لعل وجود مركز اعتقال سري من مخلفات العهد البائد بمنطقة أغبالو نكردوس الجبلية، المعروف «بمعتقل أغبالو نكردوس» خلال عهد الحماية، والذي سجن فيه وطنيون مغاربة ممن رفضوا الانصياع الى المحتل الفرنسي، هو الذي حرم المنطقة من برامج التنمية، كما صرح للجريدة عدد من سكان أغبالو نكردوس بمناسبة زيارة «الاتحاد الاشتراكي» للسجن السيئ الذكر في الذكرى 69 لتقديم وثيقة 11 يناير. وجود مركز اعتقال سري في هذه المنطقة خلال العهد البائد، عرضها حسب سكان من أغبالو نكردوس، للعزلة والتهميش، رغم أن سكان المنطقة أبلوا البلاء الحسن في مناهضة الاحتلال الفرنسي، خاصة في معركة «بادو» الشهيرة، حيث قاوم الأهالي زحف المستعمر الى حدود سنة 1933 تاريخ احتلال آخر قصر»دوار»هو أغبالو نكردوس. ويعتقد، في هذا الصدد، أن جبر الضرر الجماعي لم يطبق بعد على المناطق المتضررة في فترات الاستعمار وحتى في سنوات الرصاص، كما أوصت به هيئة الإنصاف و المصالحة، فكل المناطق تنتمي الى وطن واحد وحكومة واحدة ومن حقها أن تستفيد من برامج التنمية التي تشهدها باقي الربوع، خاصة تلك التي لا تتوفر على موارد طبيعية غنية. زيارة منطقة أغبلو نكردوس كانت من باب معرفة ماذا تحقق من مشاريع تنموية، التي كان من الواجب انجازها لرد الاعتبار لأهالي هذه المنطقة المجاهدة، الشهيرة بالمعتقل الذي يحمل الاسم نفسه،الذي شهد اعتقال عدد من قادة الحركة الوطنية على رأسهم المهدي بن بركة والعلامة المختار السوسي. وتشكل منطقة أغبالو نكردوس جزءا هاما من الأطلس الكبير الشرقي الأوسط، من الناحية الإدارية فهي تقع على الواجهة الغربيةلإقليمالرشيدية، يحدها من الجهة الشمالية دائرة أسول ومن الشمال الغربي دائرة أيت هاني ، ومن الجنوب الغربي إقليم تنغير، ومن الجنوب الشرقي جماعة تاديغوست و أملاكو، وتبعد عن كلميمة بحوالي 60 كلم. «أغبالوا نكردوس» كلمة أمازيغية من شقين: «أغبالو» وتعني عين أومنبع مياه و»كردوس» اسم لشخص كان قد عاش في القرية، يعود له الفضل في اكتشاف هذه العين. سكان المنطقة غير راضين عن أوضاعهم المعيشية ، لأنهم، حسب الكثير ممن استجوبناهم وخاصة الشباب، يلومون الجهات المسؤولة محليا وإقليميا وحتى وطنيا، عن التهميش والإقصاء الذي مازالت تعيشه منطقتهم رغم ما قدمه آباؤهم وأجدادهم من تضحيات في سبيل دحض المستعمر الذي واجه أصعب وأشرس مقاومة بقيادة المقاوم أسكنني، حتى أن منطقتهم كانت آخر منطقة خضعت للاحتلال. المنطقة مازال عدد من قراها لم تفك عنها العزلة بسبب إتلاف الطرقات والمسالك التي كانت منذ عهد الاحتلال، جراء الأمطار والثلوج، ومازالت العديد من القرى التابعة للجماعة غير مغطاة بالشبكة الكهربائية و شبكة مياه الشرب، والهاتف ، ومازال لم يحدث بها سوق أسبوعي لعرض المنتجات الفلاحية، وللتبضع، للتخفيف من عناء سفر الأشخاص خاصة الفقراء منهم... في لقائنا مع الأهالي، حكوا للجريدة معاناتهم اليومية الى حدود أن البعض منهم صرح بأنه مازال يعيش مثل ما وجد عليه أجداده في فترة الحماية! «محمد زيها» من منطقة أغبالو، يحكي أن السكان يعانون من عدة مشاكل ، كالطرق والماء الصالح للشرب ، مضيفا «إننا من المغرب، ولكن ما تبدل عندنا حتى شي حاجا، داكشي اللي خلاونا جددنا بقيين فيه، ما عندنا لا حضارا، ولا والو، طريق واحد اللي عندنا عاد داروه....