لم يُكتب للسّوق الأسبوعي الجديد بمدينة خريبكة أن ينعقد في يوم افتتاحه، بسبب عوامل طبيعية وأخرى بشرية حالت دون تمكن الباعة من تحديد أماكنهم داخل فضاء المرفق الجديد، بعدما تقرّر نقله من الجهة الشمالية إلى الجهة الجنوبية لعاصمة الفوسفاط، وإبعاد الأنشطة التجارية من مدخل المدينة عبر الطريق الوطنية رقم 11 الرابطة بين خريبكة والدار البيضاء. أوحال وأمن وتجمعات وفي زيارة أجرتها هسبريس إلى السوق الأسبوعي الجديد، تزامنا مع موعد افتتاح أبوابه في وجه سكان المنطقة، لوحظ اكتظاظ وعرقلة واضحة على مستوى السير والجولان، انطلاقا من الطريق المؤدية إلى مدينة الفقيه بن صالح إلى غاية الباب الرئيسي للسوق، قبل أن يتدخل عدد من الأمنيين لتيسير حركة المرور بشكل نسبيّ. ونظرا لكثرة السيارات والشاحنات والحافلات والعربات بمختلف أنواعها، اضطر عدد من قاصدي السوق إلى ركن مركباتها في أماكن بعيدة، وقطع ما تبقى من المسافة على الأقدام، متحملين عناء المشي وسط البرك المائية والأوحال التي غطّت كامل المساحة المحيطة بالسوق الأسبوعي، وزادت من حدّتها حداثة الأتربة المستعملة في أشغال تهيئة المرفق التي لم تنته بعد. مع الاقتراب من الباب الرئيسي للسوق، اصطفت مجموعة من سيارات القوات المساعدة والأمن الوطني والوقاية المدنية تحسبا لكل ما من شأنه تعكير صفو افتتاح السوق الأسبوعي الجديد، فيما انتشرت عناصر أمنية بأزياء رسمية وأخرى مدنية بمختلف أرجاء المرفق، من أجل ضمان مرور أول نشاط تجاري في السوق الجديد في أجواء آمنة وهادئة. تجمعات بشرية هنا وهناك، ونقاشات هادئة وأخرى ساخنة بين الباعة الراغبين في مزاولة أنشطتهم التجارية بالسوق الجديد، فيما تحلق آخرون أمام مكتب مخصص لتدبير شؤون السوق، غير أن ردود فعل المحتشدين تؤكّد خيبة أملهم وعدم تحقق مطلبهم المتمثل أساسا في توزيع الأماكن بينهم، وتحديد عدد الأمتار المناسبة لكل صنف تجاري على حدة. أماكن مُشاعة بالرغم من تعذّر توزيع الأماكن بين الباعة والحرفيين، لجأ بعضهم إلى "شرع يده" لتحقيق مراده؛ إذ استعان البعض بفرشاة وقليل من الصباغة من أجل تدوين اسمه الكامل في المكان الذي يلائمه، فيما استعمل آخرون أكواما من الحجارة لتسطير حدود نفوذهم التجاري، دون انتظار ما ستؤول إليه المفاوضات بين أمناء الحرف والمصالح البلدية والسلطات المكلفة بتدبير المرفق. وفي الوقت الذي تعذّر فيه على البائعين عرض سلعهم ومزاولة أنشطتهم التجارية بسبب الأوحال والبرك وعدم توزيع الأماكن المُشاعة، لخّص عدد من مرتفقي السوق الأوضاع في عبارة "الرّوينة، وشي تيْتخَتّل لشي"، وهو الوصف الذي تردّد على لسان مجموعة من البائعين الذين قدموا من أماكن بعيدة ولم يتسن لهم بيع سلعهم أو مغادرة السوق، خشية أن يتم توزيع الأماكن بعد مغادرتهم. أمام حيرة الباعة وانتظارات الحرفيين، تفاجأ الطرف الثاني الرئيسي في القطاع التجاري، المتمثل في قاصدي السوق من أجل التبضع، بالوضع؛ فأعادوا أكياسهم وعرباتهم اليدوية المجرورة فارغة إلى منازلهم، بعدما تأكدوا من خلو السوق من الخضر والفواكه وباقي الحاجيات المعيشية، باستثناء حبات من البرتقال التي استطاعوا شراءها من بائع تحدى الأوحال