لم يطل مقام فاطمة الولجاوي بقرية منجيل بضواحي بولمان، التي انتقلت إليها من الرشيدية بعد اقترانها بابن عمتها، حتى أخبرها زوجها بأن عليهما الرحيل إلى مدينة فاس والاستقرار هناك من أجل بناء مستقبل أفضل لأسرتهما بعيدا عن شقاء البادية التي تفتقر لأبسط ضروريات الحياة، راسما لها أحلاما كلها تفاؤل بمستقبل زاهر. تفاصيل هذه الهجرة القروية من ضاحية بولمان نحو مدينة فاس تعود إلى ما قبل 30 سنة حين وجدت فاطمة الولجاوي نفسها تبدأ حياة جديدة بأحد الأحياء القصديرية بمنطقة بنسودة بضواحي مدينة فاس، فأصبح زوجها يخرج صباحا للعمل بالمدينة قبل أن يعود إلى "براكته" مع مغرب كل يوم عوض القيام بالأعمال الفلاحية، كما عهدت ذلك بقرية منجيل. ورغم أن فاطمة وجدت نفسها تعيش في "براكة" من القصدير، فإن انتقالها للعيش بالمدينة أثلج صدرها، فهي على الأقل لم تعد مضطرة إلى قطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى الطريق المعبدة، والبحث الدائم عن الحطب، وجلب الماء من عين نائية، فمع المقام بالمدينة سيتمكن أبناؤها من ولوج المدرسة والوصول إلى المستشفى إذا ما حلت بهم وعكة صحية، هكذا كانت تمني فاطمة نفسها بغد أفضل. أحلام مجهضة وما هي إلا أيام قليلة على مقامها بمدينة فاس حتى رزقت عائلة الولجاوي بمولودها الأول، وكان أنثى، اختارت لها من الأسماء اسم نورا، التي ما إن أطلقت صرختها الأولى حتى أخبرت المولدة الأم بأن رضيعتها ليست سوية، حسبما يظهر من بنية جسدها، قبل أن يتأكد الجميع بأن نورا تعاني إعاقة جسدية شاملة. "نورا عمرها 34 سنة، تعاني إعاقة جسدية وذهنية، هي لا تتكلم ولا تقدر على الوقوف أو المشي، كما أنها لا تستطيع إطعام نفسها، هي مقعدة كليا، وفي حاجة دائمة إلى المساعدة"، هكذا لخصت فاطمة الولجاوي لهسبريس حالة ابنتها البكر. وواصلت الأم حكاية قصتها المؤلمة للجريدة، قائلة إنها رزقت بعد نورا بثلاثة أبناء آخرين، يعانون إعاقات متفاوتة، حيث أكد لها الأطباء أن حالتهم وراثية وناجمة عن زواج الأقارب، مشيرة إلى أن لها خمسة أبناء، واحد منهم فقط نجا من الإعاقة، هو الابن الأوسط. "هذه رقية، عمرها 31 سنة، تعاني بدورها من الإعاقة الجسدية الشاملة، إضافة إلى الإعاقة الذهنية. وهذه مريم، عمرها 17 سنة، وإن كانت لا تعاني إعاقة جسدية مشابهة لأختيها، فهي بدورها مصابة بإعاقة ذهنية. أما زكرياء، وعمره 16 سنة، فمصاب بإعاقة ذهنية"، توضح فاطمة، التي أكدت للجريدة أنه بالإضافة إلى إصابة أبنائها بإعاقة جسدية وذهنية، فهم يعانون جميعهم إعاقة على مستوى النطق. الفقر يعمق المأساة "كنا نقيم ب"براكة" قبل استفادتنا من هذا السكن هنا بحي الوحدة ببنسودة"، تقول الأم فاطمة، التي ذكرت لهسبريس أنها هي من تعتني بأبنائها الأربعة المرضى، مبرزة أن ذلك جعلها تصاب بين الفينة والأخرى بالانهيار العصبي، وقالت: "لقد انقهرت، هم في حاجة دائمة إلى الحفاظات، وإلى من يساعدهم في الأكل والنظافة، ما عساني أفعل؟ نحن أسرة فقيرة، نعاني معهم كثيرا، هذا قضاء الله وقدره". "حين أريد الخروج من المنزل أضطر إلى وضعهم في هذه الغرفة، التي أخليتها من جميع الأغراض، لأنهم ينبشون كل ما يجدونه في متناولهم، هم لا ينامون ليلا ولا يعرفون أي شيء، فأضطر إلى قضاء الليل في مراقبتهم"، تقول فاطمة، مشيرة إلى أن أبناءها، كما عاينت ذلك هسبريس، لا يهدؤون ويتحركون في كل اتجاه، عابثين بكل ما تصله أيديهم. ورغم معاناتها الصحية، لم تعرض هذه الأم المكلومة نفسها على طبيب، معبرة عن ذلك بالقول: "لقد أهملت نفسي، كل وقتي وجهدي أخصصه لأبنائي، لا يسأل فينا أحد، رغم أننا عرضنا حالة أسرتنا على مختلف الجهات، فقط بعض المحسنين يقدمون لنا المساعدات، خاصة خلال شهر رمضان. إذا لم يعمل زوجي، الذي يشتغل خضارا بالسويقة، يوما واحدا لن نجد ما نأكله". للتواصل مع الأم فاطمة الولجاوي، يرجى الاتصال بها عبر رقم هاتفها الخاص: 0678460243