تعتبر الأراضي التي تقع خلف الجدار الدفاعي المغربي في اتجاه الحدود المغربية الموريتانية منطقة عازلة في نظر الأممالمتحدة، ويحكمها اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، وكذا الاتفاق العسكري رقم 1، وبمقتضاه يمنع التحرك وإقامة منشآت وإطلاق نيران حسب اختلاف في المسافات؛ من 15 و25 كيلومترا، وبعد إشعار، أو أخذ إذن من الأممالمتحدة، تحت طائلة تسجيل مخالفة إطلاق النار. المنطقة العازلة أراضٍ مغربية هذه المناطق يعتبرها المغرب أرضا تابعة له، "الصحراء في مغربها، والمغرب في صحرائه"، "ستبقى الصحراء مغربية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"، "المغرب من طنجة إلى لكويرة". ويؤمن المغاربة بوحدتهم الترابية من طنجة إلى لكويرة، بل إن الأخيرة تتبع إداريا لولاية وعمالة الداخلة ووادي الذهب لكويرة. وهي جماعة ترابية في التقسيم والتقطيع الإداري المغربي. هذا الإيمان الراسخ والاعتقاد الجازم هو الذي شجع المغرب على دخول المنطقة، وبالضبط الكركارات، من أجل محاربة تنامي عمليات التهريب والجريمة المنظمة، وتطهيرها من مخلفات ذلك، وبسط الرقابة عليها، وبدء عمليات تعبيد الطريق لتسهيل عمليات السير والجولان في اتجاه موريتانيا. كما لا يتردد المغرب في توجيه تنبيه وإعذار إلى الأممالمتحدة لتولي مسؤوليتها الوقتية والعرضية، مادامت المنطقة خاضعة لمسؤوليتها، ويتهمها أحيانا في تقاعسها عن إتيان هذا الالتزام. المنطقة العازلة أراضٍ "محررة" في مقابل هذه الحقيقة، يوجد زعم وادعاء نقيض؛ فالبوليساريو يعتبر كل المناطق التي تقع خلف الجدار الدفاعي المغربي في الجهة الشرقية والغربية الجنوبيتين، حتى حدود موريتانيا في الجنوب الغربي وحتى الجنوب الشرقي، أراضٍ "محررة". وقد أقامت البوليساريو داخلها مناطق ونواح عسكرية، الناحية الأولى مركزها زوك في أقصى الجنوب، والثانية تفاريتي وأقام فيها قاعدة عسكرية، والثالثة في ميجيك، والرابعة في مهيريز، والخامسة في بير لحلو، ويرقد في المنطقة جثمان قائدها ورئيسها الراحل محمد ولد عبد العزيز، والسادسة داخل الأراضي الجزائرية في الرابوني، بينما السابعة فهي في اغوينيت حيث دأبت البوليساريو على إجراء مناورات عسكرية كبيرة فيها وفِي ميجيك لمرات متكررة منذ 2014. وقد استغلت البوليساريو في وقت سابق "تهاون"، أو "ضعف"، أو "عدم اكتراث" المغرب، أو ربما "تواطؤ" الأممالمتحدة معها، ففرضت، من حيث كان يستهين المغرب بعدم مبادرته بفعل مادي لصدها ومواجهتها ميدانيا، أمرا واقعا عليه بتطبيع عمليات تحركها، وبناء منشآت، وإجراء مناورات عسكرية في جزء من الأراضي خلف حزامه الدفاعي، وبالضبط في كل من بئر لحلو وتيفاريتي وامهيريز وميجيك واغوينيت. وتحاول البوليساريو تأكيد تواجدها في أكركار، أي الكركارات، وهذه النوايا العسكرية والقتالية مرتبطة بمخطط لإعمار هذه المناطق ماديا، وهو المخطط الذي اتخذه "المجلس الوطني الصحراوي"، أي برلمان البوليساريو، سنة 2014، وأشارت إليه وثائق الأممالمتحدة، وخاصة تقرير الأمين العام لسنة 2014، الذي ورد فيه رصد وملاحظة تحركات مدنية مكثفة للبوليساريو في المنطقة. أزمة الكركارات فرصة لوضع النقاط على الحروف غير أن ظهور عناصر البوليساريو في منطقة أكركار"، التي تطلق عليها بالعربية الكركارات، جعل المغرب يطالب الأممالمتحدة بإصدار قرار بإدانة البوليساريو، واتخاذ قرار يلزمها بالإفراغ الفوري للمنطقة، وإرجاع الحالة إلى ما كانت قبل حدوث الأزمة. وتم ذلك غداة قبول المغرب من جانب واحد، وعلى إثره، بإعادة انتشار قواته خارج المنطقة العازلة، وبالضبط خلف حزامه