تقدم عملية عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها على الأرض اليمنية يلمس في عصبية ميليشيا الحوثي وارتدادها بشراسة على المدنيين، فيما إيران عاجزة عن نجدة أتباعها وتلجأ إلى المناورة السياسية أملا في تخفيف الضغط عنهم. ودعا وزير الخارجية اليمني رياض ياسين أمس إلى تدخل بري عربي في اليمن بأسرع وقت ممكن، وذلك في وقت واصلت فيه ميليشيا الحوثي والفصائل المتحالفة معها من القوات المسلّحة، محاولة بسط السيطرة على مزيد من المناطق رغم ما تلقته من ضربات على يد تحالف «عاصفة الحزم»، وما تواجهه من مقاومة على يد القبائل وأنصار الرئيس الشرعي للبلاد عبدربه منصور هادي. وتجري الاشتباكات وسط تحذيرات من ارتداد جماعة الحوثي بشكل واضح ضدّ المدنيين خصوصا من أبناء القبائل والمناطق المناهضة لها، وتعمّدها إلحاق أقصى دمار بالبنى التحتية تنفيذا لأسلوب الأرض المحروقة تحت طائلة اليأس من الانتصار في الحرب، وفي ظل نجاح الحصار الذي يفرضه التحالف على اليمن بحرا وجوا في قطع الإمدادات الإيرانية عن الجماعة. وتتعدّد السيناريوهات والقراءات التي يطرحها المتابعون للأحداث في اليمن، بشأن طريقة حسم السيطرة على الأرض بين من يرجّح حدوث تدخّل برّي واسع تقوده السعودية ضد مقاتلي الحوثي بعد شلّ قدراتهم القتالية بالضربات الجوية، ومن يقدّم سيناريو تدخّل قوات خاصة في مناطق بعينها ذات أهمية استراتيجية، مثل الحديدة المطلة على البحر الأحمر، وفي محيط مضيق باب المندب، ومن يرجّح فرضية التعويل على قلب ميزان القوى لمصلحة القبائل والقوى المناوئة للحوثي بدعمها بالمال والسلاح ومدها بالمعلومات الاستخباراتية عن تحرّكات الحوثيين ومراكز تجمّعهم. وشهد الشمال اليمني أمس حيث المعقل الرئيسي لجماعة الحوثي مواجهات بين مسلّحي الجماعة وقوات سعودية وتبادلا لإطلاق نيران المدفعية والصواريخ. وسمع دوي انفجارات وإطلاق نار كثيف في منطقتي شدا والحصامة بمحافظة صعدة وقرب مدينة حرض في محافظة حجة المجاورة. وقال سكان إن طائرات هيليكوبتر سعودية حلقت في سماء المنطقة ووصفوا القتال بأنه الأشرس منذ بدأت الغارات الجوية التي تقودها السعودية ضد مسلحي الحوثيين في مختلف أنحاء اليمن. وطالب وزير الخارجية اليمني رياض ياسين أمس بتدخل بري عربي قائلا في رده على سؤال صحفي ?نعم نحن نطلب ذلك وبأسرع وقت ممكن حتى يتم بالفعل إنقاذ البنية التحتية واليمنيين المحاصرين في الكثير من المدن?. ويشير كلام الوزير اليمني إلى عمليات الاستهداف الواسعة من قبل الحوثيين للمدنيين وللبنى التحتية للبلاد. وأدّى قصف عشوائي بالمدافع والدبابات شنه الحوثيون على أحياء في مدينة عدنالجنوبية إلى قتل وجرح عشرات من المدنيين. كما قصف الحوثيون بصواريخ الكاتيوشا مصنعا للإسمنت بمحافظة لحج جنوبي البلاد ما ألحق به دمارا كبيرا وأوقع عشرات الضحايا في صفوف عمّاله. ويقول شهود عيان إن ميليشيا الحوثي تختار وقت تحليق طائرات «عاصفة الحزم» لتوجّه ضربات لأحياء سكنية ومنشآت مدنية للإيهام بأن الطائرات هي مصدر القصف، وذلك أملا في تأليب الرأي العام ضد العملية العسكرية التي تقودها السعودية. ويؤكّد هؤلاء أن المقاتلين الحوثيين، يحاولون من جهة أخرى استدراج طائرات التحالف لضرب المدنيين بتركيز مضادات أرضية داخل الأحياء السكنية وقرب المنشآت المدنية وإطلاق النار من هناك. غير أن خبراء عسكريين يستبعدون تأثر قوات التحالف بهذا التكتيك نظرا لاعتماد خرائط استهداف، معدة سلفا باستخدام أحدث التقنيات واستنادا إلى معلومات دقيقة بعضها مستمد من مخبرين على الأرض. وفي ظلّ عدم وجود معلومات موثقة عن نية بلدان تحالف عاصفة الحزم تنفيذ تدخّل بري لإنهاء سيطرة الحوثيين على المناطق اليمنية، يبدو الرهان المتحقّق