من المعلوم وحسب ما بسطت في العنصر الماضي أن الهدف الأسمى من تكوين أسرة في الإسلام، وكما هو بالنسبة لسائر الأعمال هو إرضاء الله، وهذا ما يدندن عليه كل مؤمن مخلص في دينه. وليتحقق هذا الهدف النبيل يقتضي الأمر وجود حدود دنيا من التوافق الذهني والعقدي بين الزوجين ينمو فيهما ويترعرع بينهما بعد ذلك بتعاونهما عليه. وإن تشرب الزوجين للقيم الإسلامية وتشبعهما وتشبثهما بها قبل الزواج، ليدفعهما تلقائيا إلى اعتبارها واختيار شريك الحياة الزوجية وِفْقَها، ولذلك جاءت تعليمات وإرشادات الإسلام للبنين والبنات تؤكد على ضرورة توفر الحد الأدنى من التدين الصحيح وتبين أحيانا حكمته. فالنسبة للزوج يوقظ الرسول صلى الله عليه وسلم عقله، ويستثير فطرته السليمة، ويحفز همته إلى الترفع ولو مؤقتا عن الافتتان بالأعراض الزائلة، وعدم اعتبارها أولا في اختيار شريكة الحياة الزوجية، بل ينبغي أن تكون تابعة للثوابت. والرسول صلى الله عليه وسلم يقر الواقع البشري، لكن بعد أن يشخص ما به من أدواء وعلل، ويصف له الدواء خصوصا في المجال الأسري، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين ثربت يداك" [1] فإيثار أحد مغريات الذكر بأنثى دون اعتبار للدين يهدم الأساس الذي ذكرناه من قبل، ويهدم ما يأتي بعده. وبالنسبة للزوجة أرشد الإسلام أولياء أمور الأيامى إلى حسن اختيار من سيتحملون مسؤوليات الأسرة إلى جانب ولياتهم، بقوله عليه السلام: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" [2] . فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يحرض على إثمار المجتمع المسلم وإنضاجه من زواج محصن بشرع الله القويم، وهديه السليم، وتوجيه رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، ليشعر كل طرف داخل الأسرة بعد ذلك بكامل مسؤولياته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه، ويؤديها على الوجه المطلوب. فمن خلال الوحي الرباني والهدي النبوي، يظهر جليا أن الاعتماد على الأساس الديني في تأسيس الأسرة وتكوينها يجنبها كثيرا من المزالق والمهالك، ويعينها على التدبير الحكيم لكل أمورها، وإن طرأ عليها طارئ لا قدر الله كان للحمولة الشرعية الأخلاقية الأثر الكبير في تذليل الصعاب وحل المشاكل ومن تجليات ذلك: 1. حضور تقوى الله لديهم بل لدى محيطهم الأسري أيضا، ومعاملة بعضهم البعض بمقتضاها. 2. الرضا بالقدر، وحسن تدبير اقتصاد الأسرة، وفق الهدي الرباني دون الوقوع في الإنزلاقات الاقتصادية، بتحميل دخل الأسرة ما لا يتحمل كما هو حال كثير من أسرنا اليوم، مما يولد مشاكل عويصة قد لا تجد لها حلولا إلا تشتيت الأسرة وتقطيع الأرحام. 3. تجنيب أفراد الأسرة الاهتمام الزائد بالماديات، وعدم الطمع في الحرام من أجل تحقيقه، وهذا المعنى مكمل لسابقه فيما يتعلق باقتصاد الأسرة. 4. حفظ أعراض الأسرة كل فرد من جهته وتجاه غيره، وتنيبهم أنواع الغيرة المدمرة والشكوك الزائدة، التي قد تعصف أحيانا بكيان الأسرة، وذلك من خلال التحصين الخلقي الذي يتمتعان به. من هنا يتبين دور مقوم التدين الصحيح والعميق الذي ينبغي لكل مقدم على الزواج أو متزوج يريد أن ينعم بيته الأسري بالسكينة أن يتسلح به قبل أن يشترطه في شريك حياته، بذلك نضمن أساسا من أسس الأسرة التي يضمن استمرارها السليم. -------------- 1. رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه. 2. حديث حسن، أخرجه الترميذي في سننه. [1] . رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، كلاهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.