في سنة 1992، أُحدثت الجماعة الترابية لآيت ميلك، وهي تابعة إداريا لدائرة بلفاع ماسة بإقليم اشتوكة آيت باها. ويؤدي إلى مركز سبت آيت ميلك محوران طرقيان هامان؛ يتعلق الأمر بالطريق الإقليمية رقم 1016 التي تصلها بالطريق الوطنية رقم 1، وبالطريق الإقليمية 1007 التي تربط المركز بحاضرة الإقليم. وتمتد الجماعة الترابية على مساحة تُقدّر ب 188 كيلومترا مربعا، ويبلغ عدد دواويرها 95 دوارا، أما عدد الساكنة فيصل إلى 10370 نسمة، وفقا للإحصاء الرسمي لسنة 2014. وقد اكتسبت "سبت آيت ميلك" إشعاعا اقتصاديا وتجاريا ودينيا منذ القدم، باعتبار سوقها الأسبوعي الذي ينعقد كل يوم سبت، وشكلت محطة لعدد من ساكنة الجماعات المجاورة لتصريف المنتوجات المحلية. وكان الأهالي يعتمدون على الدواب في تنقلاتهم صوب هذا المركز الذي عُرف برواجه، وكان يُعدّ من الأسواق الأولى بمنطقة سوس التي تشهد ذلك الحجم من الإقبال؛ إذ تزدهر تجارة المواشي وكل ما تنتجه الأراضي البورية أو الواحات من حبوب وخضر، فضلا عن المنتوجات اليدوية المحلية. إشعاع منطقة آيت ميلك، الذي تجاوز سوس، لعب فيه الجانب الروحي والديني أهمية بالغة؛ إذ كان لنسب دفين المدرسة العلمية العتيقة سيدي سعيد أومسعود بآيت ميلك، المرتبط بالعالم سيدي محمد الحاج الحبيب التنالتي، بالإضافة إلى المكانة العلمية للمدرسة ذاتها، ولحجم طلاب العلم والفقهاء الذين تخرجوا وما زالوا يتخرجون فيها، الفضل في اعتبارها مركزا تجاريا يفد عليه التجار والمتبضعون من كل صوب وحدب، وقبلة للراغبين في التحصيل العلمي. آيت ميلك بلدة هادئة، تُعدّ صلة الوصل بين المنطقة السهلية والجبلية لإقليم اشتوكة آيت باها، غير أن هدوءها يُكسره واقع التنمية الذي يبدو أن أشواطا طويلة يجب أن تُقطع من أجل تحقيق ذلك الإقلاع التنموي الذي تنشده الساكنة المحلية، والرقي بالمنطقة إلى مستوى جماعات مجاورة على الأقل، وإن بدت عدة أوراش قد فتحت بها، لاسيما خلال السنوات القليلة الماضية. جامع أسملال، فاعل جمعوي بآيت ميلك، اعتبر ضمن تصريح لهسبريس أن ما تنشده ساكنة عدد من المداشر من تنمية حقيقية لم يتحقق منه إلا الشيء القليل؛ "ذلك أن عددا من الطرق تفرض عزلة قاهرة على الأهالي في الفترات المطيرة، كما أن حالة المقابر يُرثى لها؛ إذ إن غياب تدخل المجلس الجماعي من أجل تسوير هذه المرافق الدينية يُهدد حرمة الموتى، ويجعل قبورهم عرضة للنبش والتخريب من طرف الحيوانات المفترسة، ناهيك عن التمييز في دعم الجمعيات المحلية، حيث تتم العملية وفقا للانتماء السياسي". وعن قطاع الصحة، أورد المتحدّث أنه يعيش وضعا كارثيا غير مسبوق، مسجلا وجود "نقص حاد في الموارد البشرية والأدوية والتجهيزات بالمركز الصحي بمركز سبت آيت ميلك، مما يضطر معه المرضى إلى تكبّد عناء التنقل إلى المؤسسات الاستشفائية بالمدن والحواضر القريبة، مع ما يُكلفه ذلك من جهد مادي ومعنوي، ينضاف إلى وضعهم الاجتماعي المأزوم أصلا"، مضيفا: "طالبنا مرارا وتكرارا بتعيين طبيب قار وتجهيز المركز، لكن مناشداتنا تذهب أدراج الرياح". ويرى الفاعل الجمعوي ذاته أن دوافع هجرة الشباب صوب المدن المغربية وإلى خارج المغرب، تكمن أساسا في "انعدام فرص الشغل، وغياب التفاتة من الجهات المسؤولة من أجل فك العزلة القاهرة التي يئن تحت وطأتها عدد من مداشر هذه الجماعة، والحالة المتردية التي يوجد عليها مركز السوق، الذي لا يوحي، على الأقل في الوقت الراهن، لأنه مركز لممارسة مختلف أنواع التجارة، ناهيك عن غياب أية عناية بالمداخل