تستمر الحملة الحقوقية الوطنية، المدعومة بمواقف منظمات دولية، المطالبة بضرورة سحب مشروع قانون "محاربة العنف ضد المرأة"، الذي ما زال يثير مزيدا من الجدل والاحتقان بين الحكومة والهيئات الناشطة في الدفاع عن حقوق النساء؛ إذ انتفضت هذه الأخيرة من جديد بالدعوة إلى "إيقاف نزيف التراجعات على صعيد حقوق المرأة". وكان اتحاد العمل النسائي، مصادفة مع حلول الأيام الدولية لمحاربة العنف ضد النساء، أطلق حملة وطنية للتعبئة من أجل سحب مشروع القانون المثير للجدل المعروف برقم "103 – 13"، وطالب بقانون شامل للقضاء على العنف ضد النساء "لقصور المشروع المعروض على مجلس المستشارين عن ضمان الحماية والوقاية والتكفل وعدم الإفلات من العقاب". ومع رصد النشطاء الحقوقيين لاقتصار المشروع المذكور على تعديلات جزئية في القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية، "بدل وضع إطار قانوني قائم الذات شامل وناجع"، يسجل النشطاء الغاضبون على الحكومة "التنامي الخطير للعنف المسلط على النساء والفتيات بكل أشكاله وفي كل الفضاءات"، وأيضا "تفشي الإفلات من العقاب وغياب آليات الوقاية والحماية والتكفل في التشريعات والسياسات العمومية". ودخلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أبرز وأكبر المنظمات الحقوقية في المغرب، على خط هذا الجدل، برفضها للطريقة التي أخذها المشروع داخل قبة البرلمان، بعد إقرار مجلس المستشارين يوم 30 يناير المنصرم، في جلسة واحدة، لمشروع القانون "ب23 صوتا لفائدته مقابل 15 صوتا ضده؛ وذلك بعد 24 ساعة فقط من التصويت عليه في لجنة التشريع والعدل وحقوق الإنسان، يوم 29 يناير 2018، ب3 أصوات مقابل صوتين". ورأت الجمعية، في بلاغ لها توصلت هسبريس بنسخة منه، أن المرجعية التي تأسس عليها المشروع تبقى "بعيدة كل البعد عن المرجعية الحقوقية ببعديها الكوني والشمولي، لفائدة الارتكاز على الخصوصية والهوية الثقافية والدينية"، معتبرة أن الأمر يتنافى مع التزامات المغرب الدولية، "ويترك المجال مفتوحا للتذرع بهذه الخصوصية لتكريس التمييز ضد المرأة، الذي يعتبر في حد ذاته عنفا ومولدا لكل أنواع وأشكال العنف الأخرى". "AMDH" ضمت صوتها إلى صوت الحركة النسائية والحقوقية الغاضبة من التشريعات الحكومية، بقولها إن مشروع قانون العنف ضد المرأة "يتنافى كلية، في منهجية بلورته وفي مضمونه وطريقة المصادقة عليه، مع المنهجية التشاركية"، مشيرة إلى رفضه من نشطاء الحركة النسائية والحقوقية والقوى المؤمنة بالمساواة، "التي انخرطت في حملة للمطالبة بسحبه وإعادة صياغته طبقا لمقتضيات المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأصدرت بيانات ورفعت مذكرات في هذا الشأن لم تعرها السلطات المعنية أي اعتبار". وفيما دعت المنظمة الحقوقية ذاتها "كل القوى الديمقراطية والتقدمية النسائية والحقوقية والنقابية والسياسية المؤمنة بالمساواة إلى المزيد من تكثيف الجهود والضغط (...) لإيقاف نزيف التراجعات على صعيد حقوق المرأة بوجه خاص وحقوق الإنسان بوجه عام"، اعتبرت أن مناهضة التميز ضد المرأة "تفرض مقاربة شمولية (...) بمنهجية تشاركية حقيقية، وتدابير تستمد إلزاميتها من قانون منسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ومع اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وينتظم ضمن استراتيجية شاملة للمساواة الفعلية وبدون تحفظات". وفي سياق التفاعل الدولي مع مشروع القانون ذاته، دعت منظمة العفو الدولية السلطات المغربية إلى "سن تشريع يتماشى مع أعلى القوانين والمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان"؛ وذلك ب "أن يدرج المشرِّعون في القانون تعريفاتٍ شاملة لأعمال العنف، وأن يكفلوا سُبل التماس العدالة، وأن يضمنوا إدراج بنود تتعلق بخدمات الدعم لضحايا العنف، وأن يتصدوا بشكل فعَّال للتنميط الجنساني الذي ينطوي على التحامل والتمييز، سواء في القانون أو في الممارسة العملية". أما منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فوجهت رسالة إلى حكيم بنشماش، رئيس مجلس المستشارين، سبقتها وثيقة مماثلة إلى كل من بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، ومصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، إبان حكومة عبد الإله بنكيران، تورد من خلالها أن مشروع قانون رقم 103-13 "ما زال ينطوي على مباعث قلق كبيرة، وخاصة الأحكام المتعلقة بالعنف الأسري"، داعية إلى تعزيزه قبل المصادقة عليه "لتوفير حماية أفضل من العنف الأسري، وحماية الناجيات، ومحاسبة المعتدين".