من الواضح أن مواقف بعض الأطراف من أحداث الربيع العربي في بعض الدول (البحرين وقطر والمغرب والسعودية والأردن) غير مفهومة، وغير مبررة مهنيا وأخلاقيا وسياسيا، خاصة مواقف قناة الجزيرة، وبعض "حماة" الديمقراطية وأدعياء حقوق الإنسان في الغرب، لكن إذا عرف السبب بطل العجب كما يقال. فقبل أيام نشر موقع ويكيليكس وثائق تكشف عن طبيعة العلاقة التي بين الجزيرة والأجهزة الأمنية الأمريكية، مما يفسر طريقة التعامل الإعلامي الذي طبع تغطية الجزيرة للأحداث في هذه الدول والذي كان في غالبيته باهتا ومجانبا للمهنية والموضوعية، ولعل المثال المغربي وهو الذي يهمنا أكثر في هذا المقال، يفضح جزء من هذا التعاطي، فقد سجل أغلب الملاحظين نوعا من التهميش للأحداث في المغرب، رغم أن المغرب عرف حراكا شعبيا ورسميا كبيرين، وحتى محطة التصويت على الدستور، التي حصلت فيها الجزيرة على إذن خاص من السلطات المغربية، حرصت على جعلها فرصة لتلمع وجه النظام المغربي، فمثلا قد كانت الجزيرة يوم الاستفتاء "ملكية أكثر من الملك" ففي الحين الذي تحدثت أغلب القنوات عن نسبة مشاركة ضعيفة، لم تتعدى 26 في المائة في الصباح، بما فيها القنوات الرسمية المغربية وبلاغ وزارة الداخلية، نجد أن الجزيرة تتحدث في شريطها الإخباري وتقاريرها عن إقبال ملحوظ، فأين لاحظ عزيز المرنيسي أو لبيب فهمي مراسلا الجزيرة هذا الإقبال، وهما لم يغادرا مركز الاقتراع الموجود قرب وزارة الداخلية!!! وهذا ما دفع المراقبين حينها للتساؤل، هل هذا التعاطي المنحاز هو ثمار صفقة سرية أشرفت على تسطير بنودها "اللجنة العليا المشتركة المغربية القطرية" في الدوحة يوم 23 فبراير، يرجع بموجبها مكتب الجزيرة إلى المغرب مقابل أن تغطي الجزيرة أحداث المغرب بشكل باهت، بعيدا كل البعد عن المهنية والحرفية وغيرها من الشعارات التي صنعت بها الجزيرة الريادة على مدى سنوات، وأيضا للتساؤل عن حجم وطبيعة الضغوطات التي تعرضت لها الجزيرة؟ هل ضغط اللوبي اليهودي المغربي في واشنطن و"تل أبيب" على قطر، التي تعرف العلاقات بينها وبين المغرب توترا منذ وصول أميرها إلى السلطة؟ أم أنه التدخل القوي لمجلس التعاون الخليجي بزعامة السعودية، للحفاظ على أحد "أعضاء النادي الملكي العربي"وحين نقول السعودية، فطبعا نقصد واشنطن؟ أم لأن التيار الإخواني ليس هو من يقود الحراك في بالمغرب، وبالتالي فوضاح خنفر -المناضل السابق في الإخوان المسلمين بالأردن-، لا يرى أن الحراك في المغرب يستحق التغطية، أو ربما لأن صحافييه لا يجيدون العد والإحصاء، عندما يتحدثون عن مظاهرة لم تتعدى الألف، في حين لو كلفت الجزيرة نفسها عناء مشاهدة وبث فيديوهات اليوتوب -كما فعلت مع تونس وتفعل مع سوريا- لتأكدت أن أصغر المسيرات تتعدى عشرات الآلاف. لكن اليوم قطعت تقارير وكيليكس الشك باليقين في قصاصاتها، التي لم تجرؤ الجزيرة على تكذيبها أو تبريرها، وهي التي تعودت نشر بيانات الحقيقة في كل مناسبة، فقد كشفت الوثائق عن لقاءات أجراها مدير قناة الجزيرة القطرية وضاح خنفر مع مسؤولة الشؤون العامة الأميركية في وزارة الخارجية القطرية، تعهد خلالها بتقديم