"لقد فشل نموذج الدولة التنموي"، جملة مدوية لم ينطق بها أحد قادة المعارضة الجذرية في المغرب كما قد يتخيل لقارئها، بل جاءت على لسان ممثل أعلى سلطة في البلاد، وأكدها تقرير صادم حول التنمية البشرية، أصدرته منظمة الأممالمتحدة، حيث حل المغرب في المركز 123، وراء الجزائروتونس؛ بل تقدمت عليه ليبيا والعراق اللتان تعيشان في حالة حرب، ومصر التي احتلت المرتبة 111 رغم مشاكلها؛ لتصنف البلاد على مستوى البحر الأبيض المتوسط في أسفل الترتيب. إذن نحن دولة فاشلة في التنمية باعتراف حكامنا، بعد أن شرخ الواقع الذي أصبح مفضوحا بفضل الثورة المعلوماتية أسطوانات الاستقرار والأوراش الكبرى والتنمية البشرية والإقلاع الصناعي ومخططي المغرب الأخضر والأزرق، ولم يعد بالإمكان تكرار "حديث": "اللهم كثر من حسادنا"..وفي مقابل هذا الفشل الذي تنام تداعياته على أجساد فقراء شعبنا، نجر أذيال فشل كل حركات التغيير التي تعاقبت على البلاد، وآخرها حركة 20 فبراير التي نعيش ذكرى انطلاقتها السابعة، والتي شكلت "نموذجنا التغييري" في سياق الربيع الديمقراطي الذي لم يزهر حتى الآن إلا في تونس الخضراء، ولو بشكل نسبي، حتى لا نكون عدميين، ولازال يحرث الأرض في باقي الأقطار "العربية"، بأسمدة وآلات مختلفة. إذن فشل النظام في التنمية، وفشلت حركة المعارضة في فرض التغيير الديمقراطي. إنه الواقع الذي لن يرتفع؛ لكن هذا الفشل ليس القاسم المشترك الوحيد بين النقيضين؛ فإذا كان النظام المخزني اعترف بهذا الفشل، بعد أن أحجمت الطبقة السياسية المصادقة على التنزيل الأعمى لنموذجه التنموي عن كل ممارسة نقدية، وأدمنت على قول نعم بعد أن ذاقت من كل النعم، فإنه ابتلع لسانه في ما يهم كلمتي المحاسبة والمسؤولية في العلاقة بجريرة الفشل، مثله كمثل المناضلين في موضوع فرض التغيير، وكأننا استوردنا هذا الفشل من الصين الشعبية أو أمطرت به طير أبابيل. إذا كان الاعتراف بالذنب فضيلة فإن الإبقاء على مسببات تكراره وعدم الاعتذار عن اقترافه وعدم تقديم ضمانات على تجاوزه عبر انتقال ديمقراطي حقيقي، لا ينطلق إلا عبر دستور شعبي ديمقراطي تطرحه هيئة تأسيسية منتخبة للاستفتاء الشعبي، كما صدحت به حناجر مناضلي حركة عشرين فبراير على مر سبع سنوات عجاف...كل ذلك لن يكون إلا استئذانا لتكرار الفشل تلو الفشل، الذي تدفع ضريبته جماهير المفقرين، دون عزم على ترك الكرسي الوثير لنموذج تسييري آخر كما تقتضي شجاعة المعترف بالفشل..وإذا كنتم في حاجة إلى صرخة في آذانكم حتى تعرفوا المسؤول عن هذا الفشل فإنه أنتم، نعم أنتم ونموذجكم السياسي والاقتصادي القائم على الريع واحتكار السلطة والثروة والتبعية والانبطاح للدوائر الإمبريالية، ولجم الإبداع الحر وقمع حركات التغيير وخنق الإعلام...أفلا ترحلون ! ليس إلى السعودية..ولكن عن دفة الحكم الفردي الاستبدادي؛ فهناك نموذج تسييري آخر حديث اسمه الديمقراطية..لا ينبني على نية الحاكم وحبه لفعل الخير، فهو في اعتباره يبقى مستبدا رغم ذلك، بل ينبني على التداول السلمي للسلطة، والحكم لمدة محدودة بناء على برامج قابلة للتقييم الشعبي. وفي الجانب الآخر تظل حركة التغيير، وعلى رأسها حركة عشرين فبراير، في صدد تقييم ما تحقق وما ينتظر، ترمي كرة فشل فرض الدخول في منتدى الدول الديمقراطية في ميدان النظام القائم، واستبداده وقمعه، وهو ما لا يمكن نكران أثره الكبير في لجم كل حراك؛ لكن أين تبدأ مسؤولية المناضل عن مخرجات الحراك وأين تنتهي؟ هل كان بالإمكان أكثر مما كان؟ هل انخرط الجميع في الفعل النضالي من أجل التغيير من منطلقات المصلحة العامة وباستلهام قيم الإيثار والصدق ونكران الذات؟ أم غلبت الذاتية والحلقية والحسابات الضيقة، والرعونة وحب الظهور، والمزايدات الفارغة والزعاماتية على نموذجنا التغييري؟ هل عبرنا عن الذكاء أم الغباء الجماعي؟ هل كانت الحركة تعي حجمها وحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها ورهان الشعب عليها؟ هل كانت الشعارات سديدة؟ ألم يكن تواري قدماء المناضلين إلى الخلف بذريعة ترك الفرصة للشباب خطأ تاريخيا وقطعا لحبل التراكم بين الأجيال؟ أين مناضل العمل القاعدي الذي لا يحب الأضواء؟ أين نخبتنا المثقفة من همنا الجماعي؟...قد تجد مناضلا يقر في تقييمه بالمسؤولية الجماعية عن الفشل في فرض التغيير وهو يتحدث عن "الشق الذاتي"، لكن هل منا من يقول أخفقت هنا وأخطأت في هذه وأعتذر عن عدم تحمل المسؤولية كما ينبغي، أو غلبت الذاتية على نضالي ولم أقدر من حولي حق تقديرهم؟... فشلنا جميعا إذن في اغتنام "الربيع" للانطلاق إلى المغرب الحديث، الذي يكرم مواطنيه ومواطناته ويحضنهم على قدم المساواة إلى خيراته. وقديما قالوا "الملك إما القصر وإما القبر"، وأقول اليوم: إما الاستجابة لمطالب الحركة، وإما ستكون خرابا خرابا بعد كل هذا الفشل... * ناشط حقوقي