والبرك المائية لعرض سلعته. أما "رحبة الجزارة"، التي تستأثر باهتمام أغلب قاصدي السوق، فقد كانت بدورها خاوية على عروشها، نظرا لارتباطها ب"رحبة الماشية" التي لم تكن في مستوى الحدث؛ إذ غابت قطعان الماشية وغابت معها اللحوم الحمراء، باستثناء جزارين استطاعا توفير بعض "الديك الرومي"، وتحريك عجلة تجارة اللحوم البيضاء داخل سوق لا صوت يعلو فيه عن صوت الاستنكار ومظاهر الترقّب. جِزارة منتظرة عادل لشهب، الكاتب العام لجمعية الجزارين للحوم الحمراء بخريبكة، قال إن "الجزارين كانوا من أوائل الملتحقين بالمكان الجديد للتجارة الأسبوعية، وغادروه بعدما تبيّن لهم أن أجواء انعقاد السوق غير متوفرة، خاصة حين نشبت خلافات كادت أن تتطور إلى اشتباكات عنيفة بين المهنيين في القطاع بسبب تأخر عملية توزيع الأماكن في ما بينهم، وصعوبة إجرائها يوم افتتاح السوق". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "عدد الجزارين وبائعي أحشاء المواشي تزايد مقارنة مع ما كان عليه الحال في السوق القديم، ما تسبب في زيادة الاحتقان بين المهنيين"، مشدّدا على أنه "تفاديا لتطور الأوضاع نحو الأسوأ، اتفق الجزارون على تأجيل عملية توزيع الأماكن إلى يوم الجمعة القادم، وتأجيل مزاولة نشاطهم التجاري إلى الأسبوع المقبل". وعن تجارة اللحوم بالسوق، في غياب مسلخ قريب، أوضح الأشهب أن "الجزارين مطالبون بشراء الماشية من المرفق الجديد، ونقلها إلى المسلخ الواقع وسط السوق القديم، من أجل ذبحها وسلخها وتقطيعها، ثم إعادتها إلى السوق الجديد لبيع اللحوم بالتقسيط"، مشيرا إلى أن "الجهات المسؤولة تؤكّد عزمها على توفير 4 شاحنات لنقل اللحوم، لكن الإجراء مجرد حل ترقيعي". وأورد عادل الأشهب، ضمن التصريح ذاته، أن "الرّوينة" والفوضى و"الرّوباجة" تهمّ مختلف "الرّحبات"، نظرا لصعوبة توزيع الأماكن في ظل تزايد غريب للباعة بين الأمس واليوم؛ إذ أصبح الجميع يطالب بحيز داخل السوق، وإن لم يكن اسمه ضمن لائحة الباعة والمهنيين والحرفيين المعروفين منذ سنوات طويلة. مباراة مؤجلة أما محمد عفيف، نائب رئيس المجلس البلدي لمدينة خريبكة، فقد أشار إلى أن "السوق الأسبوعي لم ينعقد من حيث ممارسة التجارة، لكن حضور الباعة بكثافة، والتحاقهم بالسوق منذ الصباح محملين بسلعهم، يؤكّد تكسير الهاجس النفسي والجدار الذي رافق نقل السوق من مكان إلى آخر"، واصفا انعقاد السوق ب"المباراة المؤجلة بسبب الظروف المناخية". وأكّد المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "أحوال الطقس والجو العام الذي تعيشه المنطقة في اليومين الماضيين حالا دون توفر واستيفاء الشروط الواجبة لممارسة التجارة؛ ما دفع إلى تأجيل انعقاد السوق إلى يوم الأحد المقبل حيث سيتمكن حينها المعنيون بالأمر من تحديد أماكنهم ومباشرة أنشطتهم التجارية الأسبوعية". وعن تجارة اللحوم الحمراء بالسوق الأسبوعي، أوضح محمد عفيف أن "عملية نقل اللحوم كانت تتم عبر 3 شاحنات، ونظرا لتغيير مكان السوق إلى آخر بعيد عن المسلخ القديم، فقد جرى الاتفاق على إضافة شاحنة لتأمين أخرى، غير أن مطلب الجزارين المرتبط بنقل الأنعام أيضا لا يمكن تحقيقه، وليس في متناول المجلس البلدي".