بحال الى حنا ما زالين فالحبس، كانت عندنا طريق بينا أبين أيت هاني، ما بقاتش ، الطرقان كانوا فعهد الاستعمار،اليوم هاد الطرقان ضيعتهم الشتا ....الماء ديال لونيب ماعندنا ...كنشربو غير لما ديال لخطارات و لا ديال الساقيات...الدراري ديال المدرسة بعيدة عليهم الكوليج بسبعة كلم ...الدراري لكيقراوا فالخيرية ما تيلقاو حتى الماكلة المزيانا وخا كيخلصو، كتكون الماكلة ناقصا....راحنا باقيين مهمشين فهاد الجبال ....فهاد البرد ، ماكاين لا خدما لا والو....» . مواطن آخر « فضلي احماد» يقول : «عندنا المشاكل فالبلاد... تيقولو فك العزلة راها ماكايناش...الطريق بين أيت هاني وأغبالو مكايناش...كيكولو غادي ايديرو مستشفى كبير...شي مستشفى مازال ماشفناه...المركز صغير ما فيهش ديال الولادة ..أحنا بعاد على الرشيدية 150 كلم ...ماعندناش النقل المدرسي..بغينا دار الطالبة...بغينا الشغل للبلاد...أنا غدي نسافر دبا، الى الخدمة هنا غادي نبقى..تانطلبو المسؤولين اهتموا بنا... أحنا محكورين فهاد لبلاد...تيكلوا أغنى جماعة..حتى حاجة ما شفناها...عندنا «أزير» فالغابة أ بغاوا اديوه لنا ...الجماعة بغات تسيطر عليه ...حتى الرئيس ديال الجماعة ما كايدير والو...» . هموم المواطنين بمنطقة أغبالو لا حصر لها، حتى أن كيسا من الدقيق المدعم يصعب على المواطن الحصول عليه، وإن وجده فهو يفوق السعر الرسمي ، كما عبر العديد من السكان بحسرة ،الى جانب المطالبة برد الاعتبار للمنطقة بقولهم : كانت بها معالم عمرانية محترمة، كبنايات الإدارة الاستعمارية ، مركز صحي، مسبح بجميع المواصفات، طرق تربط القرى فيما بينها...» معالم كلها اندثرت ، تمنوا لو أنها تطورت الى ما هو أحسن لكن .. سكان قرى ازافل ، أربيين ، تمقيت .. وقفوا وسط الطريق أثناء عودتنا الى الرشيدية ، ليحملونا رسائل احتجاج الى المسؤولين عبر قطعهم الطريق أمامنا ، رافعين شعارات المطالبة بتعويضهم عن أراضيهم التي انتزعت منهم لبناء سد «تمقيت» الذي يوجد قيد التشييد منذ أن أعطى عاهل البلاد انطلاقته أواخر سنة 2009 ، إضافة الى تزويد المنطقة بالمواد الغذائية اللازمة، وأهمها الدقيق المدعم الذي يصل المنطقة عن طريق شاحنة ، ومن لم يحضر في الموعد، يصعب عليه الفوز بكيس دقيق، حسب سكان التقيناهم في عين المكان. للإشارة، كانت المندوبية السامية لقدماء المقاومين و أعضاء جيش التحرير قد أدرجت معتقل «أغبالو نكردوس»، ضمن برنامج إحياء و صيانة تراث الحركة الوطنية و المقاومة وجيش التحرير، منذ سنة 2008 في إطار ماسمي تحويل «قبر الحياة» الى فضاء مندمج مع محيطه الاجتماعي و الثقافي بتعاون مع ولاية جهة مكناس تافلالت و عمالة إقليمالرشيدية والقطاعات الحكومية المكلفة بالتربية الوطنية و الثقافة و الشباب و الفعاليات الإقليمية والمحلية، غير أن هذا المشروع مازال ينتظر الخروج إلى حيز الوجود، مما يطرح أكثر من سؤال عن الأسباب التي تحول دون تحقيق صرح ثقافي بالمنطقة المجاهدة ؟!