ومزيدا من الإيضاح سبق أن ذكرنا منا الكثير، رب متسائل سيتساءل : وفي ظل هذا الواقع الذي أربك حساباتنا، وأصبح الباحث والطالب المغربيين على حد سواء يعاقبون بذنب لم يرتكبوه، رأينا كيف أصبحت الدولة تبحث عن إنقاذ ماء الوجه حين صنفت في المرتبة 126، فلجأت إلى سياسة سمتها استعجالية لتدارك ما فاتها عبثا من تضييع للوقت والحال أن القضايا المصيرية التي عبرها وبها تتقدم أو تتأخر الشعوب لا يمكن تناولها بطرق استعجالية لن الأمر يتجاوز بكثير حادثة سير عادية والحال أننا نوجد حقا في قاعة الإنعاش. فكيف يمكن لنا بناء مجتمع المعرفة الذي طالما نادينا به ولم نكن نعتقد أننا نعيش مجرد أضغاث أحلام؟ أكيد أن مثل هذا البناء سيتطلب منا مجهودات استثناية وهو حلم يجب أن يتحقق في ظل عالم لقد دخل العالم اليوم مرحلة جديدة من تاريخه أساسها انتشار شبكات الاتصال وتسارع نسق التغيّرات، وتستدعي مواكبة هذه التحولات مراجعة التوجهات التربوية وتعزيز القدرة على استيعاب المستجدات المعرفية وتوظيفها لخدمة أهداف التنمية. على اعتبار أن التحكم في المعارف والسيطرة على تقنيات العصر وتكنولوجيات أصبح اليوم من أبرز المؤشرات الدالة على التقدم الاقتصادي والتنمية البشرية لذلك يجب على المخططات الاقتصادية في التعليم العالي أن نوليها مكانة هامة ونبلور خياراتها الجوهرية اللازمة من أجل بناء فعلي لمجتمع معرفي يؤهل طلبتنا باعتبارهم يمثلون حقا ثروتنا الوطنية، ويعتبرون العمود الفقري لمستقبل المغرب، مغرب الغد الواعد؛ وبكل تأكيد حين نستحضر ما فعلته المانيا على سبيل الاستئناس ليس إلا؛ إذا ما سألتنا أيّ باحث ألماني الجنسية عن سر ازدهار الأساس العلمي في بلاده، فسيذكر لنا حتمًا اسم المستشارة أنجيلا ميركل. فهذه المرأة الأقوى في العالم - كما يقولون عنها - لم تَنْس أصلها كفيزيائية من ألمانيا الشرقية، علما أن ألمانيا تبقى وجهة الباحثين الأجانب بشكل متزايد كموطن لمسارهم المهني، حيث يؤثرونها على الوجهات التقليدية الجاذبة للعقول، مثل الولاياتالمتحدة، أو المملكة المتحدة. تبدو ألمانيا - بما تشتهر به من أمان ورتابة – بطيئة كالسلحفاة في قصة السباق الشهير مع الأرنب. وبينما تستعد البلاد للانتخابات في الرابع والعشرين من سبتمبر، يتوقع أغلب المراقبين استمرار هذه التوجهات.من جانبه، يقول وولفجانج شون - مدير "معهد ماكس بلانك لقوانين الضرائب والمالية العامة" في ميونخ، ونائب رئيس "المؤسسة الألمانية للبحوث " DFG، وهي الوكالة الرئيسة لتمويل البحوث الجامعية في ألمانيا - إن أسباب نجاح ألمانيا لا تقتصر على الميزانيات المخصصة للبحث العلمي، أو "تأثير ميركل" مثلًا، فألمانيا - مثلها مثل ميركل - لها جذور عميقة في مجال العلوم.« لطالما كانت ألمانيا دولة رائدة على مستوى العالم في مجالي العلوم، والتكنولوجيا، قبل اضطرابات القرن العشرين، وقد أرست تقاليد، لا تزال تطبِّقها دول عديدة حتى الآن. ورغم أنها ما زالت تعاني من بقايا الهياكل الوظيفية التي سيطر عليها الذكور، والتشريعات المتصلبة واسعة الانتشار، يبدو مجال البحث العلمي في ألمانيا راسخًا ومتينًا، كما هو العهد به دومًا، خاصة في فضاء عالمي يقل اكتراثه واهتمامه بالعلوم مع الوقت. تقول كينيث بريويت، عالمة سياسية من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك: "أتمنى لو كان واضعو السياسات العلمية، ومتخذو قرارات تحديد الميزانيات في الولاياتالمتحدة يرغبون في التعلم مجددًا من ألمانيا. خلال عقد زمني، اجتاحت فيه الاضطرابات المالية العالَم كله، زادت حكومةُ ميركل حجمَ الميزانية السنوية المخصصة للبحث العلمي بمعدل