ينشغل المغرب اليوم بقضية محورية تعتبر معبرا حاسما نحو مغرب الحداثة بمختلف تجلياتها الإنسانية ومعاييرها الكونية: مسألة تأطير المجتمع وإشكالية الوساطة (التمثيلية(. في مؤلفي الجديد (2017) تحت عنوان: الزاوية الشرقاوية والمخزن: تأطير المجتمع واكراهات الوساطة، عملت على إبراز جملة من الحقائق العلمية والتاريخية بارتباط مع موضوع الصلاح والتصوف، خاصة ماله علاقة بالتدين الشعبي في شموليته وعمقه الثقافي، ولكن أيضا من خلال ملازمته الوثيقة لقضايا واهتمامات المجتمع المادية والمعنوية. إن المعرفة بهذا الموضوع الحيوي تؤطرها في الغالب أحكام مسبقة عن التصوف والزوايا، مما يجعلها تلحق المخلفات المتهالكة والمنحطة بالأصول الثابتة والأصيلة المنغرسة في أعماق الفكر والمجتمع. لقد اضطلعت الزاوية المغربية بأدوار حاسمة في تاريخ المغرب وعبر مجاله الجغرافي والحضاري الذي يتسع لكل شمال إفريقيا وغربها وهو مانوه به نزر قليل من الكتاب والمفكرين، أبرزهم العالم السلفي المجدد علال الفاسي رحمه الله والمؤرخ المفكر الموسوعي عبد الله العروي. من القضايا التي حاولت إبرازها في هذا الكتاب الجديد، وهو الثالث في تاريخ الزاوية الشرقاوية: أولا: أهمية الدين كقوة دفع سياسي وتأطير اجتماعي وأفق إصلاحي، بما في ذلك مستوى التعبئة الأيديولوجية. ثانيا: الزاوية المغربية مؤسسة متعددة الوظائف والمهام من تعليم وتربية وإيواء وإطعام وتأمين السبيل وإصلاح ذات البين، إلى إصلاح الأراضي وغراستها ومد قنوات الري وإقامة مطاحن الحبوب والغلل، إلى ضمان اتفاقيات الرعي وتبادل المصالح والسهر على تعايش الأفراد والجماعات والديانات (اليهود(، هذا إلى جانب التعمير وإنشاء المرافق في بيئات كانت تعيش حالة البداوة والترحال: مثال ابي الجعد، الفقيه بن صالح، سيدي سليمان، سيدي قاسم... فكم حقا من وزارة أو إدارة نحتاجها اليوم لتعوض هذا المسار الحضاري والتدبيري والتأطيري، ناهيك عن النجاعة والمصداقية والنزاهة...؟ !! ثالثا: "دور الزاوية الحاسم والفاعل في هرم البناء السياسي القائم (المخزن( كمؤسسة رائدة في قيامها بمهمة الوساطة بين قاعدة المجتمع وقمته، بعد أن تم الإقرار والاعتراف لها بمهامها الحيوية في بيئات جغرافية واجتماعية ظلت خارج اهتمامات المخزن المركزي والجهوي، وهو ما عملت على إبرازه في ثنايا الكتاب الجديد. رابعا: الزاوية المغربية كيان اجتماعي وسياسي واقتصادي وثقافي مندمج في الكيان المغربي العام: خضع بدوره إلى قانون ثلاثية العمران الخلدوني: النشأة – التطور – الانحطاط والخفوت. خامسا: السؤال الملح اليوم: أين تنظيماتنا الحزبية من كل هذا، وهي التي كان من المفروض أن تكون راعية للتأطير والوساطة بامتياز، حسب القانون والعرف والدستور؟ أين هي من هذا الإرث الحضاري الشامخ والغني بالدروس والعبر؟ فلا هي استفادت من تراث السلف الصالح ومنجزات الأجداد – هذا إن كان هنالك إدراك وعلم بها- ولا هي اقتبست وتمثلت مدرسة الحداثة بمختلف مناهجها وقواعدها الكونية؟ لتبقى مسألة التأطير وإشكالية الوساطة في عمقها التراثي وبعدها الحداثي معا معطلة ومعاقة ومعطوبة إلى حين! [email protected]