اطلعت على رسالة دورية موقعة من طرف أستاذنا الفقيه محمد الإدريسي العلمي المشيشي بصفته وزيرا للعدل، رقم 13539/4 بتاريخ 12 أكتوبر 1994 في موضوع ارتداء ملابس غير لائقة بالإدارة، منشورة على موقع وزارة العدل. وقد ورد في هذه الدورية أنه "يلاحظ بين الحين والآخر ارتداء بعض الموظفات بالإدارة المركزية والمحاكم ملابس تخرج عن دائرة الحشمة والوقار، وتمس بأخلاقيات المغاربة والآداب العامة". وبناء عليه، أهاب سيادته بجميع الموظفين نساء ورجالا، بأن يلتزموا جادة الرصانة ومراعاة تقاليدنا المغربية الأصيلة واحترام سلوكاتنا وآدابنا العامة، وذلك بارتداء ملابس تتوفر فيها طبائع الحشمة والوقار، صونا لحرمة الإدارة وسمعتها. والملاحظ أن هذه الرسالة الدورية بالتأكيد لا تخص قطاعا وزاريا دون آخر، بل تتعلق بجميع المرافق الإدارية، سواء كانت عمومية أو شبه عمومية أو ترابية؛ ذلك أنه إذا كانت بعض المهن تتطلب من ممتهنيها ارتداء بذل موحدة يحددها قرار للوزير المشرف على القطاع فإن الغالبية العظمى من المرافق الإدارية لا تعتني بهذا المظهر، إلى درجة أنك في بعض الأحيان قد تلج بعض الإدارات وتخال نفسك بعيدا عن عالم الوظيفة العمومية أو الجماعية، بل وخارج المملكة المغربية، وتوجد بأدغال آسيا. ولا غرو أن الموظف العمومي أو الجماعي لا يمثل نفسه داخل الإدارة، وإنما يمثل المظهر المدني للدولة أو الجماعة الترابية؛ وبالتالي فإن مظهره الخارجي جزء من واجهة الدولة التي ينتمي إليها أو يمثلها. ولذلك عملت الدولة، سواء على مستوى المطارات أو الجهاز القضائي أو رجال الأمن، وقديما رجال التعليم والصحة، ورجال السلطة الإدارية، على الأخذ بقاعدة الزي الموحد، بما يعطي أولا الانطباع، سواء للمواطن أو الأجنبي، بالانضباط داخل السلك الإداري والأمني، وثانيا الابتعاد عما يخدش الحياء والتعالي والميز بين الأطر العاملة في ذلك المجال الحيوي والإستراتيجي. غير أنه على مستوى الإدارات العمومية والجماعية، وبصفة أقل داخل المؤسسات العمومية، هناك انفلات لا يخلو من خطورة، حيث تجد مجموعة من الأشخاص يرتدون الألبسة غير المألوفة في المرافق العمومية، فهذا يرتدي اللباس الرياضي، والآخر اللباس الأفغاني، وتلك وذاك اللباس نصف الشاطئي، والبعض الآخر لباس السهرات الليلية؛ ما قد يوحي بأن هناك من يرغب في إبراز لونه السياسي أو الانتماء الطائفي أو ميولاته الفنية، بل الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها وأصله العرقي، من خلال مظهره الخارجي. وهذا مناف لما يتضمنه الدستور المغربي الذي نص تحت عنوان الحكامة الجيدة في الفصل 155 على أنه "يمارس أعوان المرافق العمومية وظائفهم وفق احترام القانون والحياد والشفافية والنزاهة والمصلحة العامة". والمتحصل من هذا الفصل أنه يتعين على أعوان الإدارة أن يبتعدوا عن كل المؤثرات السياسية والإيديولوجية السائدة في المجتمع، ولاسيما من حيث المظهر الخارجي المرادف للون السياسي أو الديني السائد لدى الوزير الذي يشرف على القطاع، بل وحتى بالنسبة للحزب الذي يقود الحكومة. صحيح أن الفصل 89 من الدستور ينص في فقرته الثانية على أنه "تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية"، إلا أن هذا لا يعني أن على الموظفين أن يتلونوا باللون السياسي أو الطائفي للوزير الذي يعملون تحت رئاسته، بل على العكس من ذلك من الواجب عليهم التمسك بالحياد والشفافية في التعامل مع المواطنين بكل تجرد نزاهة وحياد. وليس في هذا أي مس بالحرية الشخصية للموظفين، إذ بإمكانهم مباشرة حريتهم خارج المرفق الإداري، على اعتبار أن القناعة السياسية والحزبية شأن خاص، ما يجب أن يوظف ضد المواطنين عن طريق "التحرش" والتمييز الأيديولوجي، وذلك باستبعاد ولو معنويا من لا يتفق مع القناعة الشخصية. والأكيد أن قانون الوظيفة العمومية وكذا الجماعية لم يتضمنا الإشارة إلى اللباس داخل الإدارات العمومية أو الجماعية، ولكن كلاهما ألحا على أنه لا تدرج في الملف الخاص بكل موظف أي إشارة إلى نزعاته السياسية والفلسفية والدينية؛ وذلك من خلال الفصل 20 من قانون الوظيفة العمومية، الذي يسري بمقتضى الفصل 4 من المرسوم رقم 2.77.738 بتاريخ 27 شتنبر 1977 بمثابة النظام الأساسي لموظفي الجماعات كذلك على الأطر وموظفي الجماعات الترابية. والحاصل أن من الواجب على الدولة أن تفرض على أعوانها وأطرها ارتداء ملابس محترمة والابتعاد كلية عن المظهر الخارجي الذي يعبر عن توجهات سياسية أو فلسفية أو دينية. وليس في ذلك أي مساس بالحرية الشخصية، وإنما عنوان عن حياد الموظف الذي وجد لخدمة جميع المواطنين، وليس حزبه أو أيديولوجيته الداخلية أو المستوردة. ومن باب الاستئناس نذكر أنه بالنسبة لرجال التعليم في إمارة أبي ظبي، فحسب موقع مجلس أبو ظبي للتعليم فإن موظفي وأعوان إدارة التعليم ملزمون باحترام المظهر الخارجي كالتالي: "1- على جميع الموظفين الذين يرتدون الزي الوطني الالتزام بارتدائه وفقا للأصول، والمتمثلة في ارتداء الثوب الإماراتي (الكندورة) مع الغترة والعقال. 2- على جميع الموظفات اللاتي يرتدين العباءة الالتزام بارتدائها مع الشيلة باحتشام دون المبالغة في الألوان والتطريز وارتدائها بشكل حضاري، مع مراعاة عدم وضع الشيلة على الكتف. 3- على من يرتدي القميص والبنطالون من الموظفين الالتزام بارتداء البنطالون ذي اللون الداكن وقميص ذي أكمام طويلة، وارتداء حذاء جلد مغلق باللون الطبيعي (الأسود أو البني). 4- على جميع الموظفات اللاتي لا يرتدين العباءة والشيلة الالتزام بارتداء اللباس المحتشم، مثل القمصان غير الشفافة ذات الأكمام الطويلة والتنورة أو الفستان الطويل الذي يصل حتى نهاية القدمين أو البنطلون الطويل الفضفاض. 5- يرتدي معلمو ومعلمات التربية الرياضية الزي الرياضي الفضفاض. 6- يرتدي العمال والعاملات زياً خاصاً موحداً. 7- يرتدي الفنيون اللبس الخاص بعمال الصيانة بلون بني ويحمل شعار المدرسة من الجهة اليسرى عند الصدر وعلى الظهر، وكذلك يرتدون قبعة من نفس اللون. 8- يرتدي السائقون زياً موحداً. 9- يرتدي موظف الأمن الزي الرسمي للشركة التي يتبع لها والخاص برجال الأمن. 10- الحفاظ على النظافة العامة والحرص على استخدام العطور ومزيل الرائحة. 11- تشذيب اللحية. 12- تصفيف الشعر وقص الأظافر أو العناية بها. 13- مراعاة نظافة الفم والأسنان".