ثابت، وبشكل متوقع ومثالي، كما هو معهود من ألمانيا؛ فَبَثَّ ذلك روحَ المنافسة بين الجامعات، وعزز التعاون مع المؤسسات البحثية الفريدة في ألمانيا، التي تحصل على تمويلها من المال العام. تحت قيادة ميركل، حافظت ألمانيا على مكانتها كأحد رواد العالم في مجالات معينة، مثل الطاقة المتجددة، والمناخ؛ كما تنامَى تأثيرها في قطاعات أخرى، في ظل تأكيدها على عدم التنصل من تقديم دعم قوي للبحوث الأساسية. « نقلا عن: Sean Gallup/Getty »؛هكذا كنا نأمل أن نقتفي آثار من سبقونا ولو كما يقول الفقهاء:« لا قياس مع وجود الفارق » بل وعلى هذا الأساس كما أشرنا في كتابنا السابق الذكر حول الجامعة المغربية: كان الباحث في الجامعات المغربية عامة وجامعة ابن زهر خاصة والباحث المغربي عامة يتمنون أن لا تغلق أبواب الجامعة في وجه من يريدون متابعة مسيرتهم الدراسية الجامعية، والحال أن كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر على سبيل المثال لا الحصر دون الكلام عن باقي مؤسساتها وباقي مؤسسات الجامعات المغربية الأخرى سدت منذ سنة 2006 الأبواب أمام ما يناهز 2600 مرشح أو يزيد جلهم من قطاع التعليم التسجيل رغم ما يتوفرون عليه من شروط كانت في السابق تعجيزية، مثلا الحصول على الترخيص من الوزارة المعنية، وأصبحت ملفاتهم حبيسة رفوف دهاليز الجامعات في انتظار كودو. فأين نحن من سياسة كان عليها أن تفتح أبواب المعرفة للجميع حتى يكون لكل حامل باكالوريا مكان في الجامعة؟ وأين نحن من فلسفة تعليمية هي من حق الجميع حيث يجب على الدولة أن تكرس مبدأ التعلم للجميع مدى الحياة وفي نطاق توسعي عوض التضييق قصد إعطاء فرص لطلبتنا في استثمار تقنيات التعلّم عن بعد والتعليم المستمر حتى يصل التعليم العالي لكل من يريده ممن لم يستطع الالتحاق بالدراسات النظامية؟. وكيف يمكن للإصلاح الذي كنا نهدف إليه أن يصل إلى ضبط البرنامج الهادفة بطريقة استعجالية، ويحيط بكل المحددات الضرورية والحاسمة من أجل تنمية قدرة مؤسسات التعليم العالي حتى يتسنى لها مواجهة متطلبات العولمة وتعميق اتصالها بالمصادر العالمية للمعلومات بإقامة شبكة وطنية متطورة للمعلومات بالمقاييس المعمول بها في الجيل الثاني للانترنيت، وتكثيف استخدام تقنيات المعلومات في كافة مجالات العمل الإداري والعلمي للجامعات في الوقت الذي بدا لبعض أن مشروع أبوجي مثلا لا يمكن أن يكون مثار اهتمام الجميع نظرا لعدة سلبيات وقف عندها الباحث فور الاشتغال به. وفي هذا الصدد يجب أن لا ننكر على أن اختصاصات الإعلامية والاتصالات أصبحت تحظى بأهمية متنامية في التعليم الجامعي، وعلى الجامعة أن تدعم خطة تكوينية تهدف إلى الزيادة في عدد الخريجين في هذه الاختصاصات خلال العشرية القادمة لتلبية الحاجيات الوطنية، ومجابهة طلبات أسواق الشغل الخارجية، أو لتصدير الخدمات الوطنية عن بعد مما منطقيا يعني مضاعفة طاقة التكوين في المجال. وهي إستراتيجية لا محيد عنها لدعم وخلق مجتمع معرفي متكامل. وحين نتكلم عن الإصلاح فهذا لا يعني إطلاقا أننا نقصد الإصلاح البيداغوجي فحسب بقدر ما نرمي إلا إصلاح جذري بما فيه دعم الإدارة بصفة عامة والاتصالية بصفة خاصة، والعمل على تطويرها وذلك عن طريق دعم وتقوية المنظومة الجامعية اعتمادا على جملة من الآليات التي بدونها لا يمكن الكلام عن الإصلاح جملة وتفصيلا. ففي غياب محاولة إعادة بناء تشبيك وربط المكتبات الجامعية فيما بينما، بغية تيسير التواصل يبقى الإصلاح مطوقا لا يتجاوز النطاق المحلي فكيف بالوطني وبالتالي العالمي في وقت لم يعد مسموحا للبحث العلمي عدم اختراق الحدود. والكلام عن الإصلاح الذي كنا ولا زلنا نطمح إليه أصبح من الأولويات تعميم التسجيل عن بعد ويجب على كل المؤسسات الجامعية التقيد بها باعتباره معطى حداثيا يجب أن لا يقصي أحدا من عالم المعرفة التي كانت في زمن بعيد عملية مطلقة وغير مقيدة مصداقا لقول الرسول:« اطلبوا العلم ولو كان في الصين..». وحتى نعطي للبحث العلمي مصداقيته ونعيد الاعتبار للجامعة المغربية يجب أن نضمن لها سيولة الإعلام العلمي والإداري بين مختلف الجامعات خارج ثنائية المركزي والهامشي التي لا تنم إلا عن فكر ضيق إن لم نقل سادي يجب أن يوارى إلى حيث لا رجعة. وحين نصل بالإصلاح إلى هذه الأهداف السامية بل إلى المواطنة الحقة يمكن آنذاك الكلام عن الجودة النوعية التي أصبحنا نتكلم عنها وحالات تبكيها البواكي. ولقد جرت العادة عند الدول المتقدمة حين تفكر في الإصلاح عامة والجامعي خاصة التفكير في ربطه وتعزيزه بالشراكة مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي والسوسيوثقافي والمكون المهني، والحال أن التحولات الاقتصادية الآنية برهنت بما لا يدع مجالا للشك أن ثمة ضرورة توثيق الصلة بين الجامعات وقطاعات الإنتاج، وهذا ما لامسناه في الدول الأوربية على سبيل المثال لا الحصر حيث تتعدد التجارب وأشكال التعاون بين كل هذه الأطراف سيما فيما يتعلق في مجالات الاستثمار والبحث في الميدان العملي. وإذا كنا في جامعة ابن زهر نعاني من أبسط ما يمكن أن يعطي لنا الحق في مجرد الحلم في هذه الأشياء التي تبدو لنا من وحي الخيال، من بنيات تحتية، إلى توزيع جغرافي لا يقبله العقل، وصولا إلى تغطية 52% من أرض الوطن، دون الكلام عن عدد الطلبة الذين تستقبلهم الجامعة، فهل من المعقول أن نتطلع إلى تحقيق ما يجب أن يكون، أم ترانا نمني النفس وغيرنا يقطف الثمار ولو بنسبية ضئيلة لأن مجال الإصلاح لا ينطبق أصلا على الواقع المزري الذي تعيشه جامعاتنا، ومعاهدنا، ومدارسنا، وبالتالي أين نحن من خطابات ببغاوية تعبنا من تلقيها من أناس يكلموننا من وراء حجاب؟ ورغم ما وصلت إليه بعض الجامعات من مجهودات على المستوى البنيات التحية التي لا ترقى إلى مصاف بعض الدول العربية؛ علينا أن نعترف بفشل لا يكمن تصوره في مجال البحث العلمي المعوق، والذي يحاول البعض النفخ فيه والحال أن الميت لا يمكن إحياؤه ثانية كما لا يمكن الكذب عن جيل يعيش في خضم هذا الكذب ولا أحد يستطيع أن يوصل صوته المبحوح إلى عاهل البلاد بعيد عن حاشية تمارس التضليل ولا توصل إليه إلا الأكليشيهات والصور الباهتة.. البلاد في حاجة إلى الإنسان المناسب في المكان المناسب حقيقة وليس كلاما خطابيا سرعان ما يكشف الواقع سوءته.. رسالتنا لا نوجهها إلى هؤلاء أصلا بل نود أن تصل إلى الملك لأنه والحمد لله اكتشف أن جل من يحيطون به هم لا يمتون بصلة إلى الوطن، والوطنية في حل منهم بالقطع. رسالتنا إليك يا عاهل البلاد، فهؤلاء مواطنوك من الباحثين والطلبة يستغيثون بك أن أنقذنا ممن لا يخافونك إلا حين تكسر لهم النصال على النصال؛ وتكشف عوراتهم أمام الملأ، جلهم يخافونك لكن لا يستحيون منك فما بالك بالشعب.. تعبنا يا عاهل البلاد بين جدران فارغة من البحث العلمي، ومن الأمل المنشود الذين بات عندنا في خبر كان؛ ولا نريد لطلبتنا والأجيال اللاحقة أن ترى فينا خزنتهم، ومن كسر طموحاتهم ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف.. رسالتنا هي رسالة مفرد بصيغة الجمع؛ طالما وجهناها إلى وزرائك إلا أنهم تكبروا عنا وطغوا والقوا بها في مسلات مهملاتهم؛ وكان علينا أن نوصلها إليكم مباشرة تماما مثلما استغاثت المرأة بالمعتصم قائلة: وامعتصماه.. !! وها نحن اليوم نردد: واملكاه.. !!