وتتصدر الحسيمة مرة أخرى أحداث الزلازل، فبعدما تعودنا أن نسمع عن الزلازل الطبيعية بها ها هي الحسيمة يسجل بها زلزال آخر لكن هذه المرة ذو طبيعة سياسية. إن بلاغ الديوان الملكي القاضي بإعفاء وزراء ومسؤولين يوحي بمجموعة من القراءات: 1- من حيث التوقيت السياسي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقرأ مضمون البلاغ خارج زمانه السياسي. فالملك باعتباره رئيس الدولة ما فتئ يلوح، بل ويصرح من خلال خطابات ملكية متعددة المناسبات باستفحال الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين بالريف وبمناطق كثيرة ومتنوعة بالبلاد؛ استفحال عزاه في أكثر من مرة إلى عدم رضاه كملك وتضامنه مع رأي الشعب، على عمل الفاعلين السياسيين والمسؤولين الإداريين. 2- من حيث التفاعل مع مطالب أبناء الريف لا يمكن إطلاقا أن نعزي ما جاء به بلاغ الإعفاء من ذلك التفاعل الإيجابي والمسؤول لرئيس الدولة مع مطالب أبناء الحسيمة والمناطق المجاورة. ومن هنا يطرح السؤال هل هذا الإعفاء كان سيتم لولا حناجر أبناء الريف. لذا فإن هذا التفاعل بين المؤسسة الملكية والمطالب الشعبية يعكس طبيعة العلاقة بين المؤسسة الملكية والشعب المغربي. 3- من حيث منهجية اتخاذ القرار تجب الإشارة إلى أن قرار الإعفاء، كما همٌ مسؤولين سياسيين فإنه لم يسلم منه مسؤولين غير سياسيين. وهذه إشارة مهمة إلى أنه لا أحد محصن ضد القاعدة الدستورية ربط المسؤولية بالمحاسبة إذا ثبت في حقه إخلال مهني أو تقصير سياسي. كما أنه يتعين التأكيد على أن قرار الإعفاء تأسس على نتائج تقرير المجلس الأعلى للحسابات، وتم تقديم نتائجه للملك بحضور رئيس الحكومة، وهذا يعني أن القرار بعيد كل البعد عن الارتجال، بل هو نتيجة سياسية لتفعيل دور المؤسسات الرسمية باحترام تام للمقتضيات الدستورية. 4- من حيث الارتدادات غالبا ما تقاس الزلازل من حيث القوة ومن حيث مدى ارتداداتها؛ فمن جهة القوة يمكن تصنيف الزلزال السياسي للحسيمة ضمن الزلازل النادرة الحدوث، ومن جهة ثانية بقدر ما سيكون لها ارتدادات نفسية لدى عموم المواطنين خاصة بالمناطق الريفية، بقدر ما سيزيد اهتمامهم - أي المواطنين - بقضايا الشأن العام، وقد يزيد ذلك من منسوب مطالبهم بتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية كما سيقوي لديهم حاسة الرقابة والمتابعة، وقد يؤدي ذلك إلى أن نعيش مرحلة الرقابة الشعبية على أعمال المسؤولين الحكوميين. 5- من حيث الآفاق بالنظر إلى ما يعرفه المغرب من تأزم وفقدان ثقة المواطنين في كثير من القطاعات التي لها صلة بحياتهم اليومية سيشكل بلاغ الإعفاء فرصة نادرة الحدوث لإعادة ثقتهم في مؤسسات الدولة ونخص بالذكر هنا التعليم والصحة والعدل وقطاعات أخرى. *أستاذ جامعي ورئيس مرصد الالتقائية وحكامة الأعمال