الفساد في الجزائر حقيقة لا ينكرها أحد ولا يختلف فيها إثنان، وقد تجذر في دواليب السلطة إلى حد التعفن، وصار النظام متهما لا ترجى براءته وتحت طائلة قوائم مثيرة منذ الإستقلال، فالفضائح لا يمكن حصرها في مقال أو حتى مجلدات، فتهريب الأموال إلى الخارج تورط فيه مسؤولون وبإعتراف من طرف هيئات دولية وحتى شخصيات مهمة في أعلى هرم الدولة، فقد فجر رئيس الحكومة الأسبق لخضر إبراهيمي فضيحة 26 مليار راحت عمولات ورشاوي، ونجد فضائح الإغتيالات السياسية المشبوهة، كإغتيال الوزير محمد الصديق بن يحيى وطاقم مهم من الخارجية الجزائرية... إغتيال الرئيس محمد بوضياف من متهم مفترض خرج والده أخيرا من صمته وبرأه من دون أن يبوح بما إعترف له به نجله، الذي يرتاد على زيارته في سجن البليدة العسكري، وظهر الرجل غارقا في الفقر المدقع ويخاف ربما حتى من ظله، وإغتيال كريم بلقاسم في ميونيخ، وإغتيال رئيس الحكومة السابق وجهاز المخابرات قاصدي مرباح، وإغتيال زعيم نقابة العمال الجزائرية وأحد أقطاب الإنقلاب على إنتخابات 1991 عبد الحق بن حمودة، وإغتيال زعيم جبهة الإنقاذ عبدالقادر حشاني، وإغتيال الوزير الأسبق محمد حردي الجنرال حبيب خليل والجنرال فضيل سعيدي وضباط كانوا ممن عول عليهم الرئيس بوضياف في حربه على الفساد المتجذر في دواليب الدولة كالرائد مراد والنقيب عبدالحق، وحتى الإغتيالات التي طالت شيوخ إسلاميين في السجون والجبال كما حدث ليخلف شراطي بسجن سركاجي ومحمد السعيد وعبدالرزاق رجام والسعيد مخلوفي وزرفاوي بوبكر في أدغال ومغارات جبلية، وكذلك المطربين كالقبائلي معطوب الوناس والشاب حسني وحتى الصحفيين كالطاهر جاووت وغيره... قائمة الإغتيالات طويلة من شخصيات وحتى مواطنين بسطاء حملتهم أقدارهم يوما بأن كانوا شهود على حدث ما، إلى جانب الإغتيالات المشبوهة هناك فضائح أخرى تتعلق بالإرهاب من مجازر في حق المدنيين كمجزرة بن طلحة والرايس وغليزان وبني مسوس... الخ، وهناك فضائح البنوك كالتي سميت بفضيحة القرن من طرف رئيس الحكومة الأسبق أحمد أيحيى، وتتمثل في فضيحة الخليفة، وفضيحة البنك الصناعي التجاري والبنك الوطني الجزائري وفضيحة بنك البركة ببئر خادم... بغض النظر عن القضايا التي نقرأها يوميا من إختلاسات وثغرات مالية، وفضائح سياسية كالتزوير في التشريعيات التي قادها أحمد أويحيى زعيم الأرندي بصفته رئيسا للحكومة عام 1998، والإنقلابات على الأحزاب كما حدث لحركة الإصلاح وزعيمها عبدالله جاب الله، والإنقلاب على بن فليس وجناحه في الحزب الحاكم الجزائري، والإنقلابات على الرؤساء كبن بلة والشاذلي بن جديد وعلي كافي واليمين زروال، فضائح أخرى تتعلق بحقوق الإنسان كالتعذيب والقتل خارج أطر القانون والمحتشدات في الصحراء الجزائرية، وفضائح المسؤولين كفضيحة آدمي وزير العدل الأسبق، وفضيحة بن محمد وزير التربية من خلال تسريب أسئلة البكالوريا، وفضيحة محمد بتشين، وفضائح الجنرال خالد نزار وأبنائه، وفضائح الجنرال العماري وشركاؤه بدأ من زعيم المجاهدين سعيد عبادو، وفضيحة مستشار الرئيس بوتفليقة، وفضيحة الوزير وزعيم حركة حمس الجزائرية