أعلن في دبي عن أول تقرير عالمي لسياسات السعادة عبر العالم، تضمن عدداً من المواضيع التي تلعب دوراً في إسعاد الشعوب، إضافة إلى توصيات مقدمة للحكومات، وعرض تجارب عدد من الدول التي نجحت في إحقاق أعلى نسب السعادة. التقرير الذي نُشر خلال انعقاد القمة العالمية للحكومات، أعده كل من البروفيسور جيفري ساكس، مدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، والبروفيسور جون هيليويل، بروفيسور فخري في علم الاقتصاد بجامعة بريتش كولومبيا، إضافة إلى عدد من الخبراء الدوليين. ولا تبرز أية دولة من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما فيها المغرب، في التجارب الناجحة في سياسات السعادة في هذا التقرير. في المقابل، تتميز الإمارات بخطوة غير مسبوقة على المستوى العربي بتعيينها السنة الماضية وزيرة خاصة بالسعادة في إطار سعيها إلى تحقيق الرفاهية والسعادة لشعبها. وبحسب التقرير، فإن مفهوم السعادة يتطلب الاهتمام بالصحة النفسية للأفراد، مشيرا إلى أن العديد من أصحاب الثروة يعانون من الكآبة والإحباط والانهيار العصبي، مما يؤدي بالبعض إلى الانتحار. واعتبر التقرير أن زيادة الثروة وارتفاع معدلات الدخل لا تعني بالضرورة السعادة، بل يجب رفع جودة الحياة والبيئة المادية والصحة النفسية والذهنية للأفراد حتى لا تؤدي الثروة والنمو الاقتصادي إلى التعاسة بدلاً من أن تحقق السعادة للشعوب. وحذر التقرير من الاستخدام المكثف لوسائل التواصل الاجتماعي، مبرزا أن له تداعيات سلبية، خصوصاً قيادة الشباب تدريجياً إلى العزلة الاجتماعية التي هي سبب رئيس في انخفاض معدلات السعادة. ويعتبر التعليم الإيجابي من المحددات الرئيسية لسعادة الشعوب؛ إذ قال معدو التقرير إن التعليم الإيجابي يؤسس لثقافة الإيجابية والسعادة؛ وذلك عبر تضمين برامج التعليم ممارسات تحفيزية مثل تشجيع الطلبة على كتابة خطابات عن أسباب الرضا، وكيفية التعامل مع المواقف غير المرغوب فيها، واستكشاف مميزات الشخصية وكيفية الاستفادة منها، والتعبير عن المشاعر والتعاطف مع الآخرين، وحل المشاكل والتفكير النقدي. وربط التقرير بين السعادة ونسبة الرضا عن الوظائف التي يؤديها الأفراد، مشيراً إلى ارتفاع نسبة الشعور بالرضا والسعادة بين الأفراد في الدول الصناعية المتقدمة، مما يدل على أهمية الأمان الوظيفي في تحقيق السعادة. وكشف التقرير عن أهم 12 مطلباً للرضا الوظيفي؛ أهمها العلاقات الجيدة مع زُملاء العمل، والشغف بأداء المهام الوظيفية. كما أن لمسألة العلاقات الاجتماعية مع الجيران والأصدقاء والحياة الأسرية أهمية كبرى؛ إذ أوصى التقرير بتطوير سياسات لتقوية أواصر هذه العلاقات، مثل إطلاق المبادرات الاجتماعية، وتعزيز انتماء الأفراد لمحيطهم، وإصدار القوانين التي تسمح للأفراد العاملين بقضاء المزيد من الوقت مع عائلاتهم. وتساهم أيضاً المدن الذكية في نسب السعادة، خصوصاً تلك التي تأخذ بعين الاعتبار إمكانية قياس ردود فعل الأفراد تجاه السياسات المُعتمدة، والاقتصاد، والمجتمع، والعمل الحكومي، وإمكانية التنقل، والبيئة، وأدوات