تعتبر كذبة أبريل من أهم الإشاعات التي تروج كلما قرب دخول شهر أبريل/ نيسان من كل سنة، سيما عند كثير من الشعوب الغربية، وعم ذلك أكثر عن طريق مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك أن كثيراً من الناس يعتبرون الكذب جائز ومباح في هذا الشهر، لا يتحرجون في إطلاق عدد من الأكاذيب، بل يستعدون لنسجها أياماً لتحاكى وقائع كاذبة مضحكة جيناً، ومستغربة أخرى، وتتزامن جميعها مع فاتح أبريل من كل سنة. صحيح أن الكثيرين يعتبرون ذلك تسلية وترفيهاً، فكثر بذلك استعمال فنون الكذب، وزادته انتشاراً وسائل التواصل الاجتماعي حتى أصبح ظاهرة بل عادة مترسخة عبر قرون عديدة، وبدأت مظاهرها تتراكم حتى اشتهر ذلك فيما بعد "بكذبة أبريل" مما يجعلنا نتساءل: ترى متى ظهرت هذه العادة في المجتمعات الغربية ؟ وما هي أسباب نشرها ؟ ومسوغات استمرارها ؟ وكيف يتم توظيفها في التراث الشفاهي داخل المجتمع الغربي ؟ الأصول التاريخية لكذبة أبريل: عرفت كذبة أبريل تطوراً سريعاً مع مرور الزمن، وازدادت شعبيتها في وقتنا الراهن، وفوجئت لما اطلعت على كثير من الأحداث التاريخية تفيد بأن ظهور كذبة أبريل ارتبط بالقرن الرابع عشر لدى الشاعر الإنجليزي "جيوفري تشوسر" ثم تجددت أكثر في القرن التاسع عشر لدى المؤرخ "أندرولفسي" حيث صرح بأن الناس يحتفلون بهذا اليوم في بريطانيا منذ القرن التاسع عشر، حيث كان بعض الناس يبدعون ويخلقون الأكاذيب، والخداع، على شكل مزاح، ويعتبرون ذلك نوعاً من الترفيه، والمرح، حتى صار هذا الأمر مناسبة وعادة تحتفل بها بعض الشعوب في أنحاء العالم، ويشعرون بالافتخار عند ممارستها في بداية كل أبريل. اختلاف العلماء الغربيين في أصل كذبة أبريل: إن هناك عدة نظريات لبعض المؤرخين والباحثين بشأن أصل هذه المناسبة، فمنهم من يعيدها إلى روما القديمة حيث كان الناس يحتفلون بنهاية فصل الشتاء في روما القديمة، وذلك بارتدائهم أزياء تنكرية، ومنهم من يرى أن كذبة أبريل تقليد غربي حيث يقوم الناس بإطلاق كذبات على شكل خداع بعضهم بعضاً بغية تحقيق المرح والترفيه، ومنهم من يرى أنها انبثقت من الهند حيث كان الهندوس يحتفلون بعيد في العيد يوم 31 مارس من كل عام حيث يقوم بعضهم بخلق كذبات وإطلاقها على الآخرين، ثُم يكشف عن حقيقة هذه الكذبات مساء اليوم الأول من أبريل. مظاهر تفاعل المجتمعات الغربية مع كذبة أبريل: لقد حدثت عدة كذبات بخصوص شهر أبريل عند كثير من البلدان الغربية، وتختلف طبيعة الكذبة من مجتمع إلى آخر حسب الطقوس الحياتية، والمظاهر الاجتماعية الخاصة بكل بلد: ففي رومانيا عندما كان الملك كارل يزور أحد متاحف عاصمة بلاده في الأول من أبريل، سبقه رسام مشهور كان قد ترصد له قبل قدومه، وقام برسم ورقة مالية أثرية من فئة كبيرة على أرض المتحف، مما دفع الملك إلى أن أمر أحد حراسه للنزول والتقاطها، ولكن سرعان ما اكتشفوا أنها كذبة أبريل. ومن أشهر كذبات أبريل كذلك كذبة الشاعر الإنجليزي "جيوفري تشوسر" في القرن الرابع عشر، إذ في شعره يخدع الثعلب الديك الذي كاد يؤكل وتقول قصيدته إنه بعد مرور 32 يوما من بداية مارس، ذهب بعض الناس لاعتباره هذا يوم هو اليوم الأول من أبريل، والبعض