قال محمد الهاشمي، أستاذ القانون العام بجامعة أبو شعيب الدكالي بالجديدة، إن ما بات يعرف ب"الزلزال السياسي" ليس هو قرار الإعفاء الملكي لعدد من الوزراء والمسؤولين السامين؛ بل إن حراك الحسيمة هو الزلزال الحقيقي فيما يبقى قرار الإعفاء ارتدادات لهذا الزلزال. وأضاف الهاشمي، في معرض مداخلته بالندوة التي عقدها مركز هسبريس للدراسات والإعلام، مساء اليوم، لمناقشة مضامين القرار الملكي الأخير وتأثيره على المشهد الحزبي والسياسي، أن القرار الملكي لا يمكن النظر إليه بمعزل عن حراك الريف منذ بدايته. وعن الفرق بين قرار الإعفاء الحالي والقرارات المماثلة السابقة، سجّل الهاشمي أن الإعفاءات الأخيرة لثلة من كبار المسؤولين الحكوميين والسامين "أول تجسيد لتدخل الملك في حراك الريف"، مشيرا إلى أن "الملفات السابقة كانت قطاعية محدودة، ولم تكن وراءها أزمة واجهتها الدولة بشكل عام". وشدد على أن تقارير المجلس الأعلى للحسابات تعج بالعشرات والمئات من الاختلالات ذات القبيل؛ "ولكن القرار الحالي أراد إحداث أثر لدى الرأي العام"، يقول الهاشمي. "أعتقد أنه تم تضخيم الموضوع إعلاميا، فالإعفاء اختصاص دستوري للملك، وتم ذلك سابقا"، يزيد أستاذ العلوم السياسية، مبرزا أن الأمر لا يتعلق بمبدأ المساءلة في بعده السياسي بل التدبيري فقط، "وبما أنه تزامن مع حراك الريف كان لازما التدخل بهذا الشكل". وسجّل المتحدث ذاته، خلال اللقاء الذي نقل عبر تقنية المباشر على موقع هسبريس وصفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، أن نظام المحاسبة والمساءلة في المغرب "لا يشتغل بالشكل السليم، دائما ما تكون مبادرات ملكية فقط، مقابل فشل المؤسسات الأخرى في هذا الإجراء"، مردفا أن "هذا النظام يعمل بطريقة علاجية بدل الطريقة الوقائية، بحيث تتم المحاسبة عادة بعدما تحصل اختلالات". من جهة ثانية، اعتبر الهاشمي أن صناعة القرار في النظام السياسي المغربي تتسم بمركزية شديدة، قائلا إن هذه المركزية هي التي تفرز الاختلالات التدبيرية كالتي كشف عنها مشروع "الحسيمة منارة المتوسط". وأبرز المحلل السياسي ذاته أن هناك أمثلة عديدة لمشاريع دشنها الملك وما زالت حبرا على ورق، داعيا في هذا السياق إلى التفريق بين الأوراش الكبرى، مثل منارة المتوسط، "ولا أتصور أن الحكومة تشارك في إعداد تصورها، بحيث تتولى عملية التنفيذ القطاعي لا غير"، في مقابل النوع الثاني، "الذي يكون عبارة عن مبادرات من طرف منتخبين يطلبون الرعاية الملكية وأحيانا تكون لها أغراض انتخابوية". ولم يفت الهاشمي أن يذكر بأن الدولة جربت المقاربة الأمنية في حراك الريف ثم الحل القضائي، "وتبين أنها غير مجدية ولن تخرجنا من الأزمة"، معتبرا أن "الدولة الآن تبحث عن حلول جديدة، وهذا أمر إيجابي، غير أنه لا يجب حجب الرؤية عن ضعف المؤسسات"، قبل أن يعود إلى التأكيد أن "الملك ما زال خاص يتحرك ويدير المبادرة ويغضب على المسؤولين لكي يقوموا بعملهم". ولفت الانتباه إلى أن تعاطي الدولة مع ملف الريف طبعه توتر غير مسبوق بين الدولة والأحزاب، منبها إلى أن "الديمقراطية لا يمكن أن تشتغل بدون أحزاب". "ما دامت هناك أزمة ثقة في الأحزاب ما قبل الانتخابات الأخيرة، والآن ما دامت أعلى سلطة في البلد سحبت منها الثقة، فكيف ستقوم هذه الأخيرة بدخول الانتخابات، وكيف سيثق فيهم المواطنون من جديد؟" يتساءل الهاشمي، غير مستبعد فرضية ظهور أحزاب جديدة قبل انتخابات 2021 كما حصل في إسبانيا وغيرها. وعن تأثير "الزلزال الملكي" على الأحزاب، اعتبر المتحدث ذاته أن هذا القرار الملكي يؤسس لتحول في الثقافة الحزبية المغربية. "ما سماه جسوس بالطبقة الهمزاوية سيكون الإعفاء رادعا لها، بحيث يتعامل الكثير مع الأحزاب كمصعد للوصول إلى السلطة"، يضيف، مفيدا بأن هذا الأمر "سيضفي على مسألة الاستوزار مزيدا من الجدية". وبخصوص حزب العدالة والتنمية وأمينه العام، عبد الإله بنكيران، قال الهاشمي إن "الصراع الموجود داخل البيجيدي جاء بلاغ الديوان الملكي لتأزيمه، وسيصعب مهمة بنكيران لنيل ولاية ثالثة"، مؤكدا أن "أنصاره سيجدون حرجا في الدفاع عنه، وإلا سيكون هذا دخولا في مواجهة مع الدولة".