ما إن يلوح فصل الشتاء في الأفق، وتبدأ درجة الحرارة في الانخفاض تدريجيا، حتى يعود ملف إيواء المشردين إلى الواجهة بمدينة خريبكة، ويحتدم النقاش بين فئة تدعو فعاليات المجتمع المدني إلى إطلاق مبادرات إنسانية جديدة، تهدف إلى تخفيف وطأة البرد والجوع عن الأشخاص الذين يتخذون الشارع العام مأوى لهم، وبين فئة أخرى تصف تلك المبادرات بالمؤقتة والمحدودة وغير ذات نفع كبير، ما دامت المدينة مفتقرة لمراكز اجتماعية خاصة بإيواء شريحة مجتمعية مهمشة ويزداد عدد أفرادها سنة بعد أخرى. وتعرف مدينة خريبكة سنويا، خاصة خلال الفترات المتّسمة بانخفاض درجة الحرارة، انخراط عدد من فعاليات المجتمع المدني في حملات إنسانية لرعاية المشردين، فيما تتجند السلطات المحلية وعناصر الشرطة والقوات المساعدة والوقاية المدنية وممثلي القطاعات المعنية، من أجل جمع المتسكعين والمشردين والمتخلى عنهم، ونقلهم إلى المستشفى الإقليمي الحسن الثاني، إذ يتم حينها تقديم الإسعافات الأولية لهم، وتمكينهم من وجبات غذائية دافئة، وبعض الملابس والأفرشة التي توفرها الجمعيات والمتطوعين. ومقابل ذلك، أكّدت خديجة قُراع، رئيسة "جمعية المبادرة النسائية"، أن "المجهودات التي تقوم بها الجمعيات تجاه المشردين محمودة ومطلوبة، لكن نفعها محدود في الزمان والمكان، إذ سرعان ما يعود المستهدفون إلى سابق عهدهم، ويعيشون الإهمال والتشرد في أبشع صوره، مع ما يرافق أوضاعهم من مشاكل صحية ونفسية واجتماعية واقتصادية"، مشيرة إلى أن "حالات كثيرة استفادت من الحملات الإنسانية التي تنظم داخل المستشفى الإقليمي أيام البرد القارس، قبل أن تستأنف معاناتها خارج المرفق الصحي". وأوضحت المتحدثة ذاتها، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه "من بين الحالات التي شهدتها مدينة خريبكة خلال فصل الشتاء الماضي، ولا تزال تبعاتها تتوالى إلى حدود الساعة، حالة امرأة متشردة رفقة ابنتها الصغيرة، نقلتهما السلطات المحلية إلى المستشفى الإقليمي الحسن الثاني، في إطار حملة لجمع المتشردين تزامنا مع موجد برد شديد بالمنطقة، ليتبيّن أن الطفلة التي لا يتجاوز عمرها 5 سنوات مصابة بكسور وجروح متقدمة، بسبب تعرضها للضرب على يد متشرد تربطه علاقة غير شرعية بوالدتها". وأضافت خديجة قُراع أن "الطفلة المعنّفة تلقت الإسعافات الأولية وخضعت للفحوصات والعلاجات الطبية، وبعد انتهاء الحملة الإنسانية ورجوع جميع المشردين إلى أزقة وشوارع المدينة، تكلفت جمعية المبادرة النسائية، بتنسيق مع السلطات المعنية، بتتبع الأوضاع الاجتماعية للمتشردة وابنتها، نظرا لحاجتهما إلى الرعاية المستمرة، فيما فتحت المصالح الأمنية بحثا حول الاعتداء الذي تعرضت له الطفلة الصغيرة، انتهى بمتابعة المعتدي والحكم عليه بسنتين سجنا نافذا، ومؤاخذة الأم والحكم عليها بثمانية أشهر حبسا نافذة أيضا". وعن مصير الطفلة بعد إيداع الأم السجن، أوضحت المتحدّثة ذاتها أن "جمعية المبادرة النسائية عملت، بتنسيق وتعاون مع السلطات، على نقل المعنية بالأمر إلى أحد مراكز الإيواء بمدينة الدارالبيضاء، من أجل رعايتها وتمكينها من حقها في الدراسة، قبل أن تظهر الأم من جديد، وتطالب بإعادة ابنتها إلى حضنها، أو السماح برؤيتها وتتبع أحوالها في إطار ما يسمح به القانون"، مضيفة أن "الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل إن الأم سبق أن أقامت علاقة جنسية قبل إيداعها السجن، وخرجت منه وهي توشك على وضع مولود جديد". وأضافت قراع أن "المعنية بالأمر وضعت مولودها، صباح الثلاثاء، بالمستشفى الإقليمي الحسن الثاني، وأصرت على أخذ رضيعها معها إلى الشارع وهي في الساعات الأولى من فترة النفاس"، واصفة الأمر بالكارثي على عدة مستويات، "إذ لا يمكن لمتشردة مريضة رعاية مولود بين الأزقة والشوارع، وحتى إن أرادت جمعية المبادرة النسائية أو أي جمعية أخرى مساعدة تلك الأسرة المشردة، فإن الأمر صعب وشبه مستحيل"، لافتة إلى أن "السلطات تحاول في الوقت الراهن إيجاد حل يحفظ سلامة المولود بالدرجة الأولى". وأمام هذه الحالة الاجتماعية الممتدة من فصل الشتاء الماضي إلى اليوم، أكّدت خديجة قراع أن مشاكل المشردين مترابطة ومستمرة ومتسلسلة، وما دامت مدينة خريبكة مفتقرة لمراكز إيواء من شأنها معالجة الظاهرة بشكل جذري، فستبقى الأوضاع مرشحة للتفاقم والتطور، وسيزداد عدد المواليد خارج إطار الزواج، ولن تنفع حينها الحملات الإنسانية الموسمية التي تقتصر على إيواء المشردين داخل المستشفى الإقليمي، والاهتمام بهم خلال الفترات المطيرة وموجات البرد القارس". وختمت رئيسة جمعية المبادرة النسائية تصريحها للجريدة بالتأكيد على أنه "إلى جانب المتشردين والمتخلى عنهم، تعاني فئة مجتمعية أخرى من غياب مراكز الإيواء بخريبكة، وهي فئة النساء ضحايا العنف وفي وضعية صعبة، إذ كلما طُردت إحدى النساء من بيت الزوجية إلا ووجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع مشاكل الشارع العام؛ ما يدفع الجمعية إلى التنسيق مع مختلف السلطات المعنية، من أجل حجز غرفة بأحد الفنادق الموجودة بالمدينة، في انتظار إيجاد حل لمشاكلها الأسرية وما يرتبط بها من مساطر إدارية".