بعد الإعلان الرسمي عن قوائم المرشحين في فئة الصحافيين والناشرين لملء مقاعد المجلس الوطني للصحافة المقرر انتخاب أعضائه في الثاني والعشرين من يونيو المقبل، يكون المرشحون مطالبين بعرض تصوراتهم وبرامجهم على الهيئة الناخبة التي لا تتعدى 3500 صحافيا مهنيا، موزعين على مختلف المنابر الإعلامية، من سمعية بصرية وورقية إلكترونية. ففي فئة الصحافيين المهنيين، يتصدر العاملون في وسائل الإعلام العمومي بالسمعي البصري ووكالة أنباء مجموع الحاملين لبطاقة الصحافة المهنية، وهو ما سيجعل أصواتهم على ما يبدو حاسمة في تحديد اللائحة الفائزة من بين اللوائح الثلاث المقبولة "المتنافسة" على مقاعد هذا المجلس، وفق ما أعلنت عنه لجنة الإشراف على عملية انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين وناشري الصحف بالمجلس الوطني للصحافة. وعلى خلاف فئة ناشري الصحف التي فضلت الترشيح الفردي، فإن فئة الصحافيين المهنيين "فضلت خيار" اللائحة المغلقة، وهو ما يجعل ناخبي هذه الفئة مجبرين على التصويت على اللائحة برمتها ولا مجال أمامهم سوى الاختيار من داخل اللوائح الثلاث المرشحة؛ ما جعل البعض "يطرح "علامات استفهام كثيرة" على هذا النمط من الاقتراع، مع العلم أنه حسب القانون الدستوري، فإن نظام اللائحة المغلقة يمنع التبديل في القائمة؛ بمعنى أن ليس للناخب أن يبدل اسما باسم آخر من المرشحين المذكورين في القائمة، بل عليه أن يصوت لإحدى القوائم المتنافسة بدون إدخال أي تعديل عليها، على خلاف الاقتراع الأحادي الاسمي، علما أن نمط الاقتراع يكون له تأثير حاسم على نتائج الانتخاب. وكانت لجنة الإشراف على عملية انتخاب ممثلي الصحافيين المهنيين وناشري الصحف بالمجلس الوطني للصحافة قد أعلنت الموافقة على الترشيح المقدم من لدن ثلاثة لوائح بالنسبة لفئة الصحافيين المهنيين، وهي لائحة "حرية مهنية نزاهة"، لائحة النقابة الوطنية للصحافة المغربية، ووكيلها حميد ساعدني، نائب سميرة سيطايل، مديرة الأخبار بالقناة الثانية، ولائحتان مستقلتان هما لائحة "التغيير" التي يرأسها علي بوزردة، المدير العام السابق لوكالة المغرب العربي للأنباء، ولائحة "الوفاء والمسؤولية" ووكيلها عبد الصمد بنشريف، مدير قناة الإخبارية المغربية. كما وافقت اللجنة على ستة عشر ترشيحا لفئة ناشري الصحف. وتنص المادة الخامسة على ضرورة مراعاة تمثيلية أصناف الصحافة والاعلام، أربعة صحافيين ينتمون إلى قطاع الصحافة المكتوبة، واثنان ينتميان لشركات الاتصال السمعي البصري، وواحد لوكالة أنباء. وبخصوص الأعضاء السبعة الذين يمثلون فئة الناشرين، فيتولى ناشرو الصحف تقديم ترشيحاتهم، مع وجوب مراعاة التمثيلية النسائية في الترشيح والتصويت بالنسبة للفئتين معا في المجلس الذي يشترط في عضويته التوفر على تجربة صحافية لا تقل عن 15 سنة. وإذا كانت أي من اللوائح الثلاثة لم تطرح إلى حد الآن تصوراتها ومقترحاتها وفق برنامج متكامل وشامل، فقد سارعت لوائح إلى تقديم صور مرشحيها ومنابرهم الإعلامية، وبضع شعارات من قبيل الالتزام في حالة الفوز بثقة الصحافيين بالعمل على تطوير حرية الصحافة وترسيخ منظور إعلامي منفتح ومتطور ملتزم بأخلاقيات المهنة في إطار الحكامة