المتعلقة بالمخدرات، وفضائح الولاة من والي وهران إلى والي الطارف، وفضيحة المجاهدين المزيفين، وفضائح عصابات الحاج فرقاني وزيدان المخفي... أيضا فضائح الأموال التي تذهب هباء كما حدث في قضية سد العبادلة وإتصالات الجزائر وغيرها، وكذلك فضائح عسكرية كالتي يرويها الضباط الفارون من الجيش والغسيل المنشور عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفضائح الإستيراد والتصدير من بواخر محملة بالمواد المغشوشة إلى فضيحة البازو الإيطالية (أنبوب الغاز العابر للمتوسط عن طريق تونس)، وإمبراطوريات ألقت بظلالها على المشهد الجزائري من حاج بتو إلى زنجبيل، ثم فضائح ممتلكات الدولة من شقق وفيلات فاخرة تنازلت بها السلطة بمبالغ رمزية إلى نافذين في الدولة، كما حدث في إقامة الدولة نادي الصنوبر وموريتي، فأحمد أويحيى أخذ لزوجته مركزا فاخرا بقلب العاصمة أصبحت بيتزيريا لها، وفيلا بحيدرة كانت مقرا لسفارة الأردن، ومحمد بتشين أهدى عشيقته المطربة فلة عبابسة فيلا بتيليملي كانت قد إكترتها الهند كمقر لسفارتها، وصارت الآن تدر بالملايير في جيب المطربة، التي أنهت علاقتها به فور مغادرته الرئاسة كمستشار للرئيس الأسبق اليمين زروال، ونجد أيضا فضائح جنرالات الجيش الفرنسي وما أقترفوه في حق الشعب الجزائري بدأ بخالد نزار والجنرال تواتي والجنرال العربي بلخير... إلخ، وبين هذا وذاك فضائح لا تعد عن المجالس المنتخبة ورؤساء البلديات وخاصة المندوبيات التنفيذية التي خلفت المنتخبين الشرعيين التابعين للحزب المحظور... إن أردنا أن نحتوي هذا فلا يمكن أبدا، لأن الفساد أكبر بكثير ويحتاج إلى الصفحات التي لا نهاية لها أبدا. قضية لا عدالة له عندما إنطلقت محاكمة المتهمين في قضية الخليفة، قلت في قرارة نفسي لعل "العدالة" الجزائرية ستكون هنا بخير، وتثبت عكس ما يروج له من أنها مستقلة وفوق كل الشبهات، تفاجأ المتتبعون لمجريات المحاكمة وفصولها المختلفة، التي تفننت وسائل الإعلام الجزائرية بنقل تفاصيلها حتى اللحظات التي يعطس فيها القاضي أو المتهم، وهو أمر غير بريء، فقد مرت الكثير من المحاكمات من غير أن يفعل بها الأمر نفسه، كما وقح في محاكمة شيوخ الجبهة المحظورة ومحاكمة الملازم بومعرافي مبارك ومحاكمة المتورطين في مجزرة سركاجي... إلخ، ويكفي الحادثة الأخيرة المتمثلة في محاكمة الصحفي سحنون محمد المتهم بالتجسس لصالح إسرائيل، وكأن الجزائر بالفعل تحتاج إلى كل هذا التجنيد وأبناء المسؤولين والجنرالات تغدق عليهم عاهرات يهوديات بالسهرات الفاجرة الماجنة في أرقى الكازينوهات من لندن إلى باريس وحتى في تل أبيب، كما يحدث مع أبناء العربي بلخير الرجل القوي في النظام وخالد نزار والجنرال تواتي وحتى بنت الوزير بن بوزيد المتزوج من روسية وشقيقة جنرال له منصب هام في قوات الدفاع الجوي الروسي، مما يوحي أنه عمدة الوزراء لأكثر من 14 عاما ليس بالغريب، وكذلك إبن شكيب خليل والوزير زرهوني، وبنت عمار صخري وزير التربية السابق في لندن، وبنت الهاشمي جيار وزير الإعلام الجزائري ويكفي ما رواه الصحفي محمد تامالت عن إبنته كهينة جيار