الآخر قال: بأن الشاعر استخدم هذه الكلمات ليمازح الناس بقصيديته. وكل من سمع لهذه الكذوبة وصدقها يوصف بأنه ضحية كذبة أبريل، ويلقبون هؤلاء الضحايا بعدة أسماء، ففي فرنسا يسمون الضحية سمكة، وفي إسكتلندا يسمونها ضحايا نكتة أبريل، غير أن الأوربيين يسمونهم بالجملة أغبياء كذبة أبريل. كذبة أبريل في المغرب سنة 2018 نشر الموقع الإلكتروني الشهير "هسبرس" خبراً مثيراً يهم شريحة كبيرة من المجتمع المغربي ويتفاعلون معه بحرقة وشغف، وعادة ما تستهوي مثل تلك الموضوعات ملايين المشاهدين، وقد عنونت الجريدة المذكورة قصاصة تحت عنوان: "المغرب يقرر إخصاء المغتصبين بالمغرب" فلفتت انبتاه المشاهدين بأنه قانون جديد استُحدث للحد من حيلولة الاغتصاب الذي وقع في مدينة بوشان وسط المغرب منذ أيام، وانتشر ذلك عبر وسائل الاتصال عن طريق فيديو مصور أثناء قيام شاب باغتصاب فتاة في الشارع العام، وعُمم ذلك القيديو مما جعل دعوات عريضة تطالب باستئصال خصيات المغتصبين لتدمير حياتهم الجنسية، وتابع الموقع تفاصيل فصول القصة وتشخيص أحداثها دون بيان أنها تدخل في إطار ألاعيب كذبة أبريل حتى تشوق الناس لمزيد من تفاصيل القصة، فاستحسنوا ذلك القانون الجديد وطريقة معاقبة المغتصين ليفاجئون في النهاية بأن القضية تتعلق بكذبة أبريل. المواقع العالمية تختار قصاصات حول كذبة أبريل: كما جرت العادة على رأس كل أبريل، تختار عدة مواقع إلكترونية مشهورة كموقع google الشهير، ويوتوب وكذا مختلف الشركات العالمية إعلانات خاصة تكون في الغالب سذجة، وتطبعها نوع من السخرية والتسلية، ولكن يُصممونها على أسس خاصة لتستميل عقول المشاهدين، وتثير فضولهم. وربما كانوا يقصدون من وراء ذلك الترويج لعلامتهم التجارية لرفع أسهم نسبة المشاهدة، وكثرة زيادة الزوار المتصفحين، وتحاك تلك الكذبات حسب ثقافة البلدان التي تنسج فيها تلك الأكاذيب وتلقى فيها قبولاً، فقد وقفت على عدد من كذبات الدول الغربية تزيد على العشري، فكلها بمجموعها تدل على ادعاء كذبة تتماشى ومستواهم الاجتماعي كاليابان مثلاً حكيت فيه كذبة أبريل هذه السنة 2018 حول عدد حروف جهاز الكومبيوتر وإمكانية المسح أو التمرير على أحرف لوحة المفاتيح لرسم الأحرف اليابانية. أما في الدول العربية فغالب ما تُنسج الحكايات على ضوء الفساد الاجتماعي والأخلاقي، ومحاولة الرفع من مكانة التنمية البشرية، والحد من ظاهرة الفساد، ومكافحة الجريمة، وغيرها من المشاكل التي يعيشها الناس في مجتمعاتهم. وإذا كان التعبير عن فساد الوضع الاجتماعي يغلب في الدول العربية، فإن كذبات أبريل في الدول الغربية تهم بالأساس التقدم التكنولوجي، والثورة الصناعية، مما يجعلنا نستنتج أن كذبات أبريل تتناغم عادة مع الوضع الاجتماعي الذي نشأت منه، وقيلت فيه . وكل هذا يجعلنا نتساءل: لماذا تلجأ الدول الغربية إلى خلق كذبات وتشيعها بالرغم من مخالفة ذلك لأخلاقها وقيمها العامة ؟ وإذا كان الأمر كذلك، ترى لماذا نقلد الدول الأوربية في بعض الأمور ونشيعها في مجتمعاتنا بالرغم من حرمتنا وعدم جوازها في ديننا ؟ أو بعبارة أوضح وأقرب على شكل عنوان مستقل: لماذا نتبع الدول الغربية في عادتهم وهم لا يتبعوننا في عادتنا ؟ لطالما أتأمل في كثير من العوائد الحسنة، والتقاليد الجميلة التي نفعلها في ديننا الإسلامي ولا تقلدنا فيها الدول الغربية، فأقول مع نفسي إنها تقاليد مرضية مقبولة ترضي أذواق جميع الناس لا تضر، بل تنفع ورغم ذلك يتحرج الغربيون في تقليدنا فيها. وعلى عكس ذلك تماما، أتصور عكس الصورة المذكورة وأقول مع نفسي: ترى لما نُقلد الشعوب الأوربية في رأس السنة الميلادية، ونحفل معهم بالحلويات والهدايا، بل حتى الأمازيغ في رأس سنتهم يطبخون العصيدة، وهي عادة نصرانية قديمة جداً، بل تجاوزنا ذلك لنقلد النصارى حتى في اللباس، والعادات الاجتماعية، عجباً !! لماذا لا نقلدهم في تقدمهم وتطورهم، ورقي حضارتهم، ونقلدهم فقط للأسف في الأسوأ، ولا نقلدهم في الأحسن. وعلى أي حال فقد استنتجت من هذه التصورات أن الشعوب الراقية فكرياً، والمتقدمة اجتماعياً، دائما تُقلدها الشعوب المتخلفة اقتصادياً، والمتدنية حضارياً، فيصعب أن يقع العكس إلا إذا حدث انقلاب فكري، فأصبحت الدول العربية متقدمة، والغربية متخلفة، آنذاك يمكن أن يقلدوننا، وأن نترك عددا من عوائدهم ككذبة أبريل، وما يجري مجراها. هل يمكن أن نحول كذبة أبريل إلى حقيقة أبريل: أدعو في خضم هذه المقالة المتواضعة أن نحول في مجتمعاتنا العربية والإسلامية قضية كذبة أبريل إلى صدق وحقيقة أبريل، بمعنى أن بعض الحقائق المستورة نكشف عنها في أبريل سواء كانت هذه الحقيقة عائلية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، أو إعلامية، بل حتى سياسية، لنتحرى الصدق في كل أقوالنا وأفعالنا، بما يتماشى مع مقاصد ديننا الحنيف. ولو حاولنا جاهدين أن نطبق هذا المبدأ من السنة المقبلة لاستطعنا أن نستفيد مجموعة من الأمور الإيجابية أهمها: التحلي بالصدق، وتجنب الكذب، ومن شأن ذلك أن يكون هو نفسه نوع من التسلية والغرابة والترويح على النفوس في الوقت نفسه، وفيه فائدة أخرى وهي مخالفة العوائد الغربية التي تنشر في المجتمعات الإسلامية. وكم هو جميل جداً أيها القراء الأفاضل، إن كانت الدول العربية تُعرف بالصدق في شهر أبربل، والدول الغربية بالكذب والخداع، ربما سيتحرجون من ذلك، فبدل أن نكون تابعين لأفكار الغربيين، لماذا لا نبتكر أفكاراً جديدة ليكونوا هم تبعاً لنا في الحاضر، ليقلدوننا في المستقبل. خاتمة: تلكم كانت أهم اللحظات التاريخية لكذبة أبريل في الدول الغربية والعربية حاولت قدر الإمكان أن أبسط تفاصيلها، وأبين عاداتها، وطرائق استعمالها عبر قرون متعددة، فتبين من خلال هذه المقالة أن أضرارها النفسية والاجتماعية لا تخفى آثارها على المجتمع، فربما تكون سبباً في تربية الناشئة على الخداع والكذب، لهذا اقترحت في ذيل هذه المقالة أن نحول ذلك الكذب إلى الصدق. وختاماً فإن كثيرين يرون أن أبريل هو فسحة للمزاح والكذب، والخداع، وكأن من فضائل أبريل وخصائصه الكذب والمزاح، وهذه أقوال باطلة غير صحيحة غالباً ما تروج في بداية كل أبريل، فاتضح أن هذا الشهر لا علاقة له بالكذب، وإنما الناس هم الذين أدخلوا فيه ذلك الكذب فلصقوه به وهو منه براء، وهذا السبب هو الذي جعلني أعنون هذه المقالة بعنوان معبر ومثير: هل هي " كذبة أبريل أم الكذبة على أبريل".