تمكين السعادة. وتعتبر الدول الاسكندنافية نموذجاً للشعوب السعيدة حيث يكون العقل متفتحاً وفضولياً لتعلم أشياء جديدة كل يوم والاستماع إلى الغير، ومنح الجسد الراحة والنوم اللازمين وتناول الأطعمة الصحية، وتكوين علاقات اجتماعية وعلاقات صداقة دائمة من شأنها أن تعزز مستويات سعادة الأفراد. كما ساهم إحقاق الحرية والعدالة الاجتماعية وتوفير منظومة تعليمية ذات جودة عالية في سعادة هذه الشعوب، واجتناب سيطرة التقنيات ووسائل التواصل الاجتماعي على حياة الأفراد، مثل النوم لثماني ساعات والعمل لثماني ساعات وقضاء أوقات قيّمة مع أفراد العائلة والأصدقاء لثماني ساعات، إضافة إلى قضاء ساعة واحدة كل يوم لمزاولة التمارين الرياضية، وساعة للقراءة، وحصر استخدام منصات التواصل الاجتماعي لساعة واحدة فقط في اليوم. يذكر أن خمس دول اسكندنافية هي الدنمارك والنرويج وإيسلندا وفنلندا والسويد تصدرت المراتب الأولى في مؤشر السعادة العالمي خلال السنوات الأخيرة، وبرزت كأكثر الدول سعادة في العالم؛ إذ استطاع الشعب الدنماركي أن يحقق مستوى عالياً من السعادة رغم الطقس البارد الذي تعيشه الدنمارك في معظم أيام السنة. كما يدفع الدنماركيون ضرائب هي الأعلى على مستوى العالم، إلا أنهم لا ينظرون إليها على أنها عبء على كاهلهم، بل يرون فيها استثماراً في تحسين جودة الحياة والتعليم وتحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، رجالا أو نساءً، مما جعل الجميع ينعم بحياة سعيدة وفق أعلى المعايير العالمية. كما أن غالبية سكان مدينة كوبنهاغن يستخدمون المواصلات العامة والدراجات الهوائية للذهاب إلى أماكن عملهم، وقامت الحكومة بالاستثمار بشكل مكثف في تطوير البنية التحتية، سواء للمشاة أو أصحاب المركبات، مما ساعد الناس على الاستغناء عن مظاهر الرفاهية والبذخ المبالغ فيه، وتقلص بالتالي لديهم الشعور بالقلق على مستقبلهم. جنوبأستراليا هي أيضاً نموذج في تحقيق السعادة؛ إذ تعتمد على إشاعة ثقافة مساعدة وإسعاد الآخرين، والتحلي بالإيجابية، وكتابة رسائل الامتنان، والرياضة، وتعداد النعم، إضافة إلى تعزيز الصحة العقلية والقدرة على الصمود في مواجهة التحديات، مما يساعد على الحد من الأمراض النفسية. كما تسعى إندونيسيا إلى تحقيق هذا المسعى عبر اعتمادها لهرم خاص مبني على ثلاث ركائز رئيسية هي الناس، والعوامل البيئية، والنواحي الروحانية. ويسود الاعتقاد بأن السعادة تأتي من تعزيز أواصر العلاقات الاجتماعية بين الناس، وتوفير الدعم للمنظومة البيئية، وتقوية النواحي الروحانية، والتضامن الاجتماعي، والوحدة، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية. ويأتي الحوار العالمي للسعادة في دورته الثانية ضمن فعاليات الدورة السادسة من القمة العالمية للحكومات التي تنظم في الفترة من 11 إلى 13 فبراير في دبي، ويشارك فيه 500 مسؤول حكومي وعالِم وخبير في شؤون السعادة من دول عربية وغربية ومؤسسات عالمية، عبر 24 جلسة مُتنوعة تركز على سبل تعزيز المعارف والخبرات في مجالات السعادة وجودة الحياة.