ردود مكتوبة على دواعي القلق الأميركية، مؤكدا أن المواضيع التي تثير قلق واشنطن قد تم تشذيبها وتهدئة لهجتها، وأنه سوف يزيلها، كما أشارت الوثيقة إلى أن خنفر طلب من المسؤولة عدم الكشف عن التعاون السري بينه وبين الوكالة الأميركية، مما يثير الشكوك حول أجندة الجزيرة وعن من يقف خلفها، ويعزز شكوك المغاربة حول مواقفها العدائية من قضاياهم العادلة وتحيزها للجزائر، فالمغاربة قد يختلفون حول أمور السياسة، ولكنهم لا يختلفون حول قضايا السيادة. ينضاف إلى موقف الجزيرة غير المهني وغير المبرر، والذي تكشفت بعض خلفياته، مواقف بعض الجهات في الغرب التي يحشدها المغرب الرسمي، كمجموعات الصداقة في أوروبا وأمريكا وبعض الأقلام الغربية، التي تستفيد من حفلات "كعب الغزال" و"القفطان المغربي" والرحلات السياحية المجانية وربما حتى "الجنسية"، ورشاوي التمثيليات الدبلوماسية المغربية، لتشيد بالتغيرات التي يعرفها المغرب ولتشيد بالديمقراطية الناشئة، وتحاول تسويق المغرب في تقاريرها كنموذج عربي للديمقراطية والتنمية، كما فعلت من قبل مع تونس،ولهؤلاء أسبابهم القوية: 1- أن النظام في المغرب حليف استراتجي -تاريخيا وجغرافيا اقتصاديا- مطيع ينفذ التعليمات، ولا يسبب المشاكل لأوروبا أو أمريكا، وينخرط بكل يسر في مشاريعها وخططها التوسعية في المنطقة وقابل للتطور. 2- أن اللوبي اليهودي المغربي في العالم وأمريكا، حريص كل الحرص على استمرار نظام تربطه معهم علاقات تاريخية، فحسب البرقية السرية التي أرسلتها السفارة الأمريكية بالمغرب إلى المسؤولين بواشنطن يوم 6 دجنبر 2005، "أبلغ أزولاي المسؤولين في تل أبيب، أن المغاربة عموما لا يعارضون التطبيع مع إسرائيل وأنهم "منفتحون على إقامة علاقات أكثر دفئا معها وشرح المستشار الملكي لمحاوريه أن الإسلاميين وحدهم من يقف ضد التطبيع مع إسرائيل ويعتبرون ذلك "خيانة"، وأن الحكومة المغربية تحاول الحفاظ على "قضية التطبيع حية في عيون المغرب".. 3- إن البدائل والخيارات المطروحة أمام الغرب صعبة جدا وعلى رأسها الإسلاميين، الذين لا يحظون بثقة أنظمتهم أو أنظمة الغرب السلطة فحسب ما كتب طوماس ريلي، سفير أمريكا آنذاك لدى الرباط، إن الملك “حذق بعينيه عند ذكر حزب العدالة والتنمية”. قبل أن يقول “لا بد لي أن أقول لك شيئا مهما. عندما نتحدث عن الإسلاميين، سواء المعتدلين أو المتطرفين، فإنهم جميعا مناهضون للولايات المتحدة”. وأضاف الملك محذرا ضيفه “لا تنخدع، فقط لأنهم يبدون مسالمين وطيبين. إنهم يبدون متعقلين. لكن يتعين على الولاياتالمتحدة أن لا تكون لديها أوهام بشأنهم. إنهم معادون لأمريكا”. 4- أن المغرب استفاد من علاقات النخب الليبرالية واليسارية المغربية التي دجن النظام أغلبها، وبالتالي فهي تلمع صورته في الغرب وترهب أوروبا من وصول المارد الإسلامي إلى السلطة. وعلى كل حال فالجزيرة والجهات الداعمة للديمقراطية، ينبغي أن تبقى على الحياد، وأن تظل وفية لرسالتها الإعلامية والإنسانية، وأن لا تغلب الحسابات السياسوية الضيقة، فالشعوب لا تنسى سريعا، وتقدر عاليا كل من يساندها في محنتها. [email protected]