"الخطّاف" و"سرّاق البلايص"، اسمان مختلفان يحيلان على ممتهن النقل السريّ، الظاهرة تفشت بشكل ملحوظ في معظم المدن المغربية، منتقلة من المناطق المهمشة والريفية إلى المدن. ولئن كانت أسباب انتشار هذه الظاهرة في المدن مرتبطة بضعف أسطول النقل العمومي الذي لا يراعي النمو الديموغرافي والأسعار المغرية التي يقترحها أصحاب النقل غير القانوني مقارنة مع المهيكل، فإن أسباب ظهورها في إقليمأزيلال ترتبط بالأساس بضعف البنيات التحتية وضعف شبكة الطرق المعبدة بهذا الإقليم الشاسع؛ ما يفضي إلى استحالة وصول سيارات النقل المزدوج أو سيارات الأجرة الكبيرة إلى مناطق نائية قد تكلف مالكيها خسائر مادية هم في غنى عنها. لا خيار سعيد، ابن مدينة الدارالبيضاء، يعمل كرجل تعليم بمنطقة تابعة لجماعة أيت تمليل، تبعد عن مدينة دمنات بحوالي 60 كيلومترا، تحدث إلى هسبريس عن سبب استعماله لسيارات النقل السري رغم عدم قانونيتها قائلا: "أعلم جيدا أني أواجه الأخطار باستعمالي هذه السيارات، لكن ليس لدي خيار؛ فالطريق غير المعبدة التي تربط بين وسط دمنات ومكان عملي المتواجد بقرية يستحيل على السيارات المرخصة ولوجها، ما يحتم علي الاستسلام للأمر الواقع والتكيف مع هذه الظروف "حتى يحن الله"". خالد، مواطن يقطن بأحد دواوير جماعة أيت أمديس، التابعة ترابيا لإقليمأزيلال، دافع كثيرا عن قطاع النقل السري، قائلا في تصريح لهسبريس: "إن سيارات "الخطافة" غيرت الكثير في نمط عيشنا، إذ أصبح بإمكاننا الذهاب إلى دمنات وأزيلال بشكل يومي لقضاء أغراضنا، عكس ما كنا نعيشه قبل ظهورها"، وأضاف بنبرة يغلب عليها الانفعال: "أيريد هؤلاء الذين يحاربون هذا القطاع أن نبقى معزولين إلى أجل غير مسمى؟". مصدر من داخل عمالة إقليمأزيلال صرح لهسبريس بأن مدبري شؤون النقل بالإقليم "يعمدون إلى غض الطرف عن النقل السري لأنه يساهم في تدبير أزمة النقل بالرغم من عدم قانونيته"، مضيفا أن "هذه الظاهرة أصبحت أمرا واقعا ينبغي التعامل معه بمقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار مصالح المواطنين بعيدا عن المقاربات القانونية الضيقة". عزلة وشغل خطاف رفض كشف هويته، يعمل في الطريق التي تربط دمنات بعدد من الدواوير البعيدة عبر جماعة سيدي يعقوب، قال بدوره في تصريح لهسبريس إنه يرفض أن يتسلم رخصة النقل المزدوج، نظرا للتكاليف الباهظة التي يتطلبها هذا النوع من السيارات، فالتأمين يصل إلى 15000 درهم؛ في حين أن تأمين سيارة دون رخصة محدد في حوالي 4300 درهما، واستطرد: "في نظري لا فرق بين النقل المزدوج والنقل السري، مادام الأول بدوره يشتغل بطرق غير قانونية، بتجاوز عدد الركاب المسموح بنقلهم، إذ يحصل أن ينقل 40 شخصا". وأكد المتحدث أنه إلى جانب زملائه الذين اختاروا العمل في مجال النقل السري يعدون ضامنا رئيسيا لتنقل سكان المناطق النائية بإقليمأزيلال، وساهموا كثيرا في التخفيف من معاناة هذه الساكنة وفك العزلة عنها. محمد، مالك عربة للنقل السري، ينشط في الطريق الرابطة بين دمنات وجماعة أيت امديس، صرح لجريدة هسبريس بأنه لا يقدر على توفير مصاريف رخصة النقل المزدوج، موردا: "نحن مضطرون لاستعمال هذه الوسيلة التي ساهمت بشكل كبير في تشغيل آلاف المواطنين في هذه المناطق"، ومشيرا إلى أن المشتغلين في هذا القطاع غير المهيكل يفكرون في تأسيس جمعية للحصول على رخص النقل المزدوج مع التخفيض من مبالغ التأمين الخاصة بهذا النوع من السيارات. مطالبات بتدخل أحد الفاعلين الجمعويين بجماعة سيدي يعقوب بإقليمأزيلال أكد في تصريح لهسبريس أن عمل "الخطافة" لم يعد منحصرا في نقل المواطنين من المناطق النائية إلى المجال الحضري بطرق سرية، بل تجاوز ذلك إلى الاشتغال بشكل علني وأمام كل المسؤولين في نقل التلاميذ إلى المؤسسات التعليمية بطريقة لا تحترم أدنى شروط السلامة، وزاد موضحا: "يعملون على تكديس عدد كبير من المتعلمين داخل السيارات و"خارجها" أيضا"، داعيا الأجهزة المعنية إلى تحمل مسؤولياتها في هذا الشأن. محمد أيت الدوهو، الكاتب الإقليمي للاتحاد النقابي للنقل الطرقي، المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل بأزيلال، قال في تصريح لهسبريس إن "قطاع النقل العمومي المهيكل لحقه ضرر كبير جراء السماح لمالكي هذا النوع من السيارات بالعمل، والذين لا يؤدون إيجار المأذونيات وحتى التأمين في حالات كثيرة"، مشيرا إلى أنهم كمهنيين وكنقابة راسلوا جميع الجهات المعنية دون أن تتدخل لوضع حد لنشاط هذه السيارات التي تعمل بعيدا عن أي ضوابط قانونية . وأكد النقابي ذاته أن النية الصادقة وحدها تكفي لوضع حد لمعاناة المهنيين والمواطنين على حد سواء، وقال إن الحل بيد السلطات التي يمكنها أنْ تحُدَّ من النقل السرّي وغير القانوني بأزيلال عن طريق تعبيد المسالك الطرقية وتوفيرُ ما يