لَطالما ارتبط اسم مدينة سلا في أذهان المغاربة بالجريمة؛ فهذه المدينة المجاورة للعاصمة الرباط، المصنفة كثاني أكبر مدينة من حيث الكثافة السكانية بعد الدارالبيضاء، تعرف انتشارا كبيرا للجريمة، حتى إنَّ بعض أحيائها تحمل أسماء تُحيل على الأماكن المعروفة بانتشار الجريمة في العالم، مثل اسم "كولومبيا"، الذي يُطلق على حيِّ سيدي موسى. بطالة ومخدّرات قبل يوميْن، جرى مشهد جديد من مشاهد انتشار الجريمة في مدينة سلا، حينَ عمَد نشّالان إلى خطْف هاتف سيّدة كانت برفقة ابنتها على متن سيارتها، وانتهى المشهد بمقتْل أحد اللصَّيْن وإصابة الآخر بجروح خطيرة، بعد أن صدمْتهُما سيّارة السيدة التي سرقا من أمّها الهاتف. لا يفكّر السلاويون كثيرا حين تسألهم عن أسباب الجريمة المنتشرة في مدينتهم. ثمّة جواب جاهز يكاد يوجد على كل الألسنة: "البطالة والمخّدرات والفقر". يقول كلُّ المواطنين الذين التقيناهم في عَدوة الرباط إنَّ هذا الثالوث الخطير هو السبب الأوّل والرئيس لانتشار الجريمة في مدينتهم. في مدينة سلا تُباع كلُّ أنواع المخدرات نهارا جهارا. زبناءُ مروّجيها من الشباب في الغالب. وسط حيِّ "الروسطان" وحده، الواقع في مقاطعة تبريكت، توجد كثير من النقط التي تُباع فيها المخدرات. يشير مرافقنا إلى كَراج ذي اللون الأسود مفتوح بابُه، يبيع صاحبه مخدّر "المعجون". يلجه يافع في مقتبل العمر وبعض لحظات يخرج، بعد أن اقتنى حاجته من المخدّر المعروف وسط المغاربة. غير بعيد عن هذا المرآب، يوجد بيت آخر هو بدوره مقصد للمدمنين على المخدّرات التي تُباع منذ الساعات الأولى من الصباح. أمَّا في المساء، فإنَّ عدد "نقاط البيع" تزداد أكثر؛ ذلك أنّها تُباع وتُشترى وسط الأزقة، فتصبح، بعد أن يتناولَها الشباب المدمنون، الغارق أغلبهم في أتون البطالة، وقودا يؤجّج الجريمة المنتشرة بسلا. يُحمِّل المواطنون الذين التقت بهم هسبريس مسؤولية انتشار ترويج المخدّرات في سلا إلى السلطات الأمنية، ويتساءلون عن عدم تدخلها لمكافحة هذه الآفة التي تشكّل خطرا كبيرا على الأمن العامّ، رغم أنَّ مُروّجيها معروفون، وأماكنُ "بيعها للعموم" معروفة أيضا. "شفْتي ديك الدار، تمّا كيْتّْسربا المعجون بالعلالي، والدّْراري كيجيو يتقدّاو ويمشيو بحالهم"، يقول أحد شباب حي "الروسطال". هنا لا تُسمّى المخدّرات بأسمائها الحقيقية، بل بأسماء تمويهية. "المعجون" مثلا يُسمونه "الدّْهْبيّة"، لكونه يدرّ مالا كثيرا كالذهب على مروّجيه. شباب ضائع يسُود سُخط عارم وسَط شباب مدينة سلا بسبب انتشار البطالة، وعدم توفّر وحدات صناعية قادرة على امتصاص أعداد الشباب الذين يقضون سحابة يومهم متسكّعين في الدروب، وهو ما يجعلهم عُرضة للانحراف وللسقوط في أتون تعاطي المخدرات، ومن ثمّ تعاطي السرقة وغيرها من أنواع الجرائم. "الدراري فالحومة وْلّاوْ اكثر من البوطوات ديال الضوّ"، يقول شاب من حي "الروسطا" بسخرية سوداء من واقع حال شباب مدينة سلا، وخاصة أحياءها الشعبية والهامشية، ويُضيف آخر حين سألناه عن سبب انتشار الجريمة في سلا: "الفقر والبطالة، دْرنا