الذاتية لقطاع الصحافة الوطنية وعلى أسس ديمقراطية، مع الالتزام بالدفاع عن ضمان حق المواطن في إعلام يعكس التعددية ويحتكم لقيم النزاهة والمهنية، فضلا عن القيام بتغيير حقيقي وملموس، منطلقاته ديمقراطية تشاركية، وهدفه رفع كل أشكال الوصاية عن القطاع وضمان استقلاليته، واتخاذ إجراءات لتحسين أوضاع الصحافيين مع الحرص على احترام أخلاقيات المهنة واحترام المصادر الخبرية. فهؤلاء المرشحون، ومن خلالهم كافة الصحافيين، بعض النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم، والمنابر الإعلامية التي ينتسبون إليها، فإنهم مطالبون بأكثر من تلك النوايا المعلن عنها، مطالبون بالمساهمة في تفكيك شفرة الإعلام الوطني والقيام بتحليل موضوعي لتجلياته بسلبياتها وإيجابياتها، حتى يتمكن من تملك استقلاليته في مجال التنظيم والتقنين والتمثيلية، وربح رهانات المهنية، وهذا يتطلب القطع مع الهواجس الانتخابوية والتموقعات الفردانية بالمجلس، والبحث الجدي عن السبل الكفيلة بربح رهانات الديمقراطية والمصداقية، من أجل استعادة ثقة الجسم الصحفي والرأي العام. ويتألف المجلس بالإضافة إلى 14 عضوا يمثلون فئتي الصحافيين المهنيين وناشري الصحف، من سبعة أعضاء آخرين يمثلون كلا من المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، واتحاد كتاب المغرب، وناشر سابق تعينه هيأة الناشرين الأكثر تمثيلية، وصحافي شرفي تعينه نقابة الصحافيين الأكثر تمثيلية، بالإضافة إلى تعيين الحكومة مندوبا لها لدى المجلس يعهد إليه بمهمة التنسيق بين المجلس والإدارة. ويناط بالمجلس القيام بمهام التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر، ومنح بطاقة الصحافة المهنية، وممارسة دور الوساطة والتحكيم في النزاعات القائمة بين المهنيين، ووضع ميثاق أخلاقيات المهنة، والنظر في القضايا التأديبية التي تهم المؤسسات الصحافية والصحافيين المهنيين الذين أخلوا بواجباتهم المهنية. لقد كان المأمول من هذه المحطة أن تكون لحظة تأسيسية في مسار تنظيم قطاع الصحافة والإعلام، وأن يرافق ذلك نقاش عمومي تساهم فيه كافة الفعاليات الصحافية والإعلامية والقطاعات والهيئات المرتبطة بمجال حرية التعبير التي تعتبر حرية الصحافة أرقاها، لتسليط الأضواء حول مختلف إشكالات الإعلام، واتخاذ مبادرات ايجابية كفيلة بتنقية الأجواء وإصلاح الاختلالات، حتى يكون ذلك عاملا هاما في إنجاح هذا الورش التنظيمي. إلا أن المؤشرات الأولية تفيد بعكس ذلك، منها استغلال السلطة المكلفة بالاتصال وانشغال الجسم الصحافي بانتخابات المجلس الوطني للصحافة بمحاولتها تمرير مشروع بالبرلمان يهدف بالخصوص إلى متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي، في التفاف واضح على قانون الصحافة والنشر الذي لا يتضمن عقوبات سالبة للحرية، مع "اجتهادها" بإضافة تهم جديدة من قبيل إهانة هيئة منظمة، أو إهانة موظفين عمومين والقضاة؛ ما يطرح تساؤلات عريضة عنوانها البارز: هل تتوفر إرادة حقيقية من أجل ضمان ممارسة صحافية مهنية تترجم على أرض الواقع وتساهم بشكل فعلي في تطوير حرية الصحافة والنشر والعمل على الارتقاء بالقطاع، وتطوير الحكامة الذاتية بكيفية مستقلة وعلى أسس ديمقراطية؟