بالأمس، ونحن نتابع تغطية القنوات التلفزية لمقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدلله صالح، كان معي صديق من المخيمات، قال لي: أكيد نحن أصلنا من اليمن، انظر كيف تتشابه الملامح بيننا؛ فقلت له نحن نتشابه معهم في ملامح المحنة والورطة، هذا أكيد، لكننا نفترق في الأصول. لم يكن صديقي مخطئا في ما قال، فقد تعلمنا في دروس التاريخ في المخيمات أننا من أصول يمنية، وكنت مؤخرا أرافع ضد نظرية الأصول هذه، لأني أعرف أن الشرفاء الذين يشكلون ما يزيد عن نصف المجتمع الصحراوي أصلهم من قريش. اليوم سأجاري صديقي ومعلمي في اﻻبتدائي، لأني اكتشفت من بؤس نهاية صالح أني يمني في الواقع. فها أنا وغيري من الصحراويين في الشتات أسرى هوية لدى دول الإيواء التي تمنحنا غطاء قانونيا، كما أن يمنيي هادي أسرى لدى دول التحالف، وأهلنا واسمنا وهويتنا في داخل المخيمات أسرى لدى حوثي الجزائر الذي تحالفنا معه، ولما مكناه منا تسيد علينا وصيرنا رهائن لتنفيذ أجندته. شطر من اليمنيين من أعطوا الحوثي شرعية التحدث باسمهم، وشرعوا لسلاحه محاصرتهم، وتعيين الرؤساء والوزراء، وفتحوا لأمواله بيوت وجهاء اليمن يشتري نخوتهم وشهامتهم التي عرفوا بها، حتى صار اليمني يقتل في مرابع قبيلته كالكلب كما قتل صالح بين ظهران قبائل سرحان، ثاني كبريات القبائل اليمنية، وﻻ من تكلم. تعرفون كيف يقتل حوثي الجزائر الإنسان الصحراوي الحر؟ ببساطة يجرده من أصله وفصله ويجرمه، ثم يتركه يهيم في الفلاة عار من اﻻسم ومن اﻻنتماء، يبحث عمن يؤويه، كما حصل مع كل من غادر المخيمات ومن لم يغادر من الشرفاء الصحراويين الأحرار أسرى الحوثي. يقول قائل من المغاربة لضحايا حوثي الجزائر، ما يغيظكم وأبواب الوطن غفور رحيم مفتوحة؟ فأجيب الإخوة المغاربة، بسؤالهم: وما تفيدكم عودة الصحراويين وقد تركوا خلفهم اسمهم لدى الحوثي؟. أو تدرون ما يعني ذلك؟. إن اسم الصحراوي هو السلاح الذي يتفوق به الحوثي ويعطيه الشرعية في اﻻستمرار في النزاع. فوحده الحوثي من يمتلك سلاح تمثيلية الصحراويين التي يعترف بها كل العالم، بما فيه المغرب الذي وقع عدة اتفاقيات مع جبهة البوليساريو، جعلته هو الآخر من رهائن حوثي الجزائر. لقد كانت عودة الصحراويين تحدث مفعوﻻ عكسيا، فلم تزد عودة اﻵﻻف منهم وزن المغرب في معادلة النزاع، بل كانت ريح فرار كل صحراوي من قهر المخيمات تشحذ سكين الحوثي المغروسة في خاصرة المغرب، بإفراغها ساحة المخيمات من أي معارضة للحوثي، ما يجعل صفه متماسكا، ويجنبه التصادم مع معارضي الفعل المدان دوليا. وما نقصت تلكم العودة من كون الحوثي بقى الحائز الوحيد لسلاح تمثيلية الصحراويين، التي يضرب بها الصحراوي القريب قبل المغرب البعيد. فحرب الصحراء التي دامت ستة عشرة سنة ضد المملكة المغربية، ولم تترك خيمة صحراوية إﻻ ولها ثأر عند المغرب، لم تكن إﻻ لقطع طريق رجعة الصحراويين إلى أرضهم التي استوطنها الموت والفقر والويلات كما تقول أغاني الحوثي، وجعلت من العائد إليها خائنا مهدور الدم والعرض، إن لم يقتل قتلة صالح، فهو ميت في عرضه وشرفه ﻻ يملك شرف تمثيل نفسه، فبالأحرى تمثيل الصحراويين الذين قتلهم المغرب وشردهم !! لم يستعص على المغرب إنهاء نزاع الصحراء من قلة المغاربة، ولو كانت للأمر علاقة بالعدد لما سمح حوثي الجزائر لأي صحراوي بالعودة إلى المغرب، حتى ولو اضطر إلى قتله على طريقة قتل صالح اليمن. بل الفرار من المخيمات يصب في صالح أجندة الحوثي، وتعمل عليه الجماعة التي تحتكر اسم الصحراويين كعلامة مسجلة حصريا في مخيمات تيندوف، بأن تدفع كل معارضيها إلى العودة للمغرب (العدو)، ومن لم يعد منهم تلصق به تهم العمالة والخيانة حتى ﻻ ينازعها أحد في اسم "الصحراوي" الذي يشرعن لها اﻻستمرار في النزاع، وبالتالي استمرار منافعها ومصالح داعميها ومن يقف معها، ببقاء الصحراويين حجرة في حذاء المغرب، يتألم منها الصحراوي والمغرب على حد سواء!! *قيادي سابق في جبهة البوليساريو