طلب مني بعض القراء في تعاليقهم حول موضوع الربا والبيع أن أشرح لهم تقنية المشاركة المتناقصة التي تستعمل في إطار التمويلات الإسلامية. وقد ذكرت في موضوعي آنذاك أنني أعتبر هذه التقنية من أحسن وأعدل طرق التمويل. لن أتطرق للموضوع من وجهة نظر فقهية أو نظرية بل سأحاول تفسيرها للقراء عن طريق مثال واقعي وبسيط، ثم سنعمم المثال على تمويلات أخرى يمكنها أن تعتمد هذه التقنية. التقنية التي نتحدث عنها هي "المشاركة المتناقصة" ؛ وهذا يعني أن العلاقة التي تربط الزبون بالبنك ليست علاقة دَين أو ربح، بل علاقة شراكة يكون فيها البنك وزبونه متشاركان في عقار أو مشروع، كل واحد منهما بنسبة معينة، ثم يشتري الزبون تدريجيا حصص البنك حتى يصبح هذا الزبون هو المالك الوحيد للعقار أو المشروع. نأخذ على سبيل المثال موظفا يريد أن يقتني سكنا ليُقيم فيه ، قيمته 000 250 درهم، ولا يتوفر إلا على نصف المبلغ، أي 000 125 درهم. يلجأ الموظف إلى البنك الإسلامي الذي يقترح عليه عملية المشاركة المتناقصة لمدة مائة شهر (ثماني سنوات وأربع أشهر) لتمويل مشروع اقتنائه للبيت. يدفع الزبون إل 000 125 درهم ، ويدفع البنك ما تبقى من الثمن ، أي 000 125 درهم. فيصبح الزبون مالكا ل %50 من البيت والبنك ل %50. فهما إذن شركاء في هذا العقار. الزبون سيقيم في البيت وهو ليس بمالك له، لذلك يجب عليه اكتراء البيت من المالك، الذي هو الزبون نفسه والبنك. لنفترض أن كلفة الكراء هي 000 1 درهم شهريا. يدفع الموظف في كل شهر حصة البنك في كراء البيت. أي 500 درهم في الشهر الأول (لأن حصة البنك هي %50). ثم يقتني كل شهر %0.5 من قيمة البيت بقيمة 250 1 (2500000.5%x). فيصبح في الشهر الثاني مالكا ل %49.5 من قيمة البيت فيدفع حينئذ 495 درهم كثمن كراء للبيت إضافة إلى 250 1 درهم ثمنا لشراء %0.5 أخرى من قيمة البيت. بعد مرور خمسين شهر (أربع سنوات وشهرين) يصبح الموظف مالكا ل %75 من البيت والبنك ل %25. فيدفع في هذا الشهر (أي الشهر الخمسين) 250 درهما ككراء بالإضافة إلى 250 1 درهم لشراء %0.5 أخرى من البيت. بعد مرور مائة شهر يكون الموظف قد اقتنى البيت كليا ويصبح حينئذ المالك الوحيد لبيته. من خلال هذا المثال يمكن أن نقف على النقط التالية: حصص البيت سددوا من دون أية فائدة، فالموظف كان يقتني حصص البيت بالثمن الأصلي للبيع. يحقق البنك الأرباح باكترائه لحصته في البيت. فالذي يحدد ربح البنك هو المردود المالي لكراء العقار وليس سعر الفائدة. العلاقة التي تربط البنك بزبونه هي علاقة شراكة وليس علاقة دَيْن. ففي حالة حدوث طارئ كعدم قدرة الزبون على السداد يتم الفصل بين الطرفين في إطار الشراكة وليس في إطار دَيْن يجب قضاءه وسداده. على البنك أي يوفي بكل واجباته كمالك للعقار. فإذا كانت هناك أشغال صيانة يُوجبها القانون على المالك ، فيجب على البنك أن يساهم فيها حسب نسبة مِلكِيته. فإذا كان البنك يملك مثلا %30 من البيت فعليه دفع %30 من نفقات الصيانة. على البنك أن يؤدي الضريبة المفروضة على مالكي العقار حسب نسبة ملكيته للبيت. فإذا كان البنك يملك مثلا %25 من البيت فعليه دفع %25 من قيمة الضريبة. حاولت والله الموفق أن أشرح للقراء عملية المشاركة المتناقصة من خلال هذا المثال البسيط. ولكن نظرا لمرونة هذه العملية يمكن أن يتم صياغتها بطرق أخرى أو أن تُستَعمل لتمويل مشاريع غير عقارية. ففي تونس مثلا كانت هناك تجربة لتمويل سيارات الأجرة بهذه الطريقة، فيتقاسم البنك وسائق السيارة أرباح المشروع كل حسب نسبة مشاركته. ثم يقتني السائق السيارة بشراء حصص البنك بالتقسيط. يمكننا أيضا أن نجد عقودا أكثر تعقيدا، يُراجع فيها ثمن الكراء حسب القانون المنظم لعقود الكراء, فتكون هناك زيادة (أو نقصان) في قيمة ثمن الكراء حسب متغيرات سوق الكراء العقاري. كما يمكن للمستثمرين الخواص اللجوء لهذه التقنية لاقتناء عقار يَكتريه المستثمر والبنك إلى طرف ثالث. فيقتسم البنك والمستثمر مبلغ الكراء كل حسب حصته. أحبذ كثيرا هذه التقنية لأنها مرنة وسَهلة الفهم، كما أن الربح البنكي فيها خال وبعيد كل البعد عن الفائدة. هذه التقنية تقرب أيضا من مصلحتَيْ الزبون والبنك لأن علاقتهما علاقة شراكة وليست علاقة تمويل ربحية. فتُوظف خبرة البنك لصالح الزبون. فلن يقبل البنك أبدا أن يشتري زبونه بيتا بأكثر من ثمنه الطبيعي لأن البنك سيكون أيضا مالكا له. كما أن البنك سيساعد زبونه للحصول على أفضل الأثمان للصيانة لأن البنك سيساهم فيها. فبدل أن يحرص البنك فقط على مصلحته الخاصة، فسيحرص أيضا على مصلحة زبنائه. *مهندس متخصص في شؤون التمويل وباحث في التمويل الإسلامي [email protected]