التي راحت تمجد الإستعمار الفرنسي في عاصمة الضباب لندن... الخ، نعود لموضوع الخليفة حيث أنه لما صدرت الأحكام تأكد العامة وحتى الخاصة أن الأسماك ذهبت قرابينا للحيتان التي حضرت شاهدة وهي في الأصل عصب الإتهام، كما حدث مع الوزير تبون والوزير سلطاني وزعيم نقابة العمال سيدي السعيد والوزير عبد المالك سلال والوزير ولد عباس والوزير السابق لبيب وغيرهم، فالكل يعرف أنه صعود نجم عبد المومن خليفة وأفوله ليس بمتناول من ليس له يد نافذة في أجهزة الدولة، فشاب في العقد الرابع من عمره يستطيع "النصب والإحتيال" على دولة بمؤسساتها ومخابراتها يوحي إما أن الشاب ذكي يحتاج إلى أن يكرم على ذكاءه بجائزة نوبل جديدة للذكاء أو أن الدولة غبية يفرض محاسبة كل نظامها من أصغر موظف حتى رئيس الجمهورية وشقيقه الرئيس الموازي السعيد بوتفليقة... لقد صار الفساد توأما للنظام الحاكم، فكلما ذكر إسم جنرال أو وزير أو والي أو نائب برلماني كلما أيقن الجميع بأن الفساد هو دينهم، وانه لا يرجى الخير منهم أبدا... فحيح الأفاعي.. في ظل الحملة التي تقودها الدولة على الفساد بدءا من ما يسمى بالبرلمان الذي صادق على قانون لمكافحة الفساد والرشوة، والملفات الكبرى التي فتحتها المحاكم، ظن الجميع خيرا، لكن الحقيقة كانت عكس ذلك تماما فقد زاد الطين بلة وأصبحت الرشوة هي تحية المواطن للإدارة وصارت ما يطلق عليه محليا لفظ "التشيبة" هي الطريق الوحيد للمغلوب على أمرهم حتى يسترجعون حقوقهم... في ظل هذا وذاك أعلنت حركة "حمس" الجزائرية بقيادة وزير الدولة بوقرة سلطاني حملة تبدو جريئة لمن لا يفهم خلفيتها، وغير بريئة لنا نحن، سمتها "الفساد قف" وذلك حسب الشعار الذي زين واجهة مقرها الوطني بحيدرة، للكشف عن الفساد المستشري بالبلد هذا بلون الدم لخطورة المفسدين، ثم يزيد الشعار "ثلث أموال التنمية يأكلها المفسدون والمزورون وأصحاب الرشاوي" هذا بلون العشب يوحي بجمال هؤلاء اللصوص وطبيعتهم الخضراء التي تزيد البلد جمالا ورونقا وربيعا خلابا !!... فإطلاق لفظ "المفسدين" على هؤلاء هو في الأصل تزكية لهم لأنهم في الحقيقة لصوص تجرمهم كل القوانين والأعراف الدولية... لقد ظن المغلوب على أمرهم أن حملة "الفساد قف" ستقلم أظافر المفسدين بالفعل، وهذا الذي تبجحت به عصابة حمس الجديدة، غير أنه بعدما صرح الوزير سلطاني بوقرة بقنبلة إمتلاكه لملفات وأسماء ثقيلة متورطة في الفساد، فتحت عليه وسائل الإعلام النار وزاد الرئيس بوتفليقة لما صب البنزين على ألسنة اللهب لتي كادت أن تعصف بحمس، لما هاجم وزيره على المباشر هجوما لاذعا، بعدها مباشرة تعلن الحركة طي صفحة الفساد مما أوحى للكثيرين أن رجالها بحثوا عن الأضواء، وقامر الوزير برأسه إما كاذبا أو صادقا في ملف مشبوه إلى درجة كبيرة، وفي الحالتين الواجب الذي يمليه القانون هو محاسبته... لكن الحقيقة أنه من يريد المغامرة في مثل هذه المواضيع فقد يذهب بحياته إلى الجحيم، نسأل الله لنا نحن العافية... في ظل هذا عرفت حركة حمس الشد والجذب فقد خرج عن صمته البرلماني أحمد الدان وهو أحد قياداتها والذراع الأيمن لزعيمها