في يناير 2014 أعلن تحالف سياسي بين ثلاثة أحزاب عن تأسيس فيدرالية اليسار الديمقراطي، المكونة من الاشتراكي الموحد، والطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والمؤتمر الوطني الاتحادي، كخطوة أولى ممهدة للاندماج في حزب واحد، ولكن التجربة كشفت عدم استعداد جزء كبير من أعضاء الحزب للتخلي عما يسمى "الذات الحزبية"، رغم وجود قواسم مشتركة كثيرة، أبرزها مطلب الملكية البرلمانية ونزاهة الانتخابات ومحاربة الفساد والاستبداد. وتزامناً مع انعقاد المؤتمر الوطني الرابع لحزب "الشمعة" أيام 19 و20 و21 يناير الجاري، طفت داخل البيت اليساري نقاشات حادة بشأن مستقبل قرار الاندماج أو الاستمرار في العمل من داخل الفيدرالية إلى حين إنضاج الشروط الموضوعية. فيما تحبذ آراء أخرى العمل على تقوية الصف الداخلي، وتقييم تجربة انصهار فعاليات يسارية سابقة فيه منذ تأسيسه عام 2002، خصوصا أنه يعرف خلافات وصراعات داخلية بين ثلاثة تيارات فكرية مختلفة. عبد الرحمان بنعمرو، القيادي اليساري والأمين العام السابق لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، وأحد الذين ساهموا في الإشراف على إخراج فيدرالية اليسار، يرى أن الوقت لا يزال مبكراً للانصهار في حزب واحد. ويقول في تصريح لهسبريس: "جميعنا نوافق على قرار الاندماج، ولكن على المستويين العملي والقانوني، تتطلب المسألة القيام ببعض الإجراءات، من قبيل موافقة اللجان الإدارية والمركزية والمجالس الوطنية للأحزاب الثلاثة، والاستجابة للشروط التي يُحددها قانون الأحزاب". ويعتبر القيادي اليساري أن تأسيس "الرسالة" خطوة فارقة في تاريخ العمل الحزبي بالمغرب، ولكنه يشير إلى أن "قرارات الاندماج في حزب واحد لا يجب إسقاطها من قبل القيادات على القواعد الحزبية، بل أن يقتنع الجميع في إطار سيرورة تاريخية حتى لا تكون النتائج عكسية". وزاد شارحاً: "لم نتأخر في اتخاذ القرار، لأن ما يهمنا ليس هو الاندماج الشكلي أو تكرار تجارب سابقة أبانت عن فشلها". "مكاسبة الأحزاب الانتخابية ستزداد في حالة ذوابنا في حزب واحد، كما أن الخلافات حول المرشحين ستذوب أيضا"، يُضيف "شيخ الحقوقيين"، الذي يحلم بحزب يساري يلمّ شمل جميع الديمقراطيين. وجهة نظر "الطليعة" لا تختلف كثيراً عن رأي القيادي في حزب الاشتراكي الموحد، محمد مجاهد، الذي يقول إن برلمان حزبه سبق أن أوصى بإطلاق دينامية اندماج بين مكونات الفيدرالية، وبالانفتاح على بقية الطيف اليساري الديمقراطي، الذي يتقاطع مع مشاريع "الرسالة"، وأبرز أنه تم الاتفاق على جعل 2020 سنة للوحدة الحزبية، أي سنة قبل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ويلفت الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي الموحد الانتباه إلى وجود سبع وثائق مشتركة تؤطر مسألة تحالفات أحزاب الفيدرالية، أبرزها ورقة حول الأرضية السياسية للفيدرالية، وبرنامج انتخابي موحد، وتصور حول قضايا الصحراء والجهوية المتقدمة، وأرضية تخص الإصلاحات الدستورية والسياسية، بالإضافة إلى هيئة تقريرية مشتركة. وبخصوص تحقيق الفيدرالية لنتائج أقل من المتوقع في الاستحقاقات الماضية، أوضح مجاهد في تصريح لهسبريس أن "المحطة أبانت عن تعاطف جماهيري كبير مع المشروع الحداثي، وهذا يشكل أملا لفئات عريضة من الطبقات المتوسطة والمتنورة، التي تريد أن تذهب بلادنا بعيدا في اتجاه بناء الديمقراطية الحقيقية". ويدعم تيار داخل الحزب اليساري قرار الاندماج مع أحزاب الفيدرالية؛ فيما يعتبر تيار آخر، يوجد ضمنه محمد الساسي ونبيلة منيب، القرار متسرعاً، ويحبذ العمل على تقوية الحزب والاستفادة من التعاطف الذي كسبه خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة قبل أي اندماج. ويعول الحزب على هذا الاندماج المرتقب لحصد نتائج إيجابية في الانتخابات التشريعية سنة 2021، وتجاوز الحصيلة الهزيلة التي نالها في الانتخابات السابقة، إذ نال مقعدين برلمانيين بعدما كان يراهن على فريق برلماني كامل. وتُوجه إلى منيب انتقادات كثيرة بخصوص طريقة تدبيرها للحزب، واعتراضها على تسريع عملية الاندماج. ورغم هذه المؤاخذات، يتجه المؤتمر الرابع نحو التجديد للقيادية اليسارية لولاية ثانية على رأس "الشمعة".