لم تعد المأكولات السريعة التي تعرض على العربات بشوارع مدينة فاس شيئا ينصح بتفاديه، بعد أن أصبح الكثير من زبائنها، كما أكدوا ذلك لهسبريس، يعتبرونها ضرورة ملحة في الوقت الراهن، خاصة ذوي الدخل المحدود، من عمال وحرفيين وسائقين لسيارات الأجرة وموظفين بسطاء، الذين يدمنون على تناول وجباتهم بهذه العربات باستمرار. مأكولات شعبية يبدأ أصحاب عربات الأكل، وأغلبهم من الشباب الذين اختاروا هذا العمل لتشغيل أنفسهم، نشاطهم انطلاقا من مساء كل يوم، مفضلين أهم نقط شوارع مدينة فاس وأزقتها لركن عرباتهم ذات العجلات أو القوائم، والتي ما أن يتصاعد منها الدخان المثير لشهية المارة، حتى يتحلق حولها الزبائن، فيشرعون في التهام ما تقدمه من طعام، فرادى وجماعات. تعد البطاطس والبيض المسلوقان المخلطان مع بعض من الطماطم والبصل والقليل من سمك التونة المعلب أو "الكاشير"، واحدا من "السندويتشات" الأكثر إقبالا من طرف زبائن عربات أكل الشارع بأحياء المدينة العصرية لفاس، كما عاينت ذلك هسبريس، عكس أحياء المدينة العتيقة التي تقدم فيها أغلب هذه العربات النقانق واللحم المفروم و"الطيحان" المشوية على الفحم أو على مشواة تعمل بالغاز. "أنا أقدم الوجبات السريعة بهذا المكان لما يزيد عن 10 سنوات"، يقول شاب في عقده الثالث، يركن عربته بإحدى الأزقة المتفرعة عن الطالعة الكبيرة بالمدينة العتيقة لفاس، متحدثا لهسبريس، قبل أن يضيف موضحا ما يقدمه من خدمات: "عندنا الحريرة، ولحم رأس الخروف المبخر، وأنا أعتبر النظافة شرطا أساسيا في عملي، زوجتي هي التي تساعدني في إعداد الوجبات المقدمة لزبائني". وبينما كانت هسبريس تتجاذب أطراف الحديث مع صاحب هذه العربة، الذي أكد أنه بفضل هذه المهنة يعيل أفراد أسرته، توقف عنده زبون من جنسية أجنبية، يتكلم اللغة الإنجليزية، وما إن ألقى التحية، حتى سارع صاحب العربة إلى وضع "جبانية" من الحريرة وبضع تمرات أمامه، يظهر أن هذا الزبون مخلص لهذه العربة ويتناول فيها عشاءه بانتظام. أدى السائح ثمن وجبته، الذي لم يتعد خمسة دراهم، لفائدة صاحب العربة وهرول مسرعا عائدا إلى مكان إقامته، فيما كان، بين الفينة والأخرى، ينزل بالمطعم العربة نفسه زبائن جدد، أغلبهم كانوا يطلبون الحريرة وجبة لهم، وهي الأكلة التي أوضح صاحبها أنها الأكثر طلبا من طرف الزبائن خلال فصل الشتاء. أسعار زهيدة بحي النرجس بفاس، اختار أحد الشبان، ما زال في مقتبل العمر، وضع عربته بمدارة الحي، رابطا إياها بخيط كهربائي ليضئ مصابيحها، حتى تبدو للعيان من بعيد. كان كل شيء على عربته يبدو نظيفا ومرتبا بعناية، حتى إن المرء ما أن يقترب من عربته حتى يحس بالجوع وتنتابه الرغبة في تذوق ما يقدمه من بطاطس مسلوقة يخلطها مع بعض الخضر والبيض والقليل من سمك التون وزيتون محمض. "لما انقطعت عن الدراسة من البكالوريا قبل أربع سنوات، بحثت كثيرا عن عمل، لم يحالفني الحظ في العثور على شغل، ففكرت مليا، ثم اخترت الاعتماد على نفسي. وبفضل شقيقي، الذي ساعدني على شراء وتجهيز هذه العربة، توكلت على الله وبدأت مشروعي، والحمد لله، كل شيء على ما يرام"، يقول صاحب هذه العربة الذي أوضح لهسبريس أنه بفضل ما يدره عليه عمله هذا من رزق، يستعد للزواج خلال الصيف المقبل. وأشار متحدث هسبريس إلى أن أغلب زبائنه من سائقي سيارة الأجرة الصغيرة الذين يعملون في المداومة الليلية، موضحا أنه يوفر لهم وجبات متكاملة وطرية، وبأثمنة مناسبة لا تتعدى سبعة دراهم ونصف الدرهم للسندويتش الواحد، مبرزا أن هذه المهنة أصبحت تلقى اهتمام الكثير من الشباب العاطل بمدينة فاس، وقال: "لقد غزت عربات الأكل النقط الهامة بأحياء فاس العصرية والشعبية، لأن المدينة تفتقر لفرص شغل". "أنا أختار تناول وجبة عشائي عند صاحب هذه العربة، نظرا لكوني أفضل أكل البطاطس والبيض المسلوقين مضافا إليهما قطعة جبن، عوض أكل النقانق أو اللحم مجهولي المصدر"، يقول سائق سيارة أجرة بفاس نزل زبونا عند صاحب هذه العربة، متحدثا لهسبريس، قبل أن يوضح أن عربات أكل الشارع تساهم في إطعام من أسماهم ب"المساكين"، موضحا ذلك بقوله: "يمكن لك أن تتعشى هنا وجبة موثوقا في سلامتها بخمسة دراهم، وبعشرة دراهم على الأكثر. أنا شخصيا أفضل مأكولات العربات على الذهاب إلى المطاعم".