أطلقت موريتانيا منذ 2016 حراكا مكثفا من أجل تعزيز الشراكة مع دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا "إيكواس"، فيما عادت الأسئلة من جديد عن الظروف التي اكتنفت انسحاب نواكشوط من المجموعة عام 2000، ودوافعها للعودة إلى حضنها ثانية. وخلال الأسابيع الماضية وقع الجانبان اتفاقية تسمح لرجال الأعمال الموريتانيين بتصدير منتجاتهم إلى بلدان المجموعة، ابتداء من يناير 2019، بالإضافة لاتفاقية أخرى في مجال النقل الجوي. وأبدت نواكشوط،رغبتها في عقد اتفاقيات لحرية تنقل الأفراد وإقامتهم مع دول "الإيكواس"، لكن الأخيرة تبدو مصرة على استعادة موريتانيا عضويتها كاملة كشرط لإبرام أي اتفاق. ففي 27 أكتوبر المنصرم صرح رئيس المجموعة، مارس لادا سوزا، للصحفيين من العاصمة نواكشوط، أن دول "الإيكواس" وقعت، في ماي الماضي، بالأحرف الأولى على اتفاق شراكة بين موريتانيا والبلدان ال15 الأعضاء في المجموعة. وأشار سوزا، إلى أن خبراء من الجانبين ناقشوا، خلال اجتماعهم الأخير بنواكشوط، وضع آليات للتنفيذ والمصادقة على خارطة طريق قال إنها ستمكن من تسريع عودة موريتانيا إلى الاتحاد الجمركي للإيكواس، ابتداء من فاتح يناير 2019. وبيّن أن هذا الأمر يفترض توحيد التعرفة الجمركية فيما يتعلق بالجمارك والعبور والموردين، للتمكن من ضمان حرية نقل البضائع والممتلكات بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وموريتانيا. لكنه لفت الانتباه إلى أن هذا الملف ينفصل عن حرية التنقل "لأنها ترتبط بعودة موريتانيا إلى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا". وأوضح سوزا أن قادة المجموعة عبروا، سنة 2016 عن رغبتهم في تسريع اتفاق الشراكة لتمكين موريتانيا من العودة إلى مقعدها، متمنين أن يكون ذلك في القريب العاجل. وأضاف :"نحن نفتح الأذرع والأبواب ونستقبلها". غير أن نواكشوط لم تعلن بشكل رسمي ما إذا كانت ستتقدم بطلب لاستعادة عضويتها في المجموعة. لكن مراقبين لا يستبعدون عودة البلاد للمجموعة نظرا للأولوية التي يمنحها الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز، لعلاقات بلاده مع دول القارة السمراء. ظروف الانسحاب يرى إسماعيل ولد الشيخ سيديا، المتخصص في شؤون غرب إفريقيا، أن انسحاب موريتانيا من "الإيكواس"، عام 2000، في ظاهره كان بسبب التقشف في دفع المستحقات الباهظة للدول الأعضاء، وفي باطنه تعبير عن عدم انسجام السياسات الحكومية الموريتانية مع محاولات "دمقرطة" الشأن العام في دول المنظمة، تَمَثل في تأسيس محكمة لحقوق الإنسان خاصة بالمنظمة. لكن محفوظ السالك، الباحث المتخصص في الشأن الإفريقي، أرجع هدف انسحاب موريتانيا حينها للتركيز على تطوير اتحاد المغرب العربي والتفرغ له. وبيّن سيديا أن موريتانيا عوضت المنظمة نسبيا باتفاقيات ثنائية مع جيرانها القريبين والبعيدين من الدول الأعضاء، قبل أن تدرك مؤخرا أهمية المنتظم الإقليمي، وتعود إليه من باب الشراكة الاستراتيجية. واستبعد الخبير وجود أي علاقة بين العودة الموريتانية لحضن "الإيكواس"، والطلب الذي تقدم به المغرب للانضمام للمجموعة، أو الطلب الذي تقدمت به تونس للحصول على عضوية مراقب في المجموعة نفسها. وذهب أبعد من ذلك بالقول إن المغرب سيكون مرحبا بالعودة الموريتانية لأنها تخرجه من دائرة البعد الجغرافي كونه يقع في أقصى شمال غربيإفريقيا، كما أن "الإيكواس" تضم دولا صديقة للجزائر والبوليساريو. حبل وصال إفريقي يرى سيديا أن موريتانيا لعبت دورا كبيرا في تأسيس "المغرب العربي"، لكن بما أن الأخير ولد ميتا بسبب خلافات عدد من دوله، رأت موريتانيا أن تبقي على حبل الوصال مع الأفارقة حتى تعود المياه المغاربية الغائرة إلى جداولها. وبين أن الوضع الموريتاني تغير بشكل جذري عمّا كان عليه الحال أيام خروج البلاد من المجموعة. وزاد أنه، أيام حكم الرئيس المخلوع معاوية ولد سيد أحمد الطايع، كان عدد من السياسيين الموريتانيين الزنوج يحظون بمعاملة تفضيلة بعدد من دول "الإيكواس". غير أن موريتانيا، في عهد الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، ترى الأمور في محيطها الإفريقي بشكل آخر، خاصة أن ميزان القوى في الإيكواس هو الآخر تمت إعادة تشكله. تمهيد الطريق للعودة رجح ولد الشيخ سيديا أن يكون الحراك الموريتاني الحالي بداية لعودة كاملة للمجموعة. وأوضح أن السوق التجاري لدول المجموعة يفتح شهية نواكشوط. وللإشارة فإن فضاء "الإيكواس" سوق كبرى من 300 مليون نسمة، له سواحل أطلسية بآلاف الأميال ويمتد على ثلث الصحراء الكبرى. كما أن في منظمة الإيكواس ما يناهز 19هيئة تنفيذية تتراوح من مكافحة تبييض الأموال إلى حماية حقوق الإنسان. ونجحت المنظمة في إخماد نار الحروب الأهلية في ليبيريا وسيراليون وكوت ديفوار، كما رعت الانتقالات السلسة للسلطة في بوركينا فاسو، وغينيا، وغينيا بيساوو، ومالي، ولها قوة قبعات بيضاء لحفظ السلام قوامها 20 ألف رجل. دوافع اقتصادية من جانبه يرى السالك أن الدوافع الموريتانية للعودة للإيكواس اقتصادية بحته، شأنها في ذلك شأن المغرب وتونس. وبيّن في تصريحه أن كل المؤشرات تؤكد أن موريتانيا في طريقها لاستعادة عضويتها بهذا الفضاء الإفريقي. ولفت الانتباه إلى أن الدور الذي باتت تلعبه الدبلوماسية الموريتانية إفريقيا زاد من رغبة دول الإيكواس في احتضان نواكشوط مجددا. وتضم "الإيكواس" 15 دولة، هي نيجيريا وكوت ديفوار وبنين ومالي، وبوركينا فاسو والسنغال وتوغو وغينيا وغينيا بيساو، والنيجر وليبيريا وسيراليون وغامبيا، وغانا وجزر الرأس الأخضر، بينما تأسيسها كان في نيجيريا، سنة 1975، بهدف إقامة تكتل يجمع بين دولها ويوحد قدراتها الاقتصادية ومواقفها السياسية، ويضمن لها الاستقرار الأمني، وانسحبت موريتانيا منها في عام 2000 بالرغم من أنها عضو مؤسس. *وكالة أنباء الأناضول