أثارت قضية التلاعب بالمساعدات الإنسانية الموجهة لفائدة سكان مخيمات تندوف ضجة كبيرة لدى المجتمع الدولي، خصوصا بعد صدور تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش سنة 2015، الذي أكد وجود تلاعب وغش كبيرين في كميات مختلفة من المساعدات التي تمولها المفوضية الأوروبية الإنسانية الموجهة إلى الساكنة المحتجزة في مخيمات تندوف؛ كما أكد أن هذه المساعدات يستفيد منها، منذ سنوات، كبار القادة العسكريين من الجزائر والبوليساريو. وكان البرلمان الأوروبي أثار بشكل واسع، أمام لجنة مراقبة الميزانية، قضية التلاعب بالمساعدات الإنسانية، وطالب بضرورة إجراء إحصاء دقيق لساكنة مخيمات تندوف. في السياق نفسه أكدت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية فيديركا موغريني (Federica Mogherini) وجود تلاعب في توزيع المساعدات الموجهة إلى سكان مخيمات تندوف. وقد طالب كل من المغرب والأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي دولة الجزائر وجبهة البوليساريو بإحصاء سكان مخيمات تندوف، واعتبروا أن عدم إجراء إحصاء لسكان هذه المخيمات خلال مدة طويلة هو بمثابة إشكالية فريدة من نوعها في سجلات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ومن جهة ثانية، اتهم ممثل المغرب في الأممالمتحدةالجزائر بمغالطة العالم بتقديمها إحصاءات خاطئة حول عدد سكان مخيمات تندوف؛ داعيا إلى إجراء إحصاء عاجل لهم تحت إشراف مفوضية الأممالمتحدة العليا لشؤون اللاجئين، وهو الأمر الذي رفضت الجزائر إجراءه إلى حدود اليوم، على الرغم من الدعوات المتكررة للمجتمع الدولي. أمام هذه الوضعية غير القانونية وغير الإنسانية لسكان المخيمات، وصعوبات وعراقيل إجراء إحصاء مباشر للسكان، سنستعين في هذه الدراسة بتقنيات وأدوات جد متطورة، ومنهجية علمية واضحة، عبر توظيف واستعمال تقنيات الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية لإحصاء سكان مخيمات تندوف. هذه الوسائل تعد اليوم من بين أدوات التحليل المجالي والإحصائي الأكثر تطورا واستعمالا في مثل هذه الدراسات. تنقسم المنهجية المعتمدة في هذه الدراسة إلى عدة خطوات، تبدأ بالاطلاع على عدد مهم من الدراسات والأبحاث العلمية التي عالجت الموضوع بالمقاربة نفسها ( BARBARY O., 1988 ASSELIN L.M., 1984، (ORSTOM.1988 ، تليها عملية دمج صور الأقمار الاصطناعية لمنطقة تندوف داخل نظم المعلومات الجغرافية، حتى يسهل تقسيم المجال الدراسي، اعتمادا على الأشكال الهندسية، إلى مناطق متجانسة من حيث نسيج السكن وحساب عدد الخيمات داخل تندوف. من جهة أخرى، سيسمح المنهج التاريخي بتتبع الدينامية المجالية لتندوف، عن طريق مقارنة صور الأقمار الاصطناعية لفترات زمنية مختلفة، ومعرفة ما إن كان هذا المجال الجغرافي في دينامية مستمرة، أم أنه حافظ على نفس الشكل المورفولوجي الذي ميزه لعقود؟.. كما أن اعتماد المنهج الكرطوغرافي والإحصائي والمقارن سيمكن من الحصول على بعض النتائج، خاصة تلك المرتبطة بعدد السكان داخل المخيمات؛ فتقسيم مجال تندوف إلى مناطق متجانسة من حيث نسيج السكن سيسمح بحساب العدد الإجمالي للخيمات مضروب (x) في متوسط عدد أفراد الأسر. وعليه فقد توصلنا من خلال توظيف المناهج المذكورة إلى تقدير سكان مخيمات تندوف في حوالي ثمانية وعشرين ألف نسمة. وهذه النتيجة الإحصائية بعيدة جدا عن الأرقام المغلوطة التي تروجها الجزائر، والتي لم تتردد يوما في تضخيم عدد سكان المخيمات، إذ كانت تروج لما قدره 164 ألف ساكن، حتى تجذب لدعايتها السياسية حول اللاجئين فوق ترابها تعاطفا دوليا، الأمر الذي فضحه التقرير الصادر عن المكتب الأوروبي لمكافحة الغش سنة 2015. وفي المقابل فالنتيجة المحصل عليها هذه الدراسة قريبة جدا من الرقم الذي قدمه ممثل المغرب في الأممالمتحدة الذي لا يتجاوز ثلاثين ألف نسمة. أما على المستوى المجالي، فمقارنة الصور الفضائية متعددة التواريخ تبين أن المجال الترابي لتندوف ثابت ولا يعرف أي توسع أفقي أو عمودي، وبالتالي فهو يعتبر مجالا طاردا للسكان ولا يتوفر على مقومات العيش الأساسية. كذلك مكنت هذه النتيجة من استنتاج أن التزايد الطبيعي للسكان جد بطيء. وبالمقابل فمقارنة تندوف مع مدن مغربية، كطانطان والسمارة، يوضح أن هذه المدن تعرف ديناميكية مهمة وتوسعا عموديا وأفقيا، نظرا للمجهودات التي بذلتها المملكة المغربية لتنمية الأقاليم الجنوبية، في وقت تتلاعب الجزائر والبوليساريو بمصير سكان المخيمات بحرمانهم من حقهم في العودة إلى أرض الوطن وضمان العيش الكريم إلى جانب إخوانهم المغاربة. ويبقى إجراء الإحصاء لسكان المخيمات أمرا ضروريا للتمييز بين السكان الصحراويين المغاربة والجنسيات الأخرى المستوطنة بالمنطقة، خصوصا أن البوليساريو والجزائر عمدتا إلى إدخال العديد من الأفارقة القادمين من الساحل وبعض الموريتانيين والرحل إلى المخيمات، لتضخيم عدد السكان وتبرير طلب المساعدات. إن الاعتماد على صور الأقمار الاصطناعية يمكن المغرب اليوم- خاصة بعد إطلاق القمر الاصطناعي محمد السادس- من الحصول على معلومات جغرافية ذات دقة مجالية وزمنية عالية (Résolution spatiale et temporelle)، ساعدته في مراقبة التراب الوطني ورصد التحركات المشبوهة لعناصر البوليساريو بالمنطقة العازلة. *أستاذ باحث بجامعة ابن طفيل، القنيطرة [email protected]