كشفَ اليوم الدراسي الذي احتضنه مجلس النواب، اليوم الثلاثاء، حول مشروع القانون التنظيمي رقم 04.16 المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية وجودَ مخاوفَ قوية لدى الفاعلين الأمازيغ حُيالَ مُستقبل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الذي أعلنَ عن إنشائه الملك محمد السادس في الخطاب الذي ألقاه بمدينة أجدير سنة 2001. وتنبُع مخاوفُ الفاعلين الأمازيغ من كونِ المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية سيجعل من المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سيصير مؤسسة تابعة للمجلس، في حالِ عدم تمتيعه بالاستقلالية المادية والإدارية التي يتوفر عليها حاليا. وتسود المخاوف نفسها لدى المدافعين عن اللغة العربية، والذين يتخوّفون بدورهم من أنْ تكون أكاديمية محمد السادس للغة العربية مجرد مؤسسة تابعة للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. الحسين مجاهد، الأمين العام للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، شدَّد، في مداخلته خلال اليوم الدراسي المنظم من لدن مجلس النواب ووزارة الثقافة والاتصال، على أنَّ المعهد يجب أن يظلَّ محافظا على استقلاليته المادية والإدارية، وكذا على مستوى الرأي، مضيفا "يجب أن تكون للمعهد قدرة مالية لتوفير الموارد البشرية الكفيلة بالقيام بالمهام المنوطة به، ولاستكمال ما جرى ترصيده من مُنجزات خلال السنوات الماضية، وإتمام الشراكات مع الجمعيات والجامعات المغربية". الموقف نفسُه عبّر عنه أحمد عصيد، الباحث ورئيس المرصد الأمازيغية للحقوق والحريات، بقوله، حين حديثه عن اختصاصات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأكاديمية محمد السادس للغة العربية، التي لم ترَ النور بعد: "لا يمكن تذويب مؤسسات قائمة الذات داخل مجلس استشاري"، مشدّدا على أنَّ المؤسستيْن سالفتيْ الذكر ينبغي أن تكون لهما الاستقلالية المالية والإدارية، "وهذه الاستقلالية لم تحترمْها الصيغة الحالية للمشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية". وفيما قال عصيد إنَّ السلطة تُريد أن يكون المجلس الوطني "مؤسسة للوصاية على كلّ الذين يخوضون في النقاش اللغوي في البلاد"، ندّدت الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة بما سمّته "التمييز" بين الأمازيغية والعربية في مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وذلك بإسناد اختصاصات واسعة لأكاديمية محمد السادس للغة العربية. عبد الله بادو، رئيس الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة، قال إنّ المهامَّ المنوطة بأكاديمية محمد السادس للغة العربية والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية "تُبرز تفاوتا كبيرا من حيث شساعة الاختصاصات بين المؤسستين، لفائدة الأكاديمية"، مضيفا أنّ مشروع القانون خصَّ أكاديمية اللغة العربية بسبعة اختصاصات حصرية مهمة في مجال اللغة دون أن يسري الأمر نفسه على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، "وهو تمييز غير مبرّر ستكون له تداعيات على مستقبل الأمازيغية وحيويتها، لا سيما أثناء أداء وظائفها كلغة رسمية"، على حدّ تعبيره. من جهتهم عبّر المدافعون عن اللغة العربية عن قلقهم إزاء الدور الذي يُمكن أن تلعبه أكاديمية محمد السادس للغة العربية. قلقٌ عبّر عنه محمد علي الطود، منسّق التنسيقية الوطنية للغة العربية، بقوله إنّ وضعية المؤسسة المرتقب أن ترى النور مستقبلا تسير في منحى متدهور؛ ذلك أنَّ الصلاحيات المخوّلة لها في قانون إحداثها انتُزع منها الكثير من نصّ مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية. ويسود اعتراض كبير وسَط المدافعين عن اللغة العربية للصيغة التي صُورت بها أكاديمية محمد السادس للغة العربية في مشروع القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، إذ قال محمد علي الطود إنَّ "الأكاديمية ستنتقل من مؤسسة يتمتع رئيسها بصلاحيات واسعة، حسب ما هو منصوص عليه في القانون المحدث لها، إلى واحدة من بين خمس هيئات يتألف منها المجلس"، ذاهبا إلى القول إنَّ إخراج الأكاديمية بالصيغة الحالية سيجعلها مؤسسة فاشلة وجامدة. ويظهر أنَّ وزارة الثقافة والاتصال تسعى إلى امتصاص الغضب الذي رافقَ إعداد مشروعي القانونين التنظيميين المتعلقيْن بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، والانتقادات الكثيرة الموجّهة إلى الطريقة التي نهجتْها الحكومة في إعدادهما، وخاصّة من لدن الهيئات الأمازيغية؛ فقد قال محمد الأعرج، وزير الثقافة والاتصال، إنَّ فتْح النقاش حول مشروعي القانونين التنظيميّين المعروضين على البرلمان يأتي في سياق سلسلة التدابير الرامية إلى إحاطتهما "بما يلزم من شروط التشاور والتشارك والدراسة المستفيضة". واعتبر وزير الثقافة والاتصال أنَّ النقاش اللغوي في المغرب يُعتبر ملفا سياسيا ومجتمعيا في آن واحد، وذا أبعاد تاريخية وتعليمية وتواصلية وثقافية وتنموية، مشيرا إلى أنَّ مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية "ينظم مجالا مصنفا ضمن القضايا الوطنية الكبرى، وقد خضع لمسار إعدادي وتشاوري وتشاركي في مستوى هذا التصنيف".