علل المغرب تحفظه على المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة حين انضمامه إلى الاتفاقية المذكورة سنة 1993 بالفقرة التالية: "تتحفظ حكومة المملكة المغربية على مقتضيات هذه المادة وخصوصا ما يتعلق منها بتساوي الرجل والمرأة في الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه. وذلك لكون مساواة من هذا القبيل تعتبر منافية للشريعة الإسلامية التي تضمن لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات في إطار من التوازن والتكامل وذلك حفاظا على الرباط المقدس للزواج. فأحكام الشريعة الإسلامية تلزم الزوج بأداء الصداق عند الزواج وإعالة أسرته، في حين ليست المرأة ملزمة بمقتضى القانون بإعالة الأسرة. كما أنه عند فسخ عقد الزواج، فإن الزوج ملزم بأداء النفقة. وعلى عكس ذلك تتمتع الزوجة بكامل الحرية في التصرف في مالها أثناء الزواج وعند فسخه دون رقابة الزوج، إذ لا ولاية للزوج على مال زوجته." و في سنة 2011 يرفع المغرب تحفظه هذا دون تقديم أي بيان تفسيري، فما الذي تغيير بين التاريخين؟ هل تغيرت أحكام الشريعة الإسلامية التي كان المغرب يعلل بها تحفظه؟ أم تغير تنصيص الدستور المغربي أن دين الدولة هو الإسلام؟ أم نريد تغيير مقومات البناء الأسري فتصبح الزوجة ملزمة بإعالة الأسرة بدل الزوج؟ وملزمة بالنفقة حال فسخ العلاقة الزوجية؟ هل نريد إلغاء الصداق (المهر) من أركان الزواج؟ هل نريد إلغاء حق الزوجة في طلب التطليق لعدم نفقة الزوج؟ هل نريد إرهاق كاهل النساء المغربيات ربات البيوت اللواتي لا يتوفرن على دخل قار فنضيف لهن إلى جانب رعاية البيت تعب البحث عن مصدر رزق لتقاسم النفقة بالمساواة مع الزوج؟ وماذا عن الجمعيات النسائية التي تناضل من أجل إقرار حقوق المرأة و ليس من أجل حرمانها من حقوقها المكتسبة؟ كيف تقبل بمقتضيات مادة إذا انعكست مضامينها على التشريع الوطني ستضيف للمرأة المغربية خاصة في القرى و البوادي و أحواز المدن معاناة على معاناة ؟ وفي سياق متصل ، أعلن الخطاب الملكي بتاريخ..10 دجنبر 2008 عن سحب التحفظات التي أصبحت متجاوزة بفعل التشريع الوطني وليس جميع التحفظات وعلى إثره دار نقاش حول التأويلات الممكنة لهذا الخطاب وحسم الموضوع ببيان المجلس العلمي الأعلى بتاريخ.27 دجنبر 2008 الذي أكد عدم المساس بأحكام الشريعة الإسلامية ،مما فهم منه أن المغرب لن يرفع تحفظه على المادة 16 المتعلقة بأحكام الأسرة وقد يرفع تحفظه على المادة 9 المتعلقة بمنح الجنسية. لكن بعد ذلك ب3 سنوات طلع علينا العدد 5974 – 2 شوال 1432 (فاتح سبتمبر 2011 ) من الجريدة الرسمية بنشر خبر رفع تحفظ المغرب على المادة 16 مع أن هذا الموضوع لم يثر داخليا في الفترة الحالية بأي شكل من الأشكال ولم يطالب به لا حزب و لا جمعية و لا حراك شعبي ، إذ كان الشعب المغربي بكل مؤسساته منشغل أساسا بورش المراجعة الدستورية. و الدستور الجديد أعطى للبرلمان صلاحية المصادقة ( أو عدم المصادقة) على جميع الاتفاقيات الدولية ( بينما الدستور السابق كان لا يمنح للبرلمان هذه الصلاحية إلا بالنسبة للاتفاقيات التي لها تداعيات مالية) مما يعني أنه حاليا لا يجوز للحكومة اتخاذ قرار بشأن أي اتفاقية دولية دون استشارة البرلمان و البرلمان لم يستشر في رفع التحفظ، و بتتبع الموضوع تبين أن الحكومة راسلت الأمين العام للأمم المتحدة من أجل سحب التحفظ على المادة 16 في 8 أبريل 2011 ( دون علم المؤسسة البرلمانية) أي أنها استعملت مقتضيات الدستور القديم في سرية تامة قبل أن يدخل الدستور الجديد حيز التنفيذ وتركت النشر لما بعد التصويت على الدستور مما يثير أكثر من علامة استفهام ! إن الموضوع على قدر كبير من الخطورة : فالمبادرة غير ديمقراطية وفيها استخفاف بمؤسسات الشعب وهي أيضا عدوان شنيع على الأسرة المغربية وقيمها الإسلامية التي لن تتنازل عنها لمجرد مناورات بهلوانية ..نتمنى أن يخرج المجلس العلمي الأعلى عن صمته ويوضح الموقف مما جرى ..أما الشعب المغربي وقواه الحية المؤمنة بالديمقراطية والمعتزة بقيم الإسلام وشريعته السمحة فلن يخذلوا المغرب وسيكونون بالمرصاد لكل المساعي العابثة بأمنه واستقراره . *برلمانية مهتمة بقضايا المراة والأسرة