الراحل محفوظ نحناح، وهاجم في مقال له رئيسه، وكذلك اصدر ما يسمى بالأعضاء المؤسسين للحركة في بيان وقعه عبد الحميد مداود في 14 ديسمبر 2006 وطالب الوزير سلطاني ومن معه بعدم المغامرة بمستقبل الحركة ورصيدها التاريخي، القضية طويت إعلاميا وحتى سياسيا وقضائيا من دون نتيجة تذكر فلا الوزير كشف عن المفسدين ولا الدولة والعدالة حاسبته على تشويه سمعة النظام إن كان بريئا من الفساد، مما دفع ببعض المحللين إلى جعل ما صرح به زعيم حمس يدخل في إطار ما تفعله الأفعى التي يدفعها الخوف إلى الفحيح وتخويف الآخرين، لأن الرجل تردد إسمه كثيرا عبر فصول محاكمة القرن، وقد نفى مثلا أن إبنه كان موظفا لدى الخليفة وتحاشى الحديث عن الآخر، بالرغم من أن شقيقه مولود البالغ من العمر 32 عاما، كان موظفا في بنك الخليفة بالرويبة وقد أهداه الخليفة سيارة من نوع دايو سيلو يستعملها في حله وترحاله، وقد قضى ذلك فترة لا يستهان بها قبل أن يتنقل إلى شركة تأمين يملكها رجل الأعمال مسعود حاجي الذي تورط في فضيحة كبيرة للعقار بمنطقة بوشاوي الفلاحية التي تحتل مكانا يتوسط أرقى الأحياء والمدن من سطوالي وإقامة الدولة نادي الصنوبر والشراقة والمنطقة الأمنية بني مسوس، وقد أودع سجن الحراش غير أن أيادي نافذة إستطاعت أن تفك سجنه والقضية في ذمة المجهول... وأيضا "الوفاة" غير الطبيعية للرجل الذي يعتبر أمين مالي وسري وشخصي للوزير سلطاني، وهو السيد بتيش محمد النعمان المدعو يزيد الذي وجدته زوجته ميتا في بيته بإقامة تابعة للدولة في بن عكنون، وقد كان يزيد إطارا بولاية قالمة عندما تقلد سلطاني الوزارة أول مرة إضطر إلى شخص يكون أمينا له، فتدخلت أطراف فاعلة ومنها رجل الأعمال يحيى طرابلسي وهو صاحب شركات وفنادق وإبنه متزوج من بنت شقيقة يزيد، فقام بتعيينه مستشارا له ثم مديرا للإدارة العامة والوسائل والمالية لوزارة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولما تم تقليد حقيبة وزارة العمل والحماية الإجتماعية لسلطاني كان من ضمن الرجال الذين تنقلوا معه للوزارة، ليشغل في البداية منصب مفتش مركزي ثم مستشارا للوزير وبعدها تم تعيينه من خلال الجريدة الرسمية في 2000 مديرا للإدارة والمالية والوسائل ليصبح المتصرف الأول في ميزانية ضخمة لا يستهان بها، لما غادر سلطاني الوزارة عاد إلى منصبه الأول في وزارة المؤسسات ليشغل منصب أمين عام مساعد وطبعا الوزير بن بادة من حزب حمس، في الأيام الأخيرة من حياته ولما بدأت تلوح في الأفق فضيحة الخليفة صارت أموره ليست على ما يرام مع عائلة الوزير، وقد حدثني أحد المقربين منه أنه قبل وفاته يشكو من ضغط كبير يتلقاه من طرف وزيره السابق ويتعلق بقضايا مالية من دون أن يفصح عن طبيعتها، وحدث أن عاد إلى بيته في سبتمبر 2005 وأخذ حماما ليجلس على أريكة، تعود زوجته من التسوق لتجده صريعا وسماعة الهاتف ملقاة على الأرض مما يوحي أنه كان يحدث شخصا ما، دفن وأعلن أنه توفي بسكتة قلبية، الوزير تدخل لتبقى زوجته في البيت على حساب الدولة بالرغم من أنه يملك شقة فاخرة في تيبازة سلمت له من وكالة الترقية والسكن