الفرّاشة ما خلّاوناش، وما خلّاونا نديرو تّا حاجة. سلا داروها غي للنعاس، بحال شي أوطيل". ينتقد كثير من السلاويين ضُعف الأمن في مدينتهم، وهو ما يجعل المواطنين يضطرون إلى الدفاع بأنفسهم عن أنفسهم. قبل حادثة صدْم اللصّيْن اللذين سرَقا سيّدة قبل يومين في حي تبريكت، اضطرّ جزار إلى الاستعانة بسكّينيْن للدفاع عن نفسه بعد أن هاجمه لصّان حين كان في طريقة إلى المجزرة على متْن دراجته في الصباح الباكر بحي سيدي عبد الله. أمام ورشة للحدادة يجتمع ثلّة من الشباب في مقتبل العمر، يتبادلون أطراف الحديث، والساعة بالكاد تلامس عقاربها العاشرة والنصف صباحا. مشهد يعكس واقع نسبة كبيرة من شباب سلا، فلا هم يدرسون ولا هم يعملون، رغم أنّ منهم من يتوفر على شهادات وديبلومات. يقول أحدهم، نافذا إلى عُمق الإشكالات التي تعرفها مدينة سلا، وخاصة في الشقّ المتعلق بانتشار الجريمة: "السؤال اللي خاص المسؤولين يطرحوه هو علاش الشباب ديال سلا كيتعاطى المخدرات اللي كتخليه يدير الجريمة؟"، وأضاف: "مْلّي الشاب كيْفيق الصباح وما كيلقاش تّا باش يفطر، آش بغيتيه يْدير؟ اشنو البديل؟". تعيش مدينة سلا على وقْع تناقضات صارخة، فإلى جانب العمارات المُزيّنة للشارع الرئيسي الذي يخترق المدينة، ويمّر منه الترام واي، يوجد حيُّ صفيحي كبير يُسمّى "الديبّو". يُعتبر هذا الحي من بين الأحياء الأكثر خطورة في سلا. على واجهة أحد البيوت القريبة من هذا الحي كتب أحدهم بخط عريض: "فْخاطر وْلاد الدّيبّو اللي فْالحبس". شباب حي الروسطال الذين التقينا بهم يتحدثون بكثير من الحنق عن المسؤولين المسيّرين لمدينة سلا، يقول أحدهم: "سْلا مدينة عتيقة، والناس ديالها ماشي ديال الإجرام، ولكن المسؤولين ديالها هوما اللي خْرجو عليها"، ويضيف: "أنا شاركت فالانتخابات سنة 2003، ومْن ديك الساعة وهوما كيعطيو غي الوعود الكاذبة. سْلا كاملة ما فيها تّا شارع مْقادّ". "الضياع"، كلمة تتردّد على ألسنة الشباب في مدينة سلا. كثير منهم ينظر إلى الواقع المعاش بنظرة يلفّها السواد، وينظرون إلى المستقبل بنظرة أكثر سوادا في ظلّ المشاكل الاجتماعية التي يتخبطون فيها، وفي طلّ غياب فرصة عمَل تقيهم وطأة قضاء سحابة يومهم متسكّعين في الدروب. يقول أحدهم: "الدّراري مساكن غي ضايعين فهاد المدينة. كلشي كيهضر على لاضوز (يقصد المخدرات)، ولكن علاش الشباب كيلجأ لها؟ حيتْ عايش الفراغ، هو ما خدّام ما رْدّام، كيدخْل للدار كيلقا غير المشاكل. كل دار تلقا فيها اربعة ولا خمسة دْ البطاليّين. الدراري كيتعاطاو المخدرات باش ينساو هاد المشاكل". يبدو الشباب الذين التقت بهم هسبريس مقتنعين بأنَّ تغيير واقع حال مدينة سلا يقتضي التعاون بين المجتمع وبين مسيّري الشأن العام، لكنّهم يؤكّدون أنَّ مبادرة التغيير يجب أن يقودها المسؤولون، "خاصّْ السكّان ديال المدينة يتقادُّو، ولكن خاص المخزن والمسؤولين ديالها حتى هوما يتقادّو، وينقّيو المدينة، وحْنا معاهم، ولكن لا خلّاونا بوحدنا را أنبقاو ديما نكميو ونشربو ونديرو الإجرام"، يقول أحد شباب حي "الروسطال".