يبدو أن المنهجية التي اعتمدتها الدولة في معالجة موضوع الإعداد للانتخابات، وعلى الخصوص استبطان منطق التحكم في الخريطة السياسية المقبلة من خلال رفض توسيع دائرة المشاركين في الانتخابات عبر قصر حق التصويت على المسجلين فقط في اللوائح الانتخابية، وترك العتبة الوطنية في حدود 3 في المائة والمحلية في حدود 6 في المائة. كلها مؤشرات تدل على أن الدولة لم تتخلص بعد من منطق ضبط المشهد السياسي المقبل وتوجيه بوصلة النتائج في اتجاهات بعينها. ولعل الممارس والمهتم والباحث لمسار وضع النصوص التشريعية المنظمة للعملية الانتخابية المقبلة يبدو جليا له أن نتائج العملية الانتخابية بغض النظر عن هامش الخطأ في التحكم فيها، وهو لا يؤثر سلبا على طموحات المتحكمين في العملية السياسية بالمغرب لن تتعدى التوقعات الكبرى لمهندسيها. (يبدو جليا له ) أن القواعد العامة المنظمة للانتخابات المقبلة وعلى الخصوص العتبة المقررة ستنتج أحزابا متعددة بتمثيل متقارب داخل البرلمان، أي أننا سنكون أمام أحزاب سياسية منزوعة القوة التفاوضية، وأن ليس لآي طرف سياسي القدرة والقوة العددية الكافية لتشكيل الحكومة المقبلة، بمعنى أن الطرف القوي الذي سيظل مهيمنا على المشهد السياسي والمتحكم في تعيين رئيس الحكومة ورئاسة البرلمان هو جهاز داخل الدولة ، وعليه سنكون أمام حالة كاريكاتورية بالنسبة لمستقبل المغرب، إذ سيظل الدستور الحالي بلا روح وبلا معنى. لا أحد يجادل في أن للدولة أحزابها التي تتحكم في اختياراتها، وأن أحزابا أخرى ليقينها أنها غير قادرة على خوض غمار الانتخابات الحرة النزيهة وغير المتحكم فيها سوف يضعها خارج أو على هامش القوى السياسية الفاعلة، ولأجل ذلك فهي لا تمانع في أن تضبط الدولة مستقبل المشهد السياسي وأن تحول دون تمكين أي قوة سياسية من حقها في التعبير عن طموحات الشعب المغربي وأن تمارس حقوقها الدستورية المعتبرة في تدبير الشأن العام وفق نتائج الانتخابات الحرة والنزيهة، وأن يكون للشعب حقه الكامل في اختيار التوجه السياسي الذي يقدر أنه يلبي طموحاته في فترة من الفترات. العتبة واللوائح الانتخابية والتقطيع الانتخابي وإشراف وزارة الداخلية على الإعداد للانتخابات كلها مؤشرات تدل في نهاية المطاف على أننا لم نغادر بعد مساحة الخطر الذي يتهدد المغرب، وأن دستور فاتح يوليوز لم يحقق بعد طموحات شعبنا، وأن لوبيات الفساد لازالت متحصنة وأنها لازالت قادرة على توظيف الإعلام والمال و العلاقات الاجتماعية وسلطة التشريع من أجل المحافظة على مواقعها ومراكزها ومن ثم مصالحها. لقد وضعت اللحظة الحالية موضوع مشاركة حزب العدالة والتنمية وفق ضوابطها ومنهجيتها الحالية أمام المحك، وعلى الخصوص حين اعتبار المشاركة نقيض لكل تفكير أو محاولة للتوقف عن الانخراط في الهيئات الدستورية المنتخبة. ولعل حزب العدالة والتنمية ممثلا في هيئاته المركزية والمجالية مطالبة اليوم إلى إعادة تشخيص واقع ممارستها السياسية في ظل منطق العبث الحالي، والبحث في الجدوى من الاستمرار في لعب أدوار قد تبدو في لحظة من اللحظات أدوارا فاشلة وحائط صد في وجه عجلة الإصلاح (وليس الثورة أو الانقلاب) بالمغرب. فالظرف الذي يمر منه عالمنا العربي بما فيه المغرب، وفشل القائمين على تدبير الشأن العام حاليا في تأكيد المنهج المغربي في تعاطيه مع الاحتجاجات الشعبية، في مقابل تفاقم الأزمة الاجتماعية في ظل الأزمة المالية العالمية، يفرض إعادة النظر في عدد مما تعتبر مسلمات في الممارسة والفقه السياسي للإسلاميين المشاركين ليس بالضرورة في القطع مع منطق المشاركة ولكن مع حجم المشاركة وآلياتها بما يتماشى وطبيعة المرحلة، وهو بالضرورة بحث قطعا لن يقودنا إلى خلاصة القول بخطإ ولا صوابية المشاركة بل قد يزكيها ويقوي أطروحة المشاركة السياسية... ألم يعد اليوم الرهان على النضال البرلماني رهان دون تطلعات المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية وأنه على الرغم من دينامكيته فهو لم يعد فعالا في محاصرة الفساد ودمقرطة مؤسسات الدولة، ألم يعارض نفس الحزب عدد من القوانين لكن بحكم التحكم الفوقي في النخبة البرلمانية تم على سبيل المثال تمرير قانون رقم 30.11 يقضي بتحديد شروط وكيفيات الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات بموافقة 42 فيما امتنع 30 نائبا، بينما صودق على قانون رقم 36.11 ويتعلق بتجديد اللوائح الانتخابية العامة و ضبطها بعد معالجتها بواسطة الحاسوب بموافقة 64 فيما عارضه 37 نائبا. والنتيجة في كلتا الحالتين صدور قانون يرهن مستقبل المغرب. والخلاصة أن رهان قوى سياسية ديمقراطية منها حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي على النضال البرلماني رهان خاطئ وغير صائب مادامت اللعبة محسومة سلفا من خلال بدايات الإعداد للعملية الانتخابية دون الخوض في تفاصيل أخرى قد تكون أكثر تأثيرا في النتائج.. وعليه فتقليص حضور الإسلاميين في المشهد البرلماني إلى أدنى مستوياته قد يكون أجدى في مقابل التركيز على دعم حضورهم في المؤسسات اللامركزية (الجماعات المحلية) وعلى الخصوص في عدد من الحواضر الكبرى ومعها وبموازاة ذلك دعم الاحتجاجات الشعبية ذات المطالب الشعبية الواضحة بل وقيادتها، وهو ما يعني الانتقال إلى النضال الشعبي من أجل رفع منسوب الإصلاح بوطننا والدخول في مواجهة مباشرة مع لوبيات الفساد والاستبداد.