إن اتجاه بعض أعضاء السلطة التنفيذية والتشريعية، من قوى التدين السياسي، إلى نهج سلوك يرمي إلى التأثير على القضاء، عبر ممارسات شاذة تسيء إلى دولة المؤسسات، فيه استخفاف بمثل الديمقراطية، وسيادة القانون. فاتجاه أعضاء من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية إلى "التضامن" في قضايا معروضة لدى القضاء اتجاه متناقض مع الدستور ودولة القانون، لما فيه من تناقض موضوعي مع مبدأ استقلالية القضاء. كلنا عاينا كيف يتجه البعض إلى محاولة إضفاء الصفة السياسية في اتجاه قضية موضوع بت قضائي، وهو الأمر الذي يثير مسألة "الحماية السياسية" أو الحزبية ويتيح الإفلات من العقاب، من خلال جعل هذه القضايا عرضة للمساومات السياسية. إن اتجاه بعض العناصر المحسوبة على السلطة التنفيذية إلى التضامن في قضية معروضة على القضاء؛ وبعدها عمد أعضاء في المؤسسة التشريعية، يفترض أنهم ممثلون للأمة، إلى الانتصار لأشخاص وممارسة التشويش على مؤسسة القضاء، وما في ذلك من ضرب لمبدأ حرمة القضاء واستقلاليته، يعطي الانطباع باللامساواة في تطبيق القانون، ويكرس وضعا قانونيا غير دستوري، لكون تسييس القضاة أشد خطورة من تسييس الدين. نحن الآن أمام مفترق الطرق في تنزيل مبادئ التعاقد الدستوري. والقطع مع عملية التشويش هاته يمر لزاما عبر إعطاء السلطة القضائية مدلولا قويا في اتجاه القطع مع سياسة التشكيك في نزاهة القضاء أو تبعيته لمصالح قوى معينة لتصفية الحسابات، حتى يتقوى في المخيال المجتمعي لكل مواطن أن القانون، ممثلا في السلطة القضائية، يعلو ولا يعلى عليه. إن مهمة البرلمان هي وضع قواعد عامة مجردة. ومن باب احترام المؤسسات الترفع عن الحديث عن قضايا معروضة على القضاء، لا شأن لها بالتطبيق في الحالات الفردية. واتجاه البعض إلى جر البرلمان إلى التدخل يعتبر إجراء خطيرا على الحقوق والحريات. ليست هذه المرة الأولى التي يلجأ فيها هؤلاء إلى نظرية المؤامرة في توصيف من يختلف معهم، ومحاولة تغيير طابع القضية إلى قضية سياسية عوض أن تكون قانونية. لذلك فقد آن الأوان للإعمال الصارم للقانون وتسمية الأمور بمسمياتها؛ لكون عدم التفعيل الصارم للقانون سابقا أنتج ذهنية استهان معها البعض خرقه، ورمى الكلام على عواهنه؛ الأمر الذي ولّد ذهنية الاستهتار وعدم وضع الاعتبار للتبعات القانونية، ما فيه إضرار بالمؤسسات وانتصار للعصبة، وأظهر تمييزا بين المواطنين وبين من يملك الحماية السياسية ومن لا يملك سوى الانتماء إلى الوطن. إن استقلالية النيابة العامة تفرض تفعيل القانون وأن تؤدي مؤسسات الدولة واجبها في تطبيقه، ليفصل القضاء عبر محاكمات عادلة شفافة. فسيادة القانون هي عماد الخيار الديمقراطي، وتسييس القضايا مخرج للتهرب في محاولة لاسترضاء البعض. وبالتالي على الديمقراطيين الحقيقيين أن يقفوا في جبهة واحدة لإعمال القانون، والحديث بالقانون، والذهاب بعيدا مع من يريد تسييس القضايا. فرفع شعار التسييس لإلهاء الرأي العام وتوفير درع يختبئ خلفه من يتجاوز سيادة القانون ظاهرة خطيرة. الانتماء إلى الوطن والولاء له يتقدم على غيره من الولاءات الحزبية. والمجال السياسي العام يستحق ممن يمارس العمل الحزبي إثراءه بحوار سياسي فكري، لا بالمزايدات التي تنزل إلى لغة الشتائم.