ببوسماعيل بتدخل عالي المستوى، لما تم نقل جثمانه وقع حادث لسيارته "سيترواين قزارا"، فقام شقيق الوزير الذي يشغل منصب مدير وكالة تأمين ببني مسوس بتعويض زوجة يزيد عن كل الأضرار التي لحقت بالسيارة، هذا بعدما أجري تأمينا بتاريخ سابق للسيارة، ولسنا ندري ما الدافع الحقيقي لهذا الإجراء؟. عين على الماضي الخفي الكل صار يدرك الثراء الفاحش الذي حل على الوزير سلطاني وعائلته، وخاصة في منطقة الشريعة (ولاية تبسة أقصى الشرق)، والكل يعرف علاقاته المتعددة والنافذة مع رجال أعمال عبر التراب الجزائري وحتى في الخارج، لذلك أردنا من خلال هذا المقال أن نتحدث بإختصار شديد عن الوزير والزعيم الإخواني الذي حاول أن يكون شرطيا في الجزائر ويوقف الفساد بإيحاء عسكري لكنه في اللب إسلاموي له معاني أخرى... بوقرة سلطاني من مواليد 1954 بالشريعة (أقصى الشرق)، درس بالمدرسة المختلطة ثم تنقل إلى ثانوية مالك بن نبي بعاصمة الولاية تبسة، وفي عامه النهائي تم طرده بسبب تصرفات غير أخلاقية، إلا أنه تحصل على شهادة البكالوريا وإلتحق بجامعة قسنطينة، خلال هذه الفترة إلتزم وصار عنصرا نشيطا في ما يسمى بالإخوان المسلمين، عمل خطيبا في مسجد ونشر عدة كتب عن دار البعث في إطار ما سميت بأوراق إسلامية، وبعدها نشر كتبا أخرى في السياسة والتنظير للأزمة الجزائرية، وحتى ديوان شعر مجد فيه سيف الحجاج الذي أعلنه الرئيس بوتفليقة بعد نهاية العمل بالوئام المدني، وقد أشرف على تصحيح الأوزان والديوان شاعر تبسة علي مناصرية، تقلد عدة مناصب مهمة بعد الإمامة التي ظل ينتقد النظام إنتقادا لاذعا بسبب البعد عن الشريعة الإسلامية وعدم تحكيم الدين، بدأها كرئيس لمجلس الشورى لحركة حمس ثم كاتب دولة مكلف بالصيد البحري في عام 1996 إلى 1998، ونائبا بالبرلمان ووزير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من 1998 إلى 2000، ووزيرا للعمل والحماية الإجتماعية من 2000 إلى 2001، وهو الآن يشغل منصب وزير الدولة من دون حقيبة ورئيس لحركة حمس منذ 8 أوت 2003... عرف عن الوزير سلطاني علاقته الوطيدة بملف الأفغان الجزائريين، حيث أسس رفقة صديقه وأحد الحمسيين البارزين في قسنطينة فريد عشي الذي عرف في ما بعد بأبي ريحانة، مكتبا لمساعدة الشباب وتحريضهم على الإلتحاق بجبال تورابورا، وأرسل الكثيرين بل زارهم حتى إلى باكستان وقام بنشر صوره مع "المقاتلين العرب" بمجلة أشرف على إدارتها وهي "التضامن الإسلامي"، ومن أبرز الذين قام بتجنيدهم وإستغلال رغبته في الدراسة بالخارج، نجد السجين الجزائري بباريس رشيد رمدة والذي يعتبر من أبرز تلامذته في مسقط رأسه وهو المتهم بتفجير ميترو باريس عام 1995، وقد تخلى عن عائلته التي لا تزال تناشد من أجل فك أسر إبنهم أو حتى زيارته في السجن، لما أصبح وزيرا يبتعد عن الشبهات، وكذلك العايش عبدالمالك، وعمر جدي الذي لا يزال يقبع في سجن الشلف "الغرب الجزائري" منذ 2003، وغيرهم كثيرون جدا... وهنا نعود إلى فريد عشي الذي أصبح عند بداية الحرب الأهلية الجزائرية مفتي والرجل الثاني في الحركة الدموية "الجيا"، وقد كان من الموقعين على