قد يعتقد البعض أن داء الكلب مرض قديم، كما قد يخال البعض الآخر أن السعار قد انقرض وتم القضاء عليه تماما بالمغرب، غير أن الواقع يقول غير ذلك، إذ لازال هذا الداء المعدي يفتك بحياة الكثيرين؛ فالأرقام المسجلة تتحدث عن حوالي 20 حالة وفاة سنويا، وتسجيل ما يزيد عن 300 إصابة بين الحيوانات بهذا الداء الذي يطال الحيوان والإنسان. ويهدد داء الكلب مختلف الشرائح العمرية، خاصة الأطفال دون 15 سنة، الذين يبقون أكثر عرضة للإصابة بهذا الداء، لأنهم أقل وعيا بالمخاطر من جهة، وبسبب قصر قاماتهم من جهة أخرى. ويعود تاريخ اكتشاف اللقاح المضاد للسعار من طرف الفيزيائي الفرنسي لويس باستور إلى عام 1880؛ فيما يرجع تاريخ تجربة هذا المصل عند الإنسان، وهو المصل نفسه الذي لازال يستعمل إلى حد الآن، إلى سنة 1884، وهي التجربة التي أعطت نتائج إيجابية. الكلاب مصدر الداء الحديث عن الكلاب ليس دائما ورديا، وباعثا على الاعتزاز والفخر، بل قد يكون سوداويا ومصدرا للخوف والرعب، فنفس الكلب الذي تغنى به الشعراء، ونعته آخرون بالوفاء، وأحسوا معه بالأمن على ممتلكاتهم وبالاطمئنان، قادر على أن يحول حياة البعض إلى جحيم ترتعد لتفاصيله الأبدان، إذ يقض مضجع الجميع إذا ما تبين أنه مصاب بالسعار (la rage). يصف الأخصائيون مرض السعار بالصامت والقاتل، بالنظر إلى طول فترة الحضانة، (المدة الفاصلة بين الإصابة وظهور الأعراض)، والتي قد تدوم عند الإنسان ما بين 20 و60 يوما. وقد تكون هذه الفترة قصيرة جدا ولا تتجاوز 7 أيام، كما أنها قد تطول لأكثر من سنة، ولكنها لا تتجاوز في غالبية الحالات أربعين يوما. وليست وحدها الكلاب مسؤولة عن نقل هذا الفيروس إلى البشر، فالقطط والقردة والثعالب وكذا الوطاويط والبقر تعتبر خزانات لهذا المرض الفتاك. يعرف سعيد العباري، وهو طبيب مختص في التخدير والإنعاش بمشفى سانية الرمل بمدينة تطوان، السعار بالمرض الفيروسي الذي ينتقل من الحيوان إلى البشر. وشدد الأخصائي نفسه على كون العض ليس ضروريا لانتقال الفيروس إلى جسم الضحية، فيكفي أحيانا أن يلعق الكلب المريض جزءا من جسم الإنسان، أو يلطخ جزءا آخر بلعابه، لكي تنتقل العدوى، لاسيما إذا كان الضحية أو المصاب يعاني من جروح سابقة. كما يمكن أن تنتقل العدوى بسبب احتكاك الأغشية المخاطية أو الجروح الجلدية بلعاب الحيوان، حسب الأخصائي ذاته، مضيفا: "بعد دخول فيروس داء الكلب إلى الجسم يقوم بمهاجمة النظام العصبي والدماغ، ويعمل بعد ذلك على الانتشار في الأنسجة، ولاسيما الغدد اللعابية. وعلى عكس بقية الالتهابات الأخرى، يمكن الوقاية من داء الكلب قبل المرور إلى فترة المرض؛ وذلك عبر التلقيح حتى بعض التعرض للاحتكاك مع العنصر المعدي، أي خلال فترة الحضانة". وأضاف الطبيب ذاته أن السعار عند البشر نوعان: هيجاني وشللي؛ النوع الأول يتميز بتغير مزاج المصاب وشعوره بالخوف من الماء وحساسية عند رؤية ضوء أشعة الشمس، وهي الأعراض التي اعتبرها خاصة بالسعار. أما السعار الشللي، يضيف العباري، فتتمثل أعراضه في تشنجات وشلل يطال الأطراف السفلى، ثم ينتقل إلى باقي أعضاء ومناطق الجسم بشكل تصاعدي، ما يؤدي إلى توقف تنفس الضحية عقب شلل يصيب الحجاب الحاجز. هذا بالإضافة إلى الأعراض المشتركة بين النوعين المذكورين، كالارتفاع الشديد في درجة الحرارة والتعرق الشديد وغيرهما. وأكد الدكتور العباري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الإصابة بداء الجهل تصير قاتلة وفتاكة بمجرد ظهور الأعراض الأولى"، وزاد مستدركا: "لكن يمكن تفادي وفاة الشخص المصاب في حالة العلاج السريع، مباشرة بعد التعرض للعض أو الخدوش"، وأضاف: "كلما كانت العضة أو الخدوش قريبة من الجهاز العصبي في الوجه أو العنق أو الأطراف العليا، (مناطق كثيرة الأعصاب ) كلما ظهرت أعراض المرض بسرعة". السعار باق ولكن.. لا يوجد، في الوقت الراهن، علاج يشفي من السعار، يقول الدكتور العباري، لكن توجد وسائل وقائية فعالة، تحول دون مرض الأشخاص الذين تعرضوا لعضة كلب مريض، أو تلطخوا بلعابه. وتتمثل هذه الوقاية في التلقيح وفي المصل المضاد للسعار. أما الوقاية الجذرية من هذا المرض فتتمثل في تلقيح الكلاب المنزلية والضالة ضد السعار، إلى جانب التصدي لظاهرة الكلاب الضالة، وهي المهمة الموكولة إلى المجالس الترابية. المغرب ليس في منأى عن الخطر، وواقعة وفاة الطفل التطواني بحر الأسبوع المنصرم أعادت المرض القديم إلى الواجهة، وأبانت عن فشل ذريع في التكفل بحالات الإصابة. وفي هذا السياق لفت العباري إلى كون 81 بالمائة من الحالات المصرح بها تم تسجيلها بالعالم القروي، مستحضرا تسجيل 25 حالة سعار حيواني، توفي 18 بينهم شهر نونبر من هذه السنة. وقصد تفادي الإصابة بداء الكلب بعد الحادث، يطالب العباري بضرورة تنظيف الجرح جيدا بالماء والصابون، ثم بالماء وحده، وغسل موضع الجرح بمحلول كحولي أو "جافيل"، مع الاتصال بأقرب مركز لحفظ الصحة من أجل الحصول على اللقاح المناسب. وطالب الدكتور المختص في التخدير والإنعاش بضرورة تمكين المواطنين من التربية الصحية، وتبسيط إيصال المعلومات المتعلقة بالمرض، والتلقيح الوقائي للحيوانات، من خلال تلقيح 70 في المائة على الأقل من الكلاب الضالة والمنزلية للقضاء على المرض بصفة نهائية في أفق 2030.