الأساسية للمركز، سواء من جهة بيوكرى أو بلفاع أو جماعة آيت أحمد"، على حد تعبيره. وعن المستوى التنموي الذي مازال محط انتقاد بجماعة آيت ميلك، عبّر رئيس الجماعة، عبد الرحمان خيار، ضمن تصريح لهسبريس، عن كون الفترة القصيرة التي قضاها المجلس الحالي في تسييره لشؤون هذه الجماعة، والتي راكم فيها إرثا تنمويا ثقيلا، غير كافية لتقييم حجم التدخلات المنجزة من أجل تحقيق ذلك الإقلاع التنموي المنشود والاستجابة لمختلف تطلعات ساكنة الجماعة، مستدركا بأن "ذلك الإرث الثقيل لا يعني أننا بقينا مكتوفي الأيدي، بل نعمل جاهدين، بالإمكانيات الذاتية المحدودة للجماعة، ومن خلال مرافعات المجلس، من أجل تحقيق كل ما نصبو وتصبو إليه الساكنة". "فالمعاناة المتكررة للساكنة مع الفيضانات وما تخلفه من مآس وعزلة على بعض الدواوير، لاسيما بآيت اعمر، نرى أن تدخّل الدولة من أجل إنجاز سدود تلية بالمنطقة هو الحل الفعّال من أجل حماية الساكنة من آثار السيول الجارفة التي تغمر المنازل والمدارس وتقطع الطرق أمام الراجلين والعربات"، يقول رئيس الجماعة، الذي أضاف أن قطاع الطرق، "وبفضل شراكات مع عدة جهات، لاسيما صندوق التنمية القروية، يتم إنجاز على الأقل 7 كيلومترات معبدة سنويا، مما سيحل عددا من المشاكل في هذا الجانب، ويساهم في ربط الجماعة بمجوعة من الجماعات المجاورة، وسيكون لذلك دور محوري في زيادة الرواج الاقتصادي لمركز سبت آيت ميلك، وسيسهل على الساكنة الولوج إلى مختلف الخدمات الأساسية". من جانب آخر، شاطر المسؤول الجماعي ذاته ما يوجّه لقطاعي الصحة والتعليم من انتقادات، وقال إن "المركز الصحي الوحيد بتراب الجماعة ما زال لم يرق بعد إلى مستوى مرفق صحي من شأنه أن يُلبي الحاجيات الأساسية للساكنة"، كاشفا أن "الطبيب يتناوب على المركز الصحي لآيت ميلك وإنشادن، مما يجعل الساكنة متذمرة من هذا الوضع، أما دار الولادة فما زالت أبوابها مقفلة". وعن قطاع التعليم، أورد الرئيس أنه "بتنسيق مع المديرية الإقليمية، سيتم تجميع الفرعيات المشتتة بالمنطقة، على أن توفر الجماعة النقل المدرسي للتلاميذ". ويرى المتحدّث أن ظاهرة الهدر المدرسي المستفحلة بين صفوف الفتيات بالخصوص، تستوجب إحداث داخلية للفتيات بالثانوية التأهيلية القدس، وإنجاز دار للطالبة بالمركز تستوعب الفتيات المتحدّرات من المناطق البعيدة. وفي جانب تأهيل السوق الأسبوعي، أوضح رئيس الجماعة أن "دراسة أُنجزت بهذا الخصوص، وتم قطع أشواط مهمة، غير أن الوضعية العقارية حالت دون تنزيل هذا التدخل، لكن في المقابل، تمت تهيئة محلات الجزارة، وفتح منافذ جديد، وشرع تجار في بناء محلات جديدة، مما أفضى إلى الإقبال على هذا الفضاء التجاري التاريخي، وبدأ يستعيد بريقه السابق، في انتظار توسيع المركز الذي سيتميز ببناء سوق نموذجي وإحداث تجزئة سكنية ستُضفي على المركز حلة جديدة". مجهودات يرى رئيس الجماعة الترابية لآيت ميلك أنها غير كافية، لكن "ما زالت أمامنا إكراهات عديدة، نحاول التغلب عليها، لاسيما تعميم استفادة جميع الدواوير من الماء الشروب؛ إذ ما زال 14 دوارا محروما رغم ورودها في الاتفاقية الموقعة بين عدة أطراف، ورغم عدد من الاجتماعات الماراطونية عديمة الجدوى، كما أن الجمعيات المسيرة لمشاريع الماء تستفيد من دعم الجماعة من غير أي تحيز أو ما شابه، بالإضافة إلى أن غياب الصرف الصحي، الذي نحن بصدد إنجاز دراساته، فوّت علينا الاستفادة من دعم وزارة الإسكان في إطار سياسة المدينة، ومن المنتظر كذلك تعميم الكهرباء على الجميع".