الآن على القوى المضادّة للميليشيا الحوثية، وهي قوى تبدو بصدد الاستفادة من ضربات التحالف لتحقيق بعض الإنجازات على الأرض. وتمكن أمس بضع مئات من المسلحين القبليين من طرد مسلحين من جماعة أنصار الله الحوثية من إحدى مديريات محافظة إب الواقعة وسط اليمن، وأسروا 6 منهم قبل أن يتم إزالة جميع نقاط التفتيش التي أنشأها الحوثيون، حسب مسؤول محلي. وقال المسؤول لوكالة الأناضول، إنّ حوالي 300 مسلح قبلي هاجموا 7 نقاط تفتيش لمسلحي الحوثي في مديرية القفر، بمحافظة إب، وقاموا بطردهم، بالإضافة إلى مهاجمة مقر المجلس المحلي في المديرية، الذي كان يتّخذه الحوثيون مقرا لهم وهو ما أدّى إلى فرار الآخرين?. وفي محافظة شبوة بشرق اليمن اندلعت أمس مواجهات بين مسلحين قبليين وآخرين حوثيين أوقعت خسائر بشرية في صفوف مقاتلي ميليشيا الحوثي وتم خلالها إحراق ثلاث دوريات تابعة لهم. وفي منطقة بيحان العليا بالمحافظة نفسها، قالت مصادر قبلية أخرى إنّ مسلحين قبليين نصبوا كمينا للحوثيين تمكنوا خلاله من إحراق دورية إمداد كان على متنها 8 من مسلحي الحوثي ما أدّى إلى مقتلهم جميعا. وبدت إيران الداعمة لجماعة الحوثي بالمال والسلاح على بيّنة بأنها بصدد خسارة ذراعها في اليمن. وفي ظل عجزها عن القيام بأي مبادرة لقلب موازين القوة على الأرض لمصلحة الحوثيين، تحاول طهران الدفع بالحل السياسي لإنقاذ الجماعة الموالية لها. وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أمس لوكالة رويترز إن إيران لديها مقترح لحل الأزمة في اليمن وتحاول التواصل مع الرياض من أجل التعاون في هذا الشأن، دون الكشف عن تفاصيل المقترح، الذي يرجّح أنه يتضمن البدء بوقف عملية ?عاصفة الحزم?، الأمر الذي يستبعد أن تقبل به السعودية والدول المشاركة في العملية. ويؤكد تكاثر الفصائل العسكرية الموالية لإيران في منطقة الشرق الأوسط مشروع الهلال الشيعي الذي تريد طهران التمدد من خلاله لتحقيق حلم قديم متجدد يتمثل في ظهور الإمبراطورية الفارسية الجديدة، التي كما تعود سياسيو الملالي التعبير عنها، عاصمتها بغداد وأطرافها لبنانوصنعاء أو بتعبير أدق من شط العرب إلى باب المندب وصولا إلى المتوسط. تعيد الظاهرة الحوثية أشباح ماضي الإمامة الزيدية مع تأكيد آل الحوثي على انتمائهم إلى آل البيت وانتسابهم إلى إرث أئمة الممالك الزيدية التي حكمت شمال اليمن طوال ألف عام تقريبا حتى العام 1962 حين أطاحت بالإمام البدر ثورة تهيمن عليها شخصيات سنية. واستمر الصراع في السبعينات بين أنصار الزيدية والجمهوريين السنيين. وينتمي الحوثيون إلى الطائفة الزيدية الشيعية القريبة من المذهب السني والتي يشكل أتباعها أغلبية في شمال اليمن وأكثر من ثلث سكان البلاد، إلا أن إيران قد سعت في إطار مشروع تصدير ثورتها إلى تحويلهم إلى المذهب الشيعي الإثني عشري المنتشر في إيرانوالعراقولبنان، وذلك مع حصولهم على الدعم المالي والعسكري من طهران. والحوثيون، بما أنهم حركة سياسية دينية اجتماعية مسلحة تأسست عام 1992 وباتت تتخذ رسميا اسم "أنصار الله" ينتسبون إلى مؤسسهم حسين الحوثي الذي قتل في 2004 ووالده المرشد الروحي للحركة بدرالدين الحوثي. وخاض الحوثيون بمعقلهم في محافظة صعدة شمال غرب اليمن، 6 حروب مع نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح بين 2004 و2010، إلا أن صالح بات حليفهم الرئيسي اليوم ويعد القوة الحقيقية خلف صعودهم المثير منذ 2014. وبدأ الحوثيون العام الماضي حملة توسعية وضعوا يدهم خلالها على معظم معاقل النفوذ للقوى التقليدية في شمال اليمن، لاسيما آل الأحمر زعماء قبائل حاشد النافذة، وسيطروا على صنعاء في 21 سبتمبر 2014 مستفيدين من عدم مقاومة الجيش الموالي بنسبة كبيرة للرئيس