قال عبد الوهاب رفيقي، في محاضرة نظمتها شبيبة العدالة والتنمية بالمضيق مساء الجمعة 8 يناير 2016: "ما من شيء تفعله داعش إلا وله تأصيل في الفقه الإسلامي"، مضيفا: "هذه النتيجة لم أخذها من الإعلام أو من أعداء الإسلام، هذا وقفت عليه شخصيا"، موردا أن كل منظومة "داعش" موجودة في الفقه الإسلامي وفي كتب الدعوة النجدية، و"لذلك يجب أن نكون متيقنين أننا إذا أردنا مناظرة أي داعشي وجعلنا كتب الفقه حكما بيننا، فإنه بالتأكيد سوف يهمزنا؛ لذلك يجب انتقاد المنظومة الفقهية التي تعتمدها داعش، بدل الاكتفاء باستنكار ما تفعله داعش". وأكد أبو حفص أن تنظيم "داعش" دولة شرعية حسب المنظومة الفقهية التي يستند إليها أهل السنة والجماعة، التي تقوم أدبياتها على شرعية الدولة المتغلبة، مبرزا أن الذين يستنكرون على "داعش" استباحة الدماء يجب أن يعلموا أنه لم تقم دولة إسلامية إلا على سفك الدماء والجماجم، كما هو الشأن بالنسبة لدولة بني العباس وبني أمية، التي قتل أمراؤها الآلاف، وفي الأخير بايعهم الفقهاء باعتبارهم متغلبين وأمر واقع. وللتدليل على وجهة نظره، أوضح أبو حفص أن "داعش" حينما أحرقت الطيار الأردني اعتمدت على إحدى فتاوى بن تيمية ولم يكذبوا عليه، "داعش لا تكذب على الفقهاء، ما تعتمد عليه داعش موجود في كتب الفقهاء وأدبياتهم؛ لذلك لا بد من انتقاد هذه الأدبيات". وقد سبق للكنبوري، الباحث في الجماعات الإسلامية، أن انتقد "أبو حفص" في قوله إن "دولة داعش شرعية"؛ فقد تناقلت مجموعة من المواقع والمنابر الإعلامية تصريحات ومواقف منسوبة إلى محمد عبد الوهاب رفيقي، المعروف ب"أبي حفص"، مؤداها أن ما يسمى ب"الدولة الإسلامية في العراق والشام"، التي أعلنها تنظيم "داعش" هي دولة شرعية حسب الأسس الإسلامية، وهذا ما اعتبره الكنبوري جرأته في الطرح، متكلما عن أبي حفص بأنه أحدث في تفكيره انعطافة كبرى وجذرية، خصوصا أن تصريحاته تم تناقلها على نطاق واسع. بيد أن أبا حفص يسوق مثال العباسيين والأمويين للتدليل على الشرعية التي تتمتع بها "داعش"، وهذا هو المراد بإمارة التغلب أو بيعة الغلبة التي تكلم عنها أبو حفص في مقارنته هاتين الدولتين الإسلاميتين (العباسية والأموية) ب"داعش" في محاضرته أمام شبيبة العدالة والتنمية بشمال المغرب. فكما هو معروف، فإن بيعة الغلبة لجأ إليها الفقهاء كوسيلة للتوفيق بين حالة الفتنة وحالة فراغ السلطة، بحيث لا يسقط المجتمع في الفتنة ولا يخلو منصب الخليفة أو السلطان، غير أن الكنبوري في رده على أبي حفص يدافع عن العباسيين والأمويين؛ إذ اعتبر جمع الثلاثة معا في شرعية واحدة يؤدي إلى المحظور، وإلى إعادة قلب التاريخ الإسلامي جملة وتفصيلا حسب قصده. وفي هذا الإطار، أتذكر حوارا موجزا مع صديق مسلم شيعي، أحترم ذكاءه ونباهته، قال إن عليّا رفض مبايعة أبي بكر الصديق في البداية، ولم يبايعه إلا بعد وفاة زوجه فاطمة الزهراء بعد شهور. وكان قد أجبر يوما من طرف عمر بن الخطاب على مبايعته، كما روى عدد من المؤرخين كابن قتيبة في "الإمامة والسياسة" واليعقوبي