حمل سعيد برنانة "الحلم الأوروبي" طيلة 27 سنة عاشها في المغرب، ويشرف حاليا على استكمال عقدين من الزمن باحثا عن "التطور المثالي" الذي قاده إلى آسيا بعد تجربة في أوروبا. يؤمن سعيد ب"فرصة الحياة" أكثر من "الحياة فرص"، ما جعله يراكم الإقبال على التغيير كلما لاحت له إمكانية التحسّن، إلى أن حط الرحال، منذ سنوات مضت، في مملكة البحرين. تمارة والميكانيك ولد سعيد برنانة سنة 1973 بمدينة الرباط، لكن استقراره في حي "ديور الجامع" بالعاصمة لم يدم طويلا، بفعل انتقال أسرته إلى العيش في مدينة تمارة حيث أمضى معظم طفولته. تدرج برنانة بين ابتدائية "الموحدين" وإعداديتّي "11 يناير" و"الإمام الغزالي" وثانوية "عبد الله الشفشاوني"، وأبرز ميولا إلى المواد العلمية عموما، وكل ما له صلة بالأرقام تحديدا. التحق سعيد بجامعة محمد الخامس، في حي السويسي الرباطي، واختار دراسة العلوم الاقتصادية، بالموازاة مع تكوين بالمعهد العالي للتكنولوجيا التطبيقية في ميكانيك السيارات. دام تواجد برنانة سنتين فقط في الجامعة؛ إذ إن فترة تدريب لدى موزع سيارات "فولكس فاغن" جعلته يتحول إلى بائع لعربات هذه العلامة التجارية في المؤسسة ذاتها. إسبانيا والبحرين لجأ سعيد برنانة إلى الهجرة بعد توصله بعقد عمل من إسبانيا، عن طريق أخيه الذي سبقه إلى الإقامة في المملكة الإيبيرية، وكان ذلك في السنة الأولى من الألفية الحالية. "توقفت عن العمل أسبوعين بعد مراكمة تجربة من سنتين في هذا المجال، وكنت قد عثرت على منصب بديل في القطاع نفسه حين عرضت عليّ الهجرة، وبقيت 12 عاما في إسبانيا مشتغلا ودارسا لتدبير المقاولات"، يقول برنانة. يكشف سعيد أن إقباله على الزواج من مغربية مستقرة في مملكة البحرين قد قلب حياته بشكل إيجابي؛ إذ وفد على المنامة من أجل اكتشاف هذه البيئة الخليجية، والرحيل بمعية زوجته إلى برشلونة إذا وجد صعوبات في التأقلم. ويضيف المغربي نفسه: "أعجبت بانفتاح البحرين، وتحولت الشهور الثلاثة المبرمجة لزيارة هذه البلاد إلى استقرار دائم للاستمتاع بالإقامة في مجتمع رحب بي وأعطاني فرصة التطور". تسويق وتصميم بدأ برنانة مساره المهني في البحرين مندوبا للمبيعات في شركة تقدم خدمات الديكور الداخلي، خاصة قطع الأثاث المصنعة في إيطاليا، مراكما النجاحات بالتعامل مع زبناء من القطاعين العام والخاص. اتقانه للغة الإسبانية وطغيان أساليب التعامل الأوروبية في شركة "فينيسيا ديكور" التي تستعين بخدماته منذ ما يزيد عن 6 سنوات، سهّل على سعيد تعلمه للغة الإيطالية. طور "ابن تمارة" مهاراته بالإقبال على تكوينات جعلت منه في الوقت الحالي واحدا من مصممي الديكور الداخلي لصالح المؤسسة ذاتها، دون تخليه عن مسؤولياته في خدمة التسويق. بين ثقافات يبدي سعيد برنانة رضاه عن المسار الذي قطعه بين "ديور الجامع" بالرباط المغربية ومدينة المنامةالبحرينية، خاصة ما يرتبط بالتطور من خلال معرفة ثقافات مغايرة عن تلك التي تشبع بها في الوطن الأم. المنتمي إلى "مغاربة العالم" يقول في هذا الإطار: "أجمع بين التفكير المغربي بلا تغييب لمستلزمات التعاطي مع المجتمعات الأوروبية والخليجية، مستفيدا في ذلك من فرص الرقي المتاحة هنا وهناك". المستقر في المنامة يعترف بأن المفاجأة الجميلة كانت بحرينية، قائلا إن استقراره في إسبانيا جعله يتمثل المجتمعات الخليجية في صورها النمطية الشائعة، قبل أن يقف على خطئه حين راكم شهورا من التواجد في هذا البلد. نظرة مهاجر يرى برنانة أن مسارات الهجرة السليمة تكون من أجل فتح آفاق أمام الناس قبل أن يعودوا، في زمن لاحق، إلى بيئتهم الأصلية لاسترجاع إيقاعهم العادي ونقل ما جمعوا من خبرة إلى الأجيال اللاحقة. كما يعترف سعيد بأن أنواع الهجرة خارج المغرب، التي تختلف دوافعها من فرد إلى آخر، تحتاج إلى طموحات تدفع بمن يخوضها إلى تحسين أوضاعه الشخصية والمهنية، مع رسم أهداف واضحة واستثمار الفرص في تحقيقها. "الشباب المقبل على تخطي حدود الوطن مطالب بتقبل مجتمعات الاستقرار الجديد، لأن الضيف ينضبط دائما لخيارات صاحب الدار، واندماج مغاربة العالم في فضاءات تواجدهم يجعل مكانتهم محترمة، وذلك يجلب التقدير للوطن الأم أيضا"، يختم سعيد برنانة.