لَمْ تكُن خرجة أسماء المرابط، الباحثة المُتخصصة في قضايا المرأة والإسلام، التي رمت بكُرة حارقة حول قضية الإرث معتبرة أن "إعطاء حصة متساوية للمرأة في الإرث في عمق مقاصد الإسلام"، حدثًا عابرًا من دون ردود فعلٍ؛ فقد وصل الأمر إلى حد إطلاق نداء لإلغاء نظام الإرث عن طريق التعصيب من قانون المواريث المغربي. نصُّ النداء، الذي أطلقه مؤلفو كتاب "ميراث النساء"، وهو كتاب ساهم في إصداره 23 خبيرا مغربيا، قال إن "قاعدة التعصيب في قانون المواريث يٌعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق؛ إذ ترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا، مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيق ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين من إخوة وأبناء إخوة وأعمام وأبناء عم وإن بعدوا". ودعا القائمون على فحوى هذا النداء الذي يضمُّ أسماء وازنةً يتقدّمهم وزير الصحة السابق، الحسين الوردي، وجمال أغماني، وزير التشغيل السابق، وإسماعيل العلوي، بالإضافة إلى نشطاء حقوقيين وفنانين وصحافيين، إلى إلغاء قاعدة التعصيب من قانون المواريث، بمبرر أنه "لم يعُد يتوافق مع ما طرأ على الأسرة المغربية من تحولات في السياق الاجتماعي الراهن؛ إذ تجعل النساء الأكثر فقراً أكثرَ هشاشة، وتجبر الكثير من الآباء على التخلي عن ممتلكاتهم لبناتهم وهم على قيد الحياة". وذكر نص النداء، الذي جاء في خضمّ الحملة الشرسة التي تعرضت لها الباحثة أسماء المرابط بعد دعوتها إلى إعادة النظر في نظام الإرث الحالي، أن "نظام الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة"، مشيرا إلى أن "السياق الاجتماعي الحالي وما عرفه من تغير في البنى والأدوار الاجتماعية، ينتج عن تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام"، على حد تعبير النداء المذكور. الناشط والباحث الإسلامي محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب ب "أبو حفص"، قال في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: "هناك سياقات عديدة دفعت إلى إصدار هذا النداء، منها النقاش الذي أثير مؤخرا حول الإرث الذي لم يسبق له مثيل"، مضيفا أن "المجتمع المغربي في حاجة إلى تغيير بعض القوانين المتعلقة الإرث، في مقدمها قاعدة التعصيب". الناشط الإسلامي الذي قام بإطلاق عريضة على موقع "آفاز" العالمي لجمع أكبر عدد ممكن من الأصوات المساندة لهذا التعديل، أورد أن "النداء يأتي في ظل الإشارات التي تضمنتها الرسالة الملكية حول إمكانية تعديل بعض مضامين مدونة الأسرة، وقد ارتأينا أن يكون أول تعديل يهم قانون التعصيب، لأنه يكرس الظلم الذي تتعرض له المرأة ولا يستجيب للواقع الاجتماعي في ظل تغير دور المرأة في المجتمع". بدوره، أكد مولاي إسماعيل العلوي، الوزير السابق أحد الموقعين على نداء إلغاء التعصيب، في اتصال بهسبريس أنه مقتنع بهذه الخطوة، لأن "هذه القاعدة (الإرث بالتعصيب) كان لها مدلول في الماضي البعيد ولم تعد الحاجة إلى الإبقاء عليها في عصرنا الحالي"، وقال: "اليوم يُمارس حيفٌ كبيرٌ ضدّ النساء والبنات بسبب هذه القاعدة، ومن باب إنصافهن يجب إلغاؤها". وأضاف العلوي: "يجب إلغاء هذه القاعدة من قانون الميراث لأنها لا تراعي مصلحة المرأة المغربية"، ونوه بالنقاش السائد حاليا حول موضوع الإرث بالقول: "فليتنافس المتنافسون في تقديم تبريراتهم لتطوير الفقه لأن الفقه يبقى مجرد فقه وليس كلام الله"، على حد تعبيره. *صحفي متدرب