داخلَ السوق البلدي في حي أكدال بالرباط، يقصدُ شاب محلّا لبيع الخضار. يقف هنيهة متأمّلا الأسعار المكتوبة فوق صناديق الخضر، ثم ينصرف بقفّته فارغة قاصدا محلا آخر بحثا عن أسعار أرخص، بسبب الارتفاع الصاروخي الذي تشهده أسعار الخضر خلال الأسابيع الأخيرة. من خلال جولة في السوق البلدي بأكدال، والسوق المركزي وسط العاصمة الرباط، تبيّن أنَّ أسعار جُلّ الخضر تتجاوز سقف 5 دراهم للكيلوغرام الواحد. سعر الطماطم والباذنجان والجزر وصل إلى 8 دراهم، وبلغ سعر الكُوسة والبطاطس الحلوة 12 درهما، أما سعر البازلاء "الجلبانة"، والفاصوليا الخضراء "اللوبيا"، فقد قفز إلى 14 و16 درهما على التوالي. ارتفاع أسعار الخضر أكّده بائع خضار في السوق البلدي بأكدال في تصريح لهسبريس، بالقول: "ملّي البطاطا كتسوا ثمانية دراهم راه طالعة"، مشيرا إلى أنَّ سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطس لم يكن يتعدّى خمسة دراهم، قبل أن ترتفع أسعار الخضر بشكل صاروخي منذ حوالي شهر ونصف. حسب المعطيات الرقمية المنشورة في موقع وزارة الفلاحة والصيد البحري بخصوص أسعار الخضر في أسواق الجملة، يتّضح وجود فرق شاسع جدا بين الأسعار التي تُباع بها الخضر في أسواق الجملة، وبين تلك التي تُباع بها للمواطنين. في سوق الجملة بالعاصمة الرباط، مثلا، تُباع الكوسة ب6.00 دراهم للكيلوغرام الواحد، حسب جدول أسعار الخضر بموقع وزارة الفلاحة ليوم 31 أكتوبر، لكنَّ سعرها في اليوم ذاته في السوق البلدي بأكدال، حسب معاينة هسبريس، وصل إلى 12 درهما، أيْ ضِعْف سعرها في سوق الجُملة. هناك أنواع من الخضر تُباع للمواطنين بأكثر من ضعف سعْرها في سوق الجملة، مثل الفاصوليا الخضراء، التي حُدّد سعْر بيعها في سوق الجملة بالرباط، حسب بيانات وزارة الفلاحة، في 6،50 درهما، بينما تُباع للمواطنين ب16 درهما. الارتفاع الذي طال أسعار الخضر في المغرب، خلال الأسابيع الأخيرة، أكّدتْه المذكرة الإخبارية الدورية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول الرقم الاستدلالي للأثمان عند الاستهلاك؛ إذ أشارت إلى أنّ هذا الرقم سجّل ارتفاعا بنسبة 0،8% خلال شهر شتنبر الماضي. وحسب المعطيات التي تضمّنتها مذكرة المندوبية السامية للتخطيط، فإنّ أسعار الخضر ارتفعت خلال الفترة بين شهري غشت وشتنبر الماضيين ب4،2%، وتشير المعطيات ذاتها إلى أنَّ الارتفاع همّ أيضا أسعار الفواكه ب5،5%، واللحوم ب1،6%، والسمك وفواكهَ البحر ب1،5%. الحسن الإدريسي، عضو المنتدى المغربي للمستهلك، يعزو سبب ارتفاع أسعار الخضر والفواكه إلى الاختلالات التي تشوب السلسلة التي تمرّ عبْرها هذه المواد الاستهلاكية، منذ وصولها من الضيعات الفلاحية إلى أسواق الجُملة، ثم أسواق التقسيط حيثُ تُباع للمستهلك. في هذا الإطار، أشار الإدريسي إلى ضُعف المراقبة من طرف الجهات المختصّة، ما يجعل أسعار الخضر والفواكه تخضع لتحكُّم المضاربين في الأسواق، ومن ثمّ تصلُ الخضر والفواكه إلى المستهلكين بأسعار مرتفعة. من جهته، قال حسن الشطيبي، رئيس جمعية حماية المستهلك بتامسنا، إنّ مشكل ارتفاع أسعار الخضر والفواكه، الذي يتكرر كل سنة، خاصة إذا تأخّر سقوط الأمطار، راجع إلى غياب المراقبة الصارمة للأسعار، معتبرا أنَّ كلّ التبريرات "تبقى غير مقبولة"، ما دام أنّ المراقبة غائبة. وأشار الشطيبي إلى أنَّ قانون الأسعار والمنافسة يفتح المجال أمام حرية الأسعار، لكنّه شدّد على أنّ ذلك لا يعني أن يبيع التجّار بالأسعار التي يريدون بمنأى عن أيّ مراقبة، ودعا في هذا الإطار إلى تفعيل دور جهاز المراقبة، وتفعيل مجلس المنافسة، الذي انتهت ولايته منذ مدّة ولم تُجدّد هياكله. من جهة ثانية، يرى الحسن الإدريسي أنَّ المستهلك المغربي يتحمّل، بدوره، جزء من مسؤولية ارتفاع أسعار الخضر والفواكه، بسبب عدم تبليغ الجهات المعنية، من مصالح مراقبة الأسعار بالعمالات والولايات، كلما كان هناك ارتفاع في الأسعار. إضافة إلى هذا العامل، هناك عامل آخر هو أنّ المستهلك المغربي، يردف المتحدث، لم يتملّك بعد ثقافة الاستهلاك؛ ذلك أنّه لا يحجُم عن اقتناء الموادّ رغم ارتفاع أسعارها، وهو ما يشجّع التجار على رفْع الأسعار، موضحا: "لو أنّ المستهلكين يمتنعون عن اقتناء أي مادة غذائية ارتفع سعرها بشكل غير مقبول، فإنّ بضاعة التجّار ستبُور، ومن ثم سيضطرون إلى خفْض الأسعار رُغما عنهم".