على يمينهم مارد اسمه الفقر، وعلى يسارهم سفاح اسمه التهميش، وخلفهم رئيس جماعة يعذبهم ويستعبدهم منذ 24 سنة خلت، وفي الأمام أرى تمرد شبان وشابات وثورة رجال ونساء ضد التهميش والفقر والإقصاء..هذا هو حال ساكنة جماعة أغبالو نكردوس، القابعة وسط فيافي الجنوب الشرقي، والموجودة بين أحضان جبال الأطلس الكبير. هذه الجماعة الواقعة تحت النفوذ الترابي لعمالة الرشيدية، والتي تبعد عنها بحوالي 132 كلم، والمعروفة بأشهر معتقل سياسي بالمنطقة شيدته سلطات الاستعمار الفرنسية على سفح جبل حمدون إبان فترة نفي السلطان محمد الخامس، كمقبرة متوحشة لرموز الحركة الوطنية؛ وكان المختار السوسي والمهدي بنبركة والمكي بادو من أشهر معتقليه. الحكاية انطلقت بعد أن ضاقت ساكنة الجماعة، الممتدة من "قصر أيت ايحيا إلى قصر ايفغ مرورا بقصور توداعت واكدمان وتورتيت وأيت الطاغي واكركيض"، من التهميش والفقر والإقصاء، مطلقة العنان لحناجرها، منادية بتنمية محلية أقبرها مجلس جماعي مشلول لأزيد من ربع قرن. نظمت الساكنة مسيرتين شعبيتين وبأمعاء فارغة لأزيد من 85 كلم باتجاه مقر عمالة الرشيدية، احتجاجا على أوضاع اجتماعية واقتصادية مزرية، في غياب تام لمشاريع تنموية حقيقية تلبي حاجياتها وتضمن مستقبل فلذات أكبادها..هذا المستقبل يبتدئ بتوفير نقل مدرسي لتلاميذ يقطعون أزيد من عشرة كيلومترات يوميا من أجل العلم والمعرفة، بغية الانعتاق من براثين الفقر والجهل، ومستشفى محلي عله يبعد عنهم شبح الموت، مع توسيع شبكة الماء والكهرباء، وفك العزلة وتشييد مسالك طرقية لقصور لازالت تعيش زمن القرون الوسطى، وإحداث ملاعب للقرب في بيئة خالية من الأزبال والنفايات. وبحركة سياسية ذكية تنم عن وعي سياسي جديد، استطاع شباب الحراك أن يضعوا فوق طاولة والي الجهة، في تفاعل جميل، مطلب تنزيل مبدأ دستوري لطالما ألح عليه عاهل البلاد في خطب ملكية عديدة يدعو فيها إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وذلك من أجل البحث في مدى جدية وواقعية مجموعة من المشاريع التي يحكى أنها أنجزت من ميزانية الجماعة. وأمام هذا الوعي الجديد، لن تشفي غليل الساكنة سوى محاسبة إدارية عبر بعث لجنة لتقصي الحقائق من المفتشية العامة للإدارة الترابية، ولجنة من المجلس الأعلى للحسابات، كآليتين ديمقراطيتين تكرسان دولة الحق والقانون والمؤسسات، في انتظار محاسبة سياسية ستكون محطة 2021 ساحة لها.