الدفاعي والأمني، تلبية لطلب الأمين العام الجديد أنطونيو جوتيريس، ورغبة من المغرب في إظهار تعاون معه وهو في بداية مهمته آنذاك، التي لم يمر عليها بتاريخ أبريل الماضي سوى أشهر معدودة. وذلك حمل البوليساريو على الانسحاب على مضض لتفادي إدانة مجلس الأمن الأكيدة، واتقاء الأمر الأممي الصريح المشمول بالتنفيذ المعجل بالإفراغ الفوري، لأن مسودة القرار الحالي 2351 كانت تتضمن ذلك. وقد لجأت البوليساريو أثناء فترة تأجيل التصويت على القرار بطلب وإلحاح وتدخل جزائري لدى الدول المالكة لحق النقض إلى حيلة الالتفاف على قرار مجلس الأمن، عن طريق إثباتها الظاهري الخروج من النقط الثابتة للمراقبة التي أقامتها بالجزء الآخر غير المعبد للطريق في اتجاه موريتانيا، ومعاينة قوات المينورسو لذلك الإفراغ لتفادي قرار مجلس الأمن. المغرب يعلق استئناف المفاوضات بشرط طرد البوليساريو من المنطقة ورغم اتقاء البوليساريو لتداعيات قرار مجلس الأمن 2251 بتمويه الانسحاب وتضليل الأممالمتحدة عن طريق لجوئها فقط الى إعادة الانتشار في المنطقة، والخروج بمحاذاة الطريق التي تخترق المنطقة في اتجاه الحدود الموريتانية المغربية، فإن المغرب علق استئناف المفاوضات على شرط تنفيذ عناصر البوليساريو لأمر الانسحاب الكلي من المنطقة. ولا تملك الأممالمتحدة من خيار لفك هذه المعادلة المعقدة، بين الشرط المغربي برفض استئناف المفاوضات، سوى بتحقق شرطين: إفراغ المنطقة من كل عناصر البوليساريو من جهة، وتحديد الغاية والهدف من المفاوضات، لأن الأخيرة ليست غاية في حد ذاتها بل من أجل هدف معين يجب تحديده منذ البداية، ينظر إليه المغرب من زاوية بقاء سيادته على الإقليم. التحديات الجديدة للبوليساريو أمام خيارين تداعيات قبول البوليساريو بطرد عناصرها من المنطقة وخيمة عليها ومكلفة جدا على المستوى الداخلي بعد تجييشها لساكنة المخيمات بتحرير الكركارات، والتقاط صور لقيادتها وعناصرها العسكرية على الشواطئ الأطلسية. وسيعزز انصياع البوليساريو وإجبارها على الإفراغ والخروج الكلي من منطقة الكركارات من فرضية ارتفاع شدة الضغط والغضب داخليا على قيادتها، ومن الغليان وسط عناصرها المسلحة. ولسوء حظ البوليساريو، فإن ذلك تزامن مع ظهور مبادرة جديدة تطلق على نفسها "المبادرة الصحراوية من أجل التغيير" تهدف إلى فتح نقاش وحوار داخلي، وتحاربها البوليساريو بلا هوادة بادعاءات غير أخلاقية وبتهم الفساد والعمالة للمغرب، بل إنها بدأت بتوقيع العقوبات على بعض أعضاء المبادرة، بعزل أحد روادها من وظيفته. بالإضافة إلى كل هذه العوامل والضغوط، هناك عوامل أخرى يحملها نجاح المغرب في سياسته الأفريقية الجديدة؛ بحيث تمكن من تحويل تأخره قاريا إلى تقدم مبهر، وفك عنه ضغطا شديدا كاد يخنقه، وحل عنه عزلة كادت تطوقه، وفتح عوالم سياسية كانت مجهولة لديه، وتواصل مع دول كانت لا تسمع له، وبسط وجهات نظره في فضاءات كانت موصدة في وجهه، وانتزع مواقف كانت لصالح خصومه في الجزائر والبوليساريو، واستطاع تحييد بعضها. على سبيل الختم لقد أدرك سكان المخيمات قمع واستبداد قادة البوليساريو ويئسوا وأحبطوا من طول وقت الانتظار، وأدرك جميع الأفارقة، أو على الأقل التفتوا إلى أن البوليساريو محل تساؤل، وإعادة نظر، قبل اتخاذ موقف أو قرار لصالحها وضد المغرب، كما أن المغرب يتجه بصرامة إلى التصدي لها ومواجهتها، وكل ذلك شكل وقودا لضغط شديد داخلي وخارجي على البوليساريو. فهل تهرب الجبهة إلى الأمام وتستبق هذا الضغط والتغلب عليه باختيار صعب، وهو اختيار الحرب؟ *محام خبير في القانون الدولي الهجرة ونزاع الصحراء