حاورت "الشروق الجزائرية" ميمون مصدّق، باعتباره دبلوماسيا ورجل مخابرات مغربي سابق، موردة ضمن مادّتها بأن ترميزه السري هو " MD17347" ومؤكدة بأنه "فضّل الصّمت لأكثر من 15 عاما قبل أن يقرر البو بأسراره الكثيرة ومهمّاته الخطيرة".. هذا قبل أن تعزو "الشروق" قرار مصدّق إلى ""ظروفه السيئة التي آل إليها وهو في سنّ 64 عاما.. بعد أن صار مشرّدا وناجيا بروحه بغرفة صغيرة في فندق بضواحي باريس، ومعه عائلته المكوّنة من زوجته وبناته الثلاث، أصغرهن في سنّ 13 عاما". وعرّفت أولى الجرائد الجزائرية مصدّق، أيضا، باعتباره ذا "علاقة مباشرة بالمعارض المغربي هشام المنداري في إطار مهمّة اختراق رسميّة" وأنه "لم تسمع شهادته بعد من طرف القضاء في جريمة اغتيال منير المنداري عام 2004 بمالقة الإسبانية".. في حين ارتأى "ضيف الشروق" الكشف عن نفسه، وفق المنسوب إليه ضمن الحوار المفترض، باعتباره من مواليد وجدة.. قبل أن يردف: "درست في سيدي زيان حتى بلغت مستوى البكالوريا عام 1965، ثم التحقت بالإدارة المغربية بالدار البيضاء، لأمكث فيها عشر سنوات.. أجريت امتحانا عام 1976 لألتحق من خلاله بوزارة الخارجية في مارس 1976 حيث شغلت منصب أمين السرّ في الشؤون القانونية والمعاهدات، وبعدها تنقلت إلى قسم التشريفات إلى أن وصلت لديوان وزير الخارجية محمد بوستّة، الذي كان رئيس حزب الإستقلال.. بعدها التحقت بالسفارة المغربية في روما سنة 1980 كأمين سرّ ممتاز مكلف بالشؤون القنصلية.. وعدت إلى الخارجية بالرباط للعمل في الشؤون السياسية قسم أوروبا وأمريكا، وفي عام 1985 التحقت بالقنصلية العامّة بفرنسا مكلفا بالعلاقات مع أمن ولاية باريس.. ثم بقيت في مهامي إلى غاية دجنبر 1994 حيث طلب منّي دخول المغرب..". وذكر ميمون مصدّق لذات المصدر بأنه نفذ عام 1981 اختراقا لأحد تجمعات البوليساريو والحزب الشيوعي الإيطالي بفندق ليوناردو فانشي بروما.. ذاكرا بأنه قدّم نفسه للانفصاليين باسم "معارض مغربي حقيقي يدعى محمّد ميري".. ما أعفاه من تدقيق الجبهة في هويته ومكّنه من نقل تفاصيل الموعد للسفارة المغربية ويتلقى دعوة للعشاء من محمد عبد العزيز قبل أن ينسحب بأوامر منقولة عن الجنرال الدليمي الذي كان متابعا للموضوع من الرباط. وقالت المادة المنسوبة لمصدّق بأنه أقدم عام 1989، بمبادرة شخصية من باب الوطنية، على مشاركة الشرطة الفرنسية استنطاقات طالت موقوفين شمال إفريقيين من ذوي "نشاطات مشبوهة ببعض مساجد فرنسا" ذاكرا بأن منهم "متطرفون من ذوي النشاطات السياسية المناوئة للمغرب".. وأردف: "أصررت على الاهتمام بالموضوع لما لمست فيه من خطورة على أمن المغرب.. وكان في تلك الفترة عمداء في الأمن المغربي بباريس يؤدون مرحلة تكوين، إلتقيتهم ببيتي في وجبة عشاء وبلّغتهم بما يحدث وقد غضبوا كثيرا من السفير جعيدي (الذي لم يبد حماسة للأمر).. وعند عودة العمداء إلى المغرب رافقتهم إلى المطار ،وأثناءها كان أحدهم، وهو صديق حميم لي وعدني بأن ينقل كل المعلومات إلى مدير المحافظة على التراب الوطني (DST) التابعة لإدريس البصري.. بعد ثلاثة