عن أبي هريرة رضي الله عنه ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،قال : || إذا نظر أحدكم إلى من فضِّل عليه في المال والخلق ، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فضِّل عليه || رواه البخاري في كتاب الرقاق باب رقم 30 ، ... "" في هذا الحديث توجيه نبوي كريم ، وإرشاد رائع وحكيم لكل مسلم قُدِر عليه رزقه ، وقدِّر عليه أن يعيش في مجتمع تسوده الطبقية العمياء من أخمص قدميه إلى أعلى أذنيه ... وفي هذا الحديث النبوي وقاية للنفوس البشرية الفقيرة من داء قد يتسرب إليها كلما نظرت إلى من هو أعلى منها في الرزق والخلْق ... إنه داء الحسد المؤدي إلى الكفر والعياذ بالله ... ومن ثم جاء الأمر في الحديث أعلاه بوجوب صرف النظر عمن إغتنوا وتوجيهه صوب من هو أشد فقرا وأكثر حاجة ، حتى لا يتخبط الإنسان في أسئلة داخلية أو خارجية تخبط به خبط عشواء فتخندقه في مخندق الحسد المذموم وتدفعه إلى تغيير دينه ووطنه ولونه وجنسه ومبادئه ، كالذي صار يحدث معنا في السنين الأخيرة ، فما بين صباح ومساء ، وما بين عشية وضحاها ، تسمع وتقرأ وترى العجيب العجاب ، فهذه عداءة عربية مسلمة قطعت المسافات الطوال لتصل إلى مستعمرة " أولمرت السفاح " ، ولتتجنس بالجنسية الصهيونية مغيرة لون قميصها الوطني بلون من قتلوا الأطفال وذبحوا الرجال واغتصبو النساء ، والدافع الفقر !!! ... وتلك فتاة من بني جلدتنا لم تبلغ سن الرشد بعد ، إرتمت وثلة من مثيلاتها بين أحضان غربي كافر فاجر ليصورهن في أبشع صورة يمكن أن تلتقط لفتيات دينهن واحسرتاه الإسلام ، ... والدافع الفقر !!! ... وهؤلاء مناضلون من مناضلي الأمس غيروا لونهم الحزبي ، وتنكروا لمبادئهم ، واستلذوا نعم الكراسي ، وزادوا على البورجوازية التي كانوا يعارضونها غاية المعارضة بورجوازية أشد وقعا من ضرب الحسام المهند ... والدافع الفقر !!! .. وهذا ابن بارٌّ من أبناء الحركة الإسلامية ، قضت سنينا في تربيته وتعليمه الرماية بقول الحق والصدق في الحر والقر ليكون من الفائزين في الدنيا والآخرة ، حتى إذا اشتد عوده رماها بسهم من سهام أصحاب الشمال ، ونسى أن الغلبة في الأخير لأصحاب اليمين ، ... والدافع هو الفقر !!!! ... وهذا جيش عرمرم من الشباب تنصر في عدة أقاليم وأصبح يدين بدين وهمي مزيف ... والدافع الفقر !!!... إن النفس البشرية بحكم غريزتها زين لها حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وكل ما هو جميل من متاع الحياة الدنيا ، فإذا ما انعدم هذا المتاع أو اصطدم هذا الحب بعين بصيرة ويد قصيرة وتعبِ أجسام تروم الوصول إلى مرتبة الأغنياء ونعيمهم ومنازلهم ، ألقى الشيطان حباله على هذه النفس المسكينة المغلوبة ، ليدفعها إلى ما لا يحمد عقباه من حسد حارق ، أو كسب حرام ، أو كفر متولد من أسئلة لا ترضى في أعماقها بقسمة الله عز وجل وقدره ، بحجة أنه تعالى أعطى أقواما ما تمنوه من غنى في الحياة الدنيا وقدر على هذه النفس رزقها وهو ما ليس بعدل مبين حسب زعمها وجهلها ، ... وقد روي عن الإمام علي كرم الله وجهه ما يؤيد هذا القول حين قال قولته المشهورة : ++ كاد الفقر أن يكون كفرا ++ رواه أحمد بن منيع في مسنده بسند ضعيف ، فالفقر أمام ضعف النفس وجهلها بكتاب الله وسنة رسوله وتطلعها إلى غنىً يزيل عنها مرارة البؤس وقسوة مجتمع تنخره المادة نخرا عميقا ، سرعان ما يتحول إلى كفر برب الفقر والغنى إن لم يتأتى لها الغنى المنشود ، وفي هذا السياق يقول الله عزوجل مبينا سرعة تحول النفس من حال إلى حال : << فأما الإنسان إذا مابتلاه ربه فأكرمه ونعَّمهفيقول ربي أكرمني . وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني>> سورة الفجر ، الآية 15 و16 ، ولو أن هذاه النفس المتلونة بلون الحمد والشكر في حالة اليسر والغنى ولون السخط والضجر والغضب في حالة العوز والفقر ، تأملت في فعل " إبتلاه " لعلمت علما قطعيا لا يترك للشك مجالا أن الغنى والفقر فعل إلهي وعمل رباني وابتلاء من عند الله وفتنة من لدنه يفتتن بها الناس ليُعْلَمَ من يشكر ممن يكفر ، وفي ذلك يقول المولى عزوجل : << فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته من عندي بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون>> الزمر الآية 49 ، ... ولو أن هذه النفس الباحثة عن غنى فان بحثت في صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو غيرهما من الكتب الصحاح ، عن فضل الفقر والفقراء لعلمت علم اليقين أن المفلس ليس هو ذلك الإنسان الذي لا درهم له وإنما المفلس هو الذي يؤخذ من حسناته يوم القيامة جزاءً وفاقا لما اقترف من سيئات حتى إذا بلغت حسناته درجة الصفر كب في وجهه في النار... ولو أن هذه النفس الحائرة التائهة بسبب بعدها عن المولى سبحانه وتعالىوهجرانها لكتابه وسنة نبيه درت دراية تامة أن التعيس كل التعاسة والبئيس كل البؤس ، هو ذلك الذي أله الدرهم والدولار ونسي أو تناسى أن له مع القيامة موعدا لن يخلف ، وموقفا لا ولن ينفعفيه مال أو بنون إلا من أتى الله بقلم سليم خال من الشوائب ... لو درت ذلك واستمعت إلى أبي هريرة رضي الله عنه وهو يروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال || تعس عبد الدينار والدرهم ، إن أعطي رضى ، وإن لم يعطى لم يرضى || رواه البخاري في كتاب الرقاق ، باب رقم 10 ، لذهبت عنها حيرتها ولانجلى عنها تيهها ولآمنت بالتنزيل ولرضيت بالقليل ولاستعدت ليوم الرحيل. إن الإبتعاد عن الله عزوجل وعن ذكره وشكره وحمده وتسبيحه والإعراض عن سنة نبيه ، وعن سيرة الصحابة والسلف وكيفية تعاملهم مع الفقر لهو أكبر فقر وأخطر فاقة وأعظم عوز وحاجة ، قال عزوجل : << ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى >> سورة طه الآية 164 ، ولله در الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين حين قال " هناك فقر وهناك كفر ، وابحث عن الكفر كلما رأيت فقر ، وانتظر الفقر كلما رأيت كفرا " المنهاج النبوي : الطبعة 4 صفحة 421 . فيا ليت هذه النفس الأمارة بالسوء والمتطلعة إلى الغنى بين ليلة وضحاها دون تبصر بالعواقب تدرك إدراكا حقيقيا أن الجنة لن تدخلها بفقر أو بغنى وأنها حفت بالمكاره وأن النار الملتهبة قد حفت بالشهوات ، لتختار ما يناسبها من المنزلين والمنزلتين . يروى عن حاتم الأصم وهو من العارفينبالله الذين عاصروا الإمام أحمد بن حنبل أنه قال له أستاذه شقيق البلْخِي : منذ كم صحبتني ؟؟؟ فقال له حاتم منذ تلاث وتلاثين سنة .قال فما تعلمت مني في هذه الفترة ؟؟؟ قال : ثماني مسائل . فقال له أستاذه شقيق : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثماني مسائل؟؟؟ قال : يا أستاذ لم أتعلم غيرها وإني لا أحب أن اكذب . فقال له هات هذه الثمانيمسائل حت أسمعها . فقال له حاتم : الأولى : نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحب محبوبا ، فهو معمحبوبه إلى القبر ، فإذا وصل إلى القبر فارقه ، فجعلت الحسنات محبوبي فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي . الثانية : نظرت في قوله تعالى << وأما منخاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى >> فعلمت أن قوله سبحانه وتعالى هو الحق فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى . التالثة : نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه شيئ له قيمة ومقدار رفعه وحفظه ، ثم نظرت إلى قوله عزوجل << ما عندكم ينفذ وما عند الله باق >> فكلما وقع معي شيئ له قيمة ومقدار وجهته إلى الله ليبقى عنده محفوظا . الرابعة : نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب فنظرت فيها فإذا هي لا شيئ ، ثم نظرت إلى قوله تعالى<< إن أكرمكم عند الله أتقاكم >> فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريما . الخامسة : نظرت إلى هذا الخلق وهم يطعن بعضهم في بعض ويلعن بعضهم بعضا وأصل هذا كله الحسد ، ثم نظرت إلى قول الله عزوجل : << نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا >> فتركت الحسد واجتنبت الخلق وعلمت أن القسمة من عند الله فتركت عداوة الخلق عني . السادسة : نظرت إلى هذا الخلق يبغي بعضهم على بعض ويقاتل بعضهم بعضا فرجعت إلى قول الله عزوجل << إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا >> فعاديته وحده وتركت عداوة الخلق غيره . السابعة : نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكسرة فيذل فيها نفسه ويدخل فيها ما لا يحل له ، ثم نظرت إلى قوله تعالى : << وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها >> ، فعلمت أني واحد من هذه الدواب ، فاشتغلت بما لله تعالى علي وتركت ما ليَ عنده . الثامنة : نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلهم متوكلين على مخلوق هذا على ضيعته وهذا على تجارته وهذا على صناعته وهذا على صحة بدنه وكل مخلوق متوكل على مخلوق مثله ، ثم رجعت إلى قوله تعالى << ومن يتوكل على الله فهو حسبه>> ، فتوكلت على الله عزوجل فهو حسبي . فقال له أستاذه شقيق : يا حاتم وفقك الله تعالى فإني نظرت في علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم فوجدت جميع أنواع الخير والديانة وهي تدور على هذه الثمان مسائل. كتاب علوم إحياء علوم الدين صفحة 65و66... وبعد : إن الفقر والغنى والشقاء والسعادة واليسر والعسر والسعة في الرزق والضيق فيه أمور لا يقاس بها المرء ولا توزن بها النفس في ميزان الحق سبحانه وتعالى ، فهي من أمور الغيب التي لا يعلم مفاتيحها إلا الله الرزاق ذو القوة المتين ، القائل في سورة القمر << وأنه هو أغنى وأقنى >> الآية 51 والقائل في سورة الضحى : << ووجدك عائلا فأغنى >> الآية 8 ... وإن منالناس من لا يصلح له إلا الغنى ولو أفقره المولى سبحانه وتعالى لأفسده ، وإن من عباد الله من لا يصلح له الا الفقر ولو أغناه لأفسده والله عليم خبير ، وآخر كلامنا أن الحمد لله رب العالمين .