهم المهنية بدون إقصاء، وضمان الشفافية والحياد، خاصة من لدن السلطة الإدارية المكلفة بالإعلام؟. هذا علما أن التجارب الدولية في مسألة التنظيم والتقنين والأخلاقيات في الصحافة والإعلام لا تسمح بتاتا بأي تدخل في هذا المجال، سواء تعلق الأمر بإحداث هيئات ومجالس أو وضع قوانين لها أو التدخل في تشكيلتها من أي جهة خارجها، حكومية أو غيرها، خارج المهنيين باعتبارهم الجسم المعني الرئيسي بهذه القضايا. هل اللجوء إلى "توافقات فوقية سرية"، كما يرى البعض، حول راهن ومستقبل المجلس الوطني للصحافة، يمكن أن يكون بديلا عن فتح حوار جدي في الموضوع بين أجيال المهنيين المختلفة، ومن لهم علاقة مباشرة بحرية التعبير من منظمات وهيئات مدنية وفعاليات أكاديمية، اعتمادا على مقاربة ومنهجية ديمقراطية تمكن هذه الآلية التنظيمية الخاصة بالصحافة من معالجة الإشكاليات المطروحة على المهنة ومنها الأخلاقيات التي لا تطرح على الصحافة فقط، ولكنها تسائل أيضا السلط الأخرى ما ظهر منها وما خفي؟. إن معركة المجلس الذي ليس بديلا عن القضاء ستكون بعد تشكيله هي بالأساس معركة من أجل ربح رهانات المهنية والديمقراطية ومصداقية مكوناته واحترام قراراته أيضا.