عرضت جريدة "الأخبار" المغربية، منذ فترة، قصة حياة لبنى أبيضار السيدة المغربية، وكيف علقها والدها من رجليها وهي طفلة، وزيادة في التنكيل أطفأ سجائره الحارقة في جسدها النحيل؛ وهو ما ذكرني بقصة البؤساء لفيكتور هوجو، وماذا فعل تيناردييه مع الطفلة كوزيت، حتى جاء العمدة مادلين (عفوا السجين الهارب جان فالجان) فأعتقها من محبسها وعاشت معه. ولأن أبيضار امرأة فقد أهينت من كل الزوايا، ولأنها امرأة فقد نكل بها فضربت في الرصيف العام من الفحول الغيورين. وقصة المرأة المغربية هي فصل في كتاب من إهانة المرأة في الشرق، وحين تكلمت فيكتوريا وودهول (Victoria Woodhull) عن الحب الحر اتهموها بالدعارة (لأنها أنثى)، والمرأة تحدثت عن حرية المرأة في اختيار الزوج والطلاق والإنجاب. وحين تقدمت فرشحت نفسها كأول امرأة في تاريخ أمريكا لرئاسة الدولة تم اعتقالها بتهمة جانبية أنها تروج للإباحية، وتروج بهتانا لنفاق رجال الدين بالعلاقة غير الشرعية بين القس هنري وورد بيشر (Henry Ward Beecher) راعي الكنيسة المحترم مع إحدى السيدات من رواد المحفل الديني السيدة اليزابيث تيلتون (Elizabeth Tilton)؛ وحين تقدمت هيلاري كلينتون عام 2016م لرئاسة أمريكا فعلينا تذكر هذه المرأة الرائعة التي عاندت فرشحت نفسها ثلاث مرات في الأعوام 1870 و1884 و1892م. وتزوجت ثلاث مرات، وأصدرت جريدة ومجلة، وضاربت في البورصات فاغتنت؛ فذكرت بالتاجرة الأولى زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها، وكتبت ضد العبودية، وفي حرية المرأة في اختيار رفيق حياتها، ومشاركة المرأة الحياة مذكرة بأم سليم رضي الله عنها، وفي النهاية لم يكن أمامها في مجتمع الفحول إلا الهرب إلى بريطانيا والزواج هناك للمرة الثالثة؟ عام 1883م من جون بيدلف مارتين (John Beddulph Martin)، وهو المعروف أيضا عن خديجة الكبرى قبل زواجها بالشاب الأصغر منها سنا محمد العدنان صلى الله عليه وسلم، ونشر مجلة الإنسانية (Humanitarian) لتفارق الحياة عام 1927 في الريف البريطاني عند قرية بريدون نورتن (Bredon,s Noton)، كما حصل مع لبنى أبيضار الذي تزوجت رجلا من أمريكا الجنوبية وهربت إلى أوروبا، فلاحقها من قال لها إن داعش تطلب رأسها إلا أن تعلن التوبة؛ وهو ما جعلها ترجف في فراشها ثلاث ليال سويا، حتى قال لها من اتصل إنها مجرد دعابة سمجة. قصة لبنى أبيضار تصلح لتناول موضوعا مهما عن علاقات الرجل والمرأة ودونية المرأة في المجتمع بل وانحراف كامل خطة الجنس البشري في إنتاج مجتمع الباتريارك الذي حول المجتمع إلى ثكنة عسكرية حتى في تشكيلات البناء التي تحولت إلى مربعات، وحين قامت المهندسة العراقية حداد في تصميم أولمبياد الدوحة روج الرجال ضدها أن المبنى يذكر بفرج المرأة؟ إن العطش إلى (القوة) والمزيد من امتلاكها مرض ذكوري. هذا ما قرره (بروس كارلتون Bruce charlton) الخبير في علم (التطور). والذكور هم الذين يشنون الحروب. والذكور هم الذين يتحاربون فيَقْتلون ويُقتَلون. والذكور هم الذين أنشأوا المؤسسة العسكرية ورسموا قدر المجتمع بمرض التراتبية (الهيراركيHierarchy) وخططوا كل نظام المجتمع على صورة (الثكنة) كما أشار الى ذلك (غارودي) في كتابه (في سبيل ارتقاء المرأة). والذكور هم الذين شوهوا التطور الإنساني برمته برؤية العالم بعين حولاء ذكورية؛ فلا يمكن أن يمشي المرء برجل واحدة إلا في أسطورة (شق وسطيح)، ولا يمكن أن يرى بعين واحدة الا إذا انعدمت الرؤية الفراغية، أو تحول الى كائن خرافي بعين واحدة كما في قصة (الأوديسة) عند (هوميروس). جاء في (السيرة) أن شقاً كان بنصف جسم فإذا مشى قفز على رجل واحدة، وأما سطيح فكان مسطحاً مثل حدوة الحصان بدون مفاصل. والمجتمع (الذكوري) هو الذي دفع المرأة الى شريحة دونية مستضعفة وهي كارثة كونية في كل الثقافات، وفي الثقافة الصينية يعني ضمير المتكم (أنا) المؤنث الى (العبد)، وفي الثقافة الهندية تعتبر المرأة خاضعة للرجل من المهد الى اللحد؛ فهو من كتف الاله (فيشنا) وهي من أقدامه. وفي اليابان لم يتقدم المجتمع إلا بإلغاء نظام الساموراي، وفي الصين أيضا يوضع قدم الفتاة في حذاء حديدي فتكبر الجسم جسم امرأة والقدم قدم طفلة. قالوا هذا أفضل جنسيا ويرغب في نكاح المرأة الطفلة؟ وبالمقابل، فإن المرأة هي التي بدأت الثورة الزراعية، كما قرر ذلك المؤرخ (ديورانت) فأطعمت عائلتها من جوع، ودلف الجنس البشري الى الحضارة؛ فلولا الثورة الزراعية ما تجاوز الجنس البشري مرحلة (الصيد وجمع الثمار) وما تخلص من خوف الموت جوعاً، وما نشأت المدن وازدحمت بالسكان وولدت الاختصاصات، وتم تقسيم العمل، كما شرح ذلك عالم الاجتماع (دركهايم). كل ذلك كان ببركة يدي المرأة ولكن الذكر بنى الجيوش والحرب وإمبراطوريات الطغيان وما زال، وفي معركة جواجاميلا عام 333 قبل الميلاد قتل الإسكندر خمسين ألفا من الفرس، فسمي الفاتح الأعظم حتى هلك بالسم وشرب الخمر بفداحة في بابل، وفي معارك نابليون هلك في أوربا أكثر من مليون من الأنام فسمي الإمبراطور. وفي معركة كربلاء خمسة قتل 65 ألفا من العراقيين والإيرانيين المقرودين، الأول يسمى المعركة كربلاء والثاني القادسية، والقاتل والمقتول في النار. كما سمعنا عن مقتل بدر الدين مصطفى الإيديولوجي الشيعي في مطار دمشق في مايو 2016م بيد الرفاق أو الخصوم فالكل عند الله سواء؛ وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين. إذا كان الحاكم ينفخ في الصور فيقول للعباد: أنا ربكم الأعلى فإن الزوج في البيت يعلن أنه الأعلى لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب. والاستبداد السياسي هو التجلي الأعظم لتراكمات أخطاء البيت واحتكار النصوص بيد طبقة الكهنوت وخنق التعبير تحت دعوى الخيانة أو الردة. والطغيان يتأسس من خلية العائلة ليظهر في النهاية على شكل تنين سياسي يقذف باللهب على عباد يرتعشون وجلاً خاشعة أبصارهم من الذل. إن مصادرة الأمة على يد فرد وخلفه النخبة الحاكمة الخفية، سبقتها مصادرة الزوجة والولد في بيت الطاغية (الترانزستور) الزوج الأب. فإذا أنتجت العائلة الانسان الأخرس الخائف هيأت الجو الاجتماعي للخرس الجماعي المطبق وخشعت الأصوات للحاكم فلا تسمع إلا همسا. لا يمكن (أنسنة) المجتمع بدون استعادة المرأة دورها الطبيعي. المرأة هي التي تحمل الحياة وتنجب الحياة وتحافظ على الحياة حملته أمه كرها ووضعته كرها. وهي التي لا تمارس الحرب فإذا مارسته مثل (تاتشر) و(غولدا ماير) فهي عدوى وباء ذكوري قاتل. والمرأة هي مصدر الحب فتخلع معنى على الحياة وتعطيها دفقة الاستمرار، ومع انطفاء الحب ينطفئ معنى الحياة ومبرر وجودها. لأن الحب مشاركة تتجلى في أعظم صورها بالزواج والانجاب وتترك بصماتها على الحياة في ذرية مباركة. والحرب كراهية وارتداد على الذات ونفي للآخر. وحسب (دانييل جولمان) صاحب كتاب (الذكاء العاطفي Emotional Intelligence) فإن (جوزيف لو دو joseph le doux) الذي اكتشف (دورة المخ العاطفية) أظهر أمرين: أن هناك ضرب من الذكاء لم ننتبه له حتى الآن غير المتعارف عليه(IQ) كما أن المرأة بواسطة تركيب دماغها تشريحياً تتفوق على الرجل في هذا النوع من الذكاء. والمرأة (موديل) متطور عن الرجل بحيث تحمل إمكانية أن يتطور الجنس البشري على نحو (انساني) أفضل زكاة وأقرب رحما، ولذلك كان الاستنساخ الجسدي من الأنثى كما حدث مع (دوللي) فمنها خلق وإليها يعود ومنها يخرج تارة أخرى. وتفاءلت السيدة (شفارتزرSchwarzer) بولادة المجتمع النسائي الانساني بحيث يمكن الاستغناء عن الذكور المخربين نهائياً للمستقبل أو استبدالهم بجنس معدل سلامي. وهي صاحبة مجلة (لانريد بورنو POR ...NO..) وهو عنوان مثير؛ ولكنها تلاعبت بحركة ذكية بالكلمة (بورنو) التي تعني (الإباحية) وحينما قسمت الكلمة إلى شقين انقلب المعنى. * مفكر سوري المولد كندي الجنسية