السابق علي عبدالله صالح، كما سيطروا على دار الرئاسة في يناير 2015 وحلوا البرلمان ومؤسسات الدولة في فبراير وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبدربه منصور هادي. جاءت عملية عاصفة الحزم التي قادها تحالف من دول عربية بقيادة السعودية، في الوقت الذي كان الحوثيون قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على عدن، ما كان ليعتبر انتصارا كبيرا لإيران عند الخاصرة الجنوبية للمملكة. الحركة الحوثية تملك جذورا حقيقية في المجتمع اليمني، لكن ارتباطهم بالجمهورية الإسلامية ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة ويختلف المراقبون حول مدى ارتباط الحوثيين بإيران في الأساس، إذ تملك الحركة الحوثية جذورا حقيقية في المجتمع اليمني، لكن الأكيد أن ارتباطهم بالجمهورية الإسلامية ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ومع سحب الدول الكبرى ودول الخليج سفاراتها من صنعاء، رد الحوثيون على العزلة الدولية بفتح جسر جوي مباشر مع إيران التي تعهدت بدورها بتأمين الوقود لمناطقهم وبناء محطات كهرباء، فضلا عن دعمهم في التصريحات الرسمية ك?ثورة شعبية? يمنية داخلية. وكان يعتقد في السابق أن حملتهم العسكرية في الشمال عام 2014 تهدف إلى ضمان أكبر قدر من الأراضي لهم في اليمن الاتحادي الذي يفترض أن ينشأ بموجب قرارات الحوار الوطني، إلا أن تمددهم إلى سائر أنحاء البلاد عزز المخاوف من سعيهم للسيطرة على سائر البلاد بما يصب خصوصا في مصلحة حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي ما زال لاعبا كبيرا في السياسة اليمنية. ويقول المحلل السياسي السعودي خالد باطرافي إن "الحملة ستنجح على الأقل في تحجيم الحوثيين ودفعهم إلى الحلول السلمية"، لا سيما للعودة إلى إطار عملية الانتقال السياسي التي رعتها دول الخليج. لكن مشاكل اليمن لا تتوقف عند الحوثيين، فالبلاد تشهد حراكا انفصاليا كبيرا في الجنوب ازداد زخمه مع سيطرة الحوثيين على الشمال، كما تعاني من نشاط تنظيم القاعدة والمجموعات المتطرفة الأخرى. فالتمدد الإيراني في منطقة الخليج بدأ يشكل ما اصطلح عليه في عالم السياسة ب"الهلال الشيعي"، إذ اعتبر الكاتب العراقي غالب الشابندر أن الهلال الشيعي هو هلال قتالي، حيث الميليشيا العراقية، حزب الله، الحوثيون، الحرس الثوري الإيراني والجيش السوري والحشد الشعبي، وهي كلها جيوش مدربة تخوض حروبا حقيقية، ويمتلك عناصرها خبرات واقعية، بينما في الجانب السني لا توجد خبرات إلا عند الجهاديين والإرهابيين. كما أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كان قد استخدم مصطلح "الهلال الشيعي" الذي ترسمه إيران في المنطقة، معتبرا إياه "يهدد الاستقرار العام ويسبب الاختلالات المقلقة". مشروع تصدير الثورة الهدف منه هو تأسيس الإمبراطورية الإيرانية وهذه العبارة دائمة الحضور على ألسنة السياسيين في طهران، إذ أعلن يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري لعلي خامنئي، أن حدود بلاده أصبحت على شواطئ المتوسط جنوبلبنان، ومن بعده قال علي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني "إن إيران باتت الآن على ضفاف المتوسط وباب المندب". إضافة إلى التعبير الأخير الذي جاء على لسان علي يونسي مستشار روحاني حين أشار إلى مصطلح الإمبراطورية الإيرانية قائلا "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا?. الحوثيون حتى وإن لم يظهروا الولاء لولاية الفقيه علنا، فإن استنكار إيران وحسن نصرالله وبعض السياسيين الموالين لخامنئي في العراق للعملية العسكرية التي قادتها السعودية من خلال تحالف عربي على الحوثيين يدعم مدى الصلة التي تجمع بين الحوثي والملالي. وكالات