في تاريخه، حيث يروي أن عمر أمر بحرق بيت النبوة الذي فيه فاطمة وعلي بن أبي طالب، وكاد الأمر أن يتحول إلى معركة بين أنصار عليّ وأنصار عمر لولا تدخل أبي بكر وإرجاء الأمر إلى ما بعد. وقبل ذلك، كان أبو بكر إثر مبايعته كخليفة للمسلمين في سقيفة بني ساعدة قد ارتكب خطأ فادحاً عندما قال لتهدئة الناس: "من كان يعبد محمدا فمحمد قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت"، حيث ارتدت الكثير من القبائل لأنها كانت تنظر إلى نبي الإسلام محمد كصاحب معجزات وكاريزماً وليس كنبي مرسل من ربه، وقد كان بعضهم مستفيدا من وضعه الاعتباري في قبيلته كممثل لنبي الإسلام، وبعد وفاته آثرت هاته القبائل مبايعة زعمائها الذين تنبأ بعضهم بجلب المزيد من الأتباع كالأسود العنسي، ومسيلمة الذي يحكى أنه صنع لأتباعه قرآنا كقرآن محمد. وفي السياق نفسه، يأتي إعلان أبي بكر الحرب على المرتدين بعد وفاة نبي الإسلام ليعارض النص القرآني الذي لا يكره الناس على دين الإسلام فضلا عن الأمر بمقاتلتهم؛ إذ يقول تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، لكن أبا بكر أبى إلا أن يقاتل حتى من بقي على الإسلام لكنه منع عنه أموال الزكاة؛ وذلك تسجيلا لموقف سياسي من بيعة السقيفة التي تمت في غفلة من حضور الكثير من القيادات السياسية من خارج المدينة ومن داخلها، وعلى رأسهم فصيل أهل بيت نبي الإسلام؛ إذ جاء أبو هريرة ليبرر لأبي بكر مقاتلة أهل القبلة من مانعي أموال الزكاة بحديث منسوب إلى نبي الإسلام يقول فيه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويقيمُوا الصلاة ويؤتوا الزكاة"، حيث تم إقحام وإيتاء الزكاة، ليكمل "فإن فعلوا عصمُوا مني أموالهم ودمائهم"، ليقدم بذلك أكبر خدمة لأبي بكر وصاحبه عمر لاستئصال معارضيهما خارج المدينة. وقد كان أبو هريرة يبيت بالمسجد مع فقراء أهل الصفة الذين يستعطون الناس. صحب النبي قبيل وفاته لسنتين تقريبا ولم يعاشره فيها كصحابته المقربين لأن محمدا كان مشغولا بغزواته وترتيب شؤون المدينة، مما دفع الكثير من المحققين إلى التشكيك في هاته العلاقة التي استغلها أبو هريرة فيما بعد ليبث أحاديثه بين الناس حتى فطن إليه عهد عمر بن الخطاب فنهاه عن الرواية، ويروى أنه ضربه بالسوط بعد أن وقف على تدليسه، الذي كشفته أيضا عائشة في حديث: "من أصبح جنبا في رمضان فليفطر"، ليخرج له أصحاب الصحاح بعد ذلك الآلاف من الأحاديث التي نشرها خصوصا في عهد عثمان ومعاوية الذي أكرمه وقربه لموقفه المتحيز للأمويين ضد الإمام علي حتى ولاه المدينة لفترة. هكذا ارتكبت مجازر في حق المسلمين، بل فضائح تورط فيها عدد من الصحابة المعروفين، كقصة خالد بن الوليد الذي قتل الصحابي مالك بن نويرة ودخل بزوجته بالرغم من أن الرجل قد صلى مع طليعة جيش خالد قبل أن يصل وكان قد جمع زكاة قومه لكنه تردد في تسليمها لرسول أبي بكر حتى يستيقن الخبر، وقد كان بين الرجلين – خالد ومالك - ثأر قديم في الجاهلية. *باحث في مقارنة الأديان عضو مركز مدى للدراسات والأبحاث الإنسانية.