أيام اتصل بي مدير (DST) عبد العزيز علاّبوش وبلّغني بسروره وامتنانه للمعلومات القيّمة التي وفرتها وطلب منّي السفر الفوري للرباط.. نفّذت فوريا ما أمرت به وجرى اللقاء ببيت علابوش وكان حميميا للغاية.. وكان ذلك في يناير 1992.. حكيت له بعض المسائل التي تروّج في باريس وتعجّب كثيرا من تهاون المخابرات الخارجية وقال لي حرفيا: سنعمل معا، اليد في اليد، فأنت من الآن ليس لك لا رئيس ولا مرؤوس، بل تعمل معي مباشرة، ولكن حذار من عناصر الأمن الخارجي، فقد كان يعلم أنهم لا يقبلون أن يلعب في أرضيتهم ولو لصالح الأمن والوطن". وحاول حوار "الشروق" مع مصدق التركيز على "براءة الجزائر من تفجيرات فندق أطلس آسني بمراكش"، خصوصا مع نشر حديث ميمون مصدّق عن المعلومات التي استقاها بخصوص أنشطة "إرهابيين" حيث أورد: ".. (نقلت) معلومات عن مغاربة يخطّطون لإدخال شحنات سلاح للمغرب، وأيضا معلومات عن خمسة مغاربة بدورهم يخططون لعمليات إرهابية بالمغرب، وكانوا يجتمعون بمقهى مهاجر قبائلي جزائري بباريس وهو من المعارضين للنظام الجزائري.. عدت إلى باريس، وفي تلك الفترة أرسلت له (علاّبوش) تقارير عمّا ذكرته له وحتى أسماء الأشخاص وبلغته لوائح مختلفة عن هؤلاء غير المرغوب فيهم، وكان ذلك في شهر فبراير 1993". واتهم مصدّق وزير الدّاخلية الراحل بالتغاضي عن التهديدات الإرهابية التي تطال البلاد وعدم تبليغها للملك الراحل الحسن الثاني بغرض "الرفع من أسهمه ضدّا على مصلحة الوطن"، فقال ضمن ما نسب إليه: " المغاربة الذين أرسلت لوائح عنهم يقيمون بحي 4000 في أوبيرفيلي بضواحي باريس، وهو الحيّ نفسه الذي كان يقيم به بعض المتورطين في تفجيرات مراكش.. استغربت.. بعد التفجيرات.. مما جاء على لسان أحدهم بالصحافة المغربية يقدم نفسه على أنه عميل جزائري ويزعم أنه كان يشرف على عملية آسني.. فالتفاصيل تحتاج لكتاب، ومجمل القصة الحقيقية أن عملية آسني بمراكش تمّ التخطيط لها بضواحي باريس والمصالح الأمنية الفرنسية قامت بتحقيق مدقق بعد المأساة ولديها معرفة كاملة بتفاصيل التفجيرات من بدايتها حتى حدوثها انطلاقا من العاصمة الفرنسية.. ونتائج التحريات الفرنسية تبين أن الجزائر ليست لها علاقة من قريب أو من بعيد مع تفجيرات آسني بمراكش، والعملية كما قلت خطط لها إسلاميون مغاربة إنطلاقا من باريس.. فقد تحصلت (DST) في شهر يناير 1993 على معلومات تفيد بوجود تحرّكات جدّ خطيرة تستهدف المغرب من طرف إسلاميين وأفغان مغاربة، نقلتُ ذلك إلى عبدالعزيز علابوش والذي بدوره نقلها إلى إدريس البصري، ومن المفروض أن هذا الأخير ينقلها مباشرة إلى الملك الحسن الثاني كما هو معمول به دائما.. وأخبرني علابوش أنه سيرسل فرقة تقنية لإجراء تحقيقات ومتابعات أمنية للقضية.. أمر مهم يجب الإشارة إليه أن إدريس البصري في تلك الفترة كان يعيش في ظروف سياسية سيئة، حيث تشنّ عليه حملات واسعة من قبل الأحزاب والشخصيات السياسية، ولا أستبعد أنه بالرغم من المعلومات القيمة التي توفرت لدى مخابراته إلا أنه لم يتخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف المخططين الجناة الذين توفرت أسماؤهم مسبقا. فأراد البصري أن تقع العملية الإرهابية ثم يلقي القبض على المنفّذين حتى يعيد البريق لنفسه ويقنع خصومه بأن المغرب من غير البصري سيكون في كوارث كبيرة متوالية.. لو نفرض أنه تمّ القبض على المخطّطين قبل تنفيذ العملية، فلن يكون له صدى كبير مثل حدوث الجريمة وسقوط ضحايا أجانب من فرنسا وإسبانيا وأوروبا. لقد أثارت التفجيرات ضجّة عارمة، وسرعة القبض على الجناة كان له إثارة للغاية لن يستفيد منها غير إدريس البصري الذي كان يشرف على عملية القبض التي جرت". كما أثار محاور "الشروق" ما اعتبره "فسادا ضمن "الأجهزة المغربية".. مثيرا تتبعه لعملية كانت تروم تهريب أسلحة صوب المغرب بعد أن كان قد تمّ استقدامها لفرنسا في أبريل 1993 من بلجيكا، ويتعلق الأمر بمسدسات ورشاشات ومتفجرات كان يراد تمريرها بواسطة شاحنة.. حيث قال مصدّق: " لقد كانت لي علاقة مباشرة مع السائق الذي جرى اختياره من قبل العصابة لنقل الشاحنة نحو المغرب، وكان يأتيني بكل الأخبار التي أنقلها كل ليلة إلى عبدالعزيز علابوش، والذي بدوره يبلغها فوريا لإدريس البصري ولا ندري هل بدوره بلغها للملك الحسن الثاني أم لا.. إقترحت على علاّبوش أن أرافق السائق إلى الرباط.. بغرض تدريبه لمدة قصيرة من طرف فرقة تقنية خاصة بالجوسسة ثم نعود بعدها لمواصلة المهمة. وعدني علابوش أنه سيقوم باستشارة البصري ثم يخبرني لاحقا بما سيتقرر.. في انتظار ذلك طلبت من (السائق) أن يأخذني إلى محل الكاتب العمومي (المسؤول عن العملية) حتى أراه وآخذ صورة ولو من بعيد، ولكن تفاجأنا معا بأنه رحل ليلا من مكتبه الذي قضى فيه عشرين عاما. حتى حارسة العمارة استغربت من الرحيل المفاجئ الذي لم يسبق ما يشير لذلك.. ويبدو أن جهة ما أعلمته بالتحرّكات الاستخباراتية حول ما يخطّط له، وأنا على يقين وثقة تامة أن السائق (...) لم يخبره بشيء .. حيث أخبرتنا حارسة العمارة أنه أحضر شاحنة، وكان وجهه شاحبا ويبدو عليه الخوف، ونقل أغراضه بسرعة رهيبة.. أما ردّ البصري، عن طريق علابوش، هو رفض ما اقترحته بخصوص السفر إلى الرباط وتدريب السائق، وأعلموني أن القضية انتهت.. أنا أشكّ في بعض العناصر المرتشية، وهم يوجدون في المصالح الأمنية المغربية، تنافس البصري.. والذين كان هدفهم هو تحطيم ما يقوم به ولو على حساب أمن المغاربة.. ففي غضون 24 ساعة من إرسال البرقية إلى علابوش جرى كل ذلك، وبلا أدنى شكّ أن تلك العناصر هي التي قامت بتسريب المعلومة للمعني.. بالتأكيد أنه تمّ تغيير الخطّة وأدخلت لاحقا (الأسلحة) إلى المغرب، أو ربما للجزائر التي كانت تشتعل بالإرهاب، وخاصة أنه يوجد من الإسلاميين الجزائريين من ينتمون لتلك الشبكة.. الأسرار كلها كانت بحوزة إدريس البصري، ولكن حقيقة يوجد عدم تنسيق بين المصالح والأجهزة المغربية بالداخل والخارج لأن هناك حربا وصراعا بين أجنحة تتناحر من أجل النفوذ والثروات، وهذا الذي جعلنا نرى مسؤولين في الأجهزة صاروا أغنياء ويملكون قصورا فاخرة وأرصدة ضخمة بفرنسا وسويسرا وأمريكا وكل ذلك على حساب الشعب المغربي".