بيان يوجب قتال حكام الجزائر "الطغاة ومن والاهم" برفقة أبو صهيب السعيد العبودي وأبو خولة مصطفى وسليمان حجاج أبو الحارث ومصعب خثير أبو أيمن وأبو هبة بوبكر قماس وهم من أبرز المقاتلين في الجماعة الإسلامية المسلحة "الجيا"، غير أن المفاجأة ما كشفه عقيد المخابرات الجزائرية محمد سمراوي في شهادته المثيرة والرائعة "وقائع سنين الدم" بأن فريد عشي يحمل رتبة ملازم في المخابرات، وقد تمكن من التسلل في صفوف شبان من حي القصبة وتكوين جماعته الخاصة بعد أن نجح في الهروب من عملية توقيف مزعومة، وقد قام بتنظيم إغتيالات رجال الشرطة ورجال قانون وموظفين من طرف أناس متأكدين أنهم يكافحون من أجل الحق، وقد زاد سمراوي في هامش الكتاب: (... بعدها قام بتنظيم عمليات راح ضحيتها العديد من "المكافحين" كما قام بالكشف عن مخابئ للسلاح والوشاية ببعض رجاله، وعندما قرر 'ق.إ.أ' أن هذه الجماعة المزيفة يجب أن تتوقف عن العمل، وزع عشي على 'مجاهديه' ما يقارب 250 زوج من أحذية رياضية كورية الصنع لم تكن معروفة في الجزائر تدعى 'طانقو' على أعضاء الجماعات المسلحة)، وربما هذا السبب الذي دفع إلى إطلاق شفرة "طانقو" على المسلحين المتمردين لدى مصالح الأمن كما روى ذلك حبيب سوايدية في كتابه "الحرب القذرة"، وقد أقصي في ما بعد حسب رواية العقيد سمراوي من قيادة الجيا مع زيتوني في ظل إنقلاب المخابرات عليهما، وبعدها إنتهى الأمر بالتصفية الجسدية طبعا... علاقة المخابرات بحركة حمس لم تتوقف عند هذا الحد فقد أكد سمراوي أن الضابط عبدالرحمن بن مرزوقة الذي كلف بمهمة ربط الصلة مع محفوظ نحناح حتى يؤسس حزبا يناهض أصولية الفيس، بدل جمعية الإرشاد والإصلاح وقد عارض الأمر بوسليماني بحجة "أن السياسة تدنس الضمير"، هذا مما يكشف البعض من خيوط إغتياله البشع في 23 يناير 1994، حتى أنه يؤكد بأن الضابط بن مرزوقة نجح في مهمته وصار في ما بعد مستشارا سياسيا لنحناح... ومما بلغنا من طرف مطلعين على الشأن الأمني والإستخباراتي في الجزائر أنه من أسباب محاولة إغتيال الوزير سلطاني في 16 سبتمبر 1994، أنه قام بتسريب ملف خطير عن الأفغان الجزائريين وحتى قائمة للشباب الذين سجلوا بمكتبه رغبة في الإلتحاق بأفغانستان، وسلم ذلك للعقيد فريد قائد جهاز الإستخبارات بقسنطينة قائمة خطيرة ساهمت مساهمة فعالة في تصفية الكثيرين خارج القانون، حتى أن أحد الإسلاميين الذين أفرج عنهم في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية فضل أن لا نبوح بإسمه أكد بأن الجماعة كانت تستهدف سلطاني وليس علي العايب بسبب خيانته لشباب بريء أستغل سذاجتهم وحماسهم الديني وقبضت حمس الأموال من طرف الجمعيات السعودية هذا بطلب من وزير الدفاع خالد نزار الذي زار السعودية حينها ووفق في توقيف مساعدات المملكة لحزب الإنقاذ بعد وقوفها بصف العراقيين، وصارت من بعد كل رحلات نحناح في الخارج تجري على حساب جمعيات سعودية، وأكد لنا مصدر مطلع أن سلطاني ومن معه كانوا يقبضون ثمنا مقابل كل شخص يتم تجنيده لأفغانستان قدره بحوالي 3000 دولار للرأس، للتذكير أن هؤلاء الأفغان الجزائريين لعبوا دورا بارزا في الحرب الأهلية الجزائرية، ونسبت لهم كل المجازر والعمليات البشعة التي إستهدفت المدنيين والمؤسسات الرسمية... في البرلمان المصادر... في الإنتخابات البرلمانية الملغاة بتاريخ 26 ديسمبر 1991 التي فازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بأغلبية برلمانية ساحقة، كاد أن يكون بوقرة سلطاني مرشح الحزب بولاية تبسة التي يتحدر منها كما هو معلوم، وقد لعب الدور في ذلك أبوبكر زرفاوي وصالح شنوف اللذان تربطهما علاقات متينة مع الوزير، وقد كان لزرفاوي وهو ممرض بمستشفى الشريعة (ولاية تبسة) ودرس العلوم الشرعية في معهد الآمنية بدمشق، الدور البارز في محاولة فرض الوزير على رأس قائمة الفيس حينها، وننوه أن زرفاوي بوبكر كان عضوا في مجلس الشورى للجبهة المحظورة في آخر أيامه وإمام خطيب بمسجد الدواودة (ولاية تيبازة)، مع وقف المسار الإنتخابي إلتحق بالعمل المسلح وصار الضابط الشرعي الوطني للجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا)، في سنة 1994 نقلت وسائل الإعلام الجزائرية من مصادر أمنية خبر القضاء عليه في الغرب الجزائري من طرف قوات الأمن، وأكدت أنه متورط في إغتيال مطرب الراي الشهير الشاب حسني، غير أن الحقيقة التي عرفناها من عدة مصادر، وبينهم شهود عيان من المسلحين التائبين أو حتى ممن صدر في حقهم العفو في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، حيث أجمعوا على أنه تمت تصفيته من طرف جمال زيتوني شخصيا وخلفه فريد عشي، ربما مصادفة تبدو غريبة أن للرجلين علاقة وثيقة بسلطاني منذ بدايتهما في الحركة الإسلامية... أفتى زيتوني بردته لما يحمله من أفكار بدت أقرب لمنهج الجزأرة الذي أعلن كفره حسب إعتقادهم طبعا بين الفصائل والتنظيمات، وقد تعرض لأبشع أنواع التعذيب قبل موته، ومما روي أنه رفض منهج التكفير والمجازر في حق المدنيين مما عرضه لسخط جمال زيتوني، وقد أكد سمراوي في شهادته الهامة والخطيرة على غرار ما دونه حول فريد عشي أن زيتوني يعد من رجال المخابرات والعميل الأول الذي نفذ مخطط إتجه له النظام من أجل عزل العمل المسلح على المستوى الشعبي أو حتى على المستوى الدولي، عن طريق إقتراف مجازر مروعة في حق المدنيين، وروى لنا أحد شهود العيان ما حدث لزرفاوي في أعالي الشريعة (البليدة) حيث إقتلع زيتوني أظافره وحتى عينيه وبتر أذنيه وبقر بطنه حتى صار يصرخ بالكفر البواح تنفيذا للأوامر التي تريده أن يموت وهو يكفر بالله ورسوله، وللتذكير أن لزرفاوي بوبكر قريب آخر وهو أحمد زرفاوي تم إدراجه مؤخرا على القائمة الأممية للإرهابيين الدوليين لسنة 2006، نظرا لتورطه في إختطاف السواح الأجانب بالصحراء الجزائرية، ويعتبر الذراع البارز لعبد الرزاق البارا في تلك العملية... أما صالح شنوف وهو رجل أعمال بتبسة وكان الصديق الحميم لسلطاني، فقد ظل العضو النشيط في الجبهة على مستوى الولاية بل سخر الكثير من طاقاته المادية الضخمة في خدمتها، تم إختطافه من بيته الواقع بحي ذراع ليمام في عام 1997 على إثر عملية إستهدفت فرقة للدرك الوطني بفج القعقاع الرابط بين الشريعة وتبسة، وأودت بحياة سبعة عناصر من الدرك، أحد الناجين أخبرهم بأنه يشك في ملامح أحد الملثمين القريبة من صالح شنوف، وذهب إلى تأكيد ذلك أحد أعوان المخابرات وإسمه أحمد طويجين الذي ساهم في تصفية الكثيرين بالمنطقة عن طريق ترويج الإشاعات والأخبار الملفقة الكاذبة، وقد تلقى الدعم وصار يملك فيلا ومقهى وسيارات فارهة بالرغم من أنه كان يبيع آواني بدوية مصنوعة من الطين... نعود لشنوف الذي نفذت عملية ضده وتم تعذيبه في مركز الإستنطاق بقسنطينة من طرف عناصر المخابرات الذين تربطهم علاقة حميمة مع سلطاني، ولما توفي من جراء التعذيب، نقل في سيارات تابعة للجهاز ورميت جثته في غابة محاذية لمنطقة قريقر التي تبتعد عن الشريعة (ولاية تبسة) بحوالي 15 كم، ويعتبر من بين آلاف الأشخاص الذين قتلوا تحت التعذيب وخارج القانون، روى لنا البعض من الذين تمكنوا من رؤية جثته بأنه تم دق المسامير في ركبته وجهازه التناسلي وجسده كله مشوه حيث يبدو إستعمال أشياء معدنية ساخنة فقأت حتى عينه اليسرى... نعود للإنتخابات فقد وافق سلطاني على الترشح بإسم "الفيس" وطبعا من شروط ذلك أن ينخرط في الحزب، إلا أنه إشترط عضوية مجلس الشورى ومنصب آخر قيادي في حكومة الحزب المرتقبة، لأن الفوز مضمون ولا يشك فيه أحد نظرا لشعبيته المنقطعة النظير، فرفض ذلك الطلب من طرف قياديين في الحزب وقيل والحجة على الراوي أن علي بن حاج كان من أبرز المعارضين لإلتحاق سلطاني بالجبهة، بسبب الشكوك التي تحوم من حوله حول علاقاته الخفية مع أجهزة أمنية، لذلك تم إلغاء ترشحه وعوض ببوترعة يونس، وثقاة آخرين أكدوا لنا أن زرفاوي بوبكر وصالح شنوف في إجتماعات دورية للحزب على مستوى مكتب تبسة، قالا: "أن سلطاني همه السلطة ويضحي بأبيه لأجلها"، وطبعا هذا ما يخالف منهج الجبهة حينها في رفض تسليم القيادة لمن يطلبها، بسبب ذلك حدث ما يشبه المعركة الكلامية بين زرفاوي وسلطاني وبحضور صالح شنوف وآخرين، ومما يذكره لنا شهود عيان أيضا أن سلطاني هددهما قائلا: "لن تصلوا إلى الحكم وستدفعان أنتما الثمن غاليا"، وبالفعل صالح شنوف قتل تحت التعذيب البشع من طرف عملاء العقيد فريد الصديق الشخصي لسلطاني، وزرفاوي أيضا تحت التعذيب البشع المتشابه في شكله من طرف زيتوني العميل الآخر للجنرالين توفيق وسماعيل العماري... وهنا نذكر أيضا شعيب سلطاني أحد الشباب الذين حملت والدته جريمة مقتله لقريبه وإبن عمه بوقرة، فقد كان طالب جامعي بقسنطينة ويتردد كثيرا على بيت الوزير بسيدي مبروك حيث كان إماما وخطيبا، وطلب "أبوجرة" من زرفاوي رعايته وتكوينه عقديا وفقهيا لما كان في الثانوية حتى يتم تجنيده ضمن الأفغان... إلتحق بالعمل المسلح في بدايته لما شنت أجهزة الأمن حملة إعتقالات واسعة النطاق، غير أن أقاربه إتصلوا بالوزير من أجل تسوية وضعيته الأمنية ليعود إلى بيته، فوعدهم بالأمر وأنه لا خشية عليه وسيكون ذلك في عاجل الأيام، لذلك وثق الشاب وجاء لأجل رؤية أسرته فتم القضاء عليه قبل وصوله المدينة حيث وجد أشخاصا يترصدون حركته ويعلمون مسبقا بمجيئه، قتل في 1995 وسحبت جثته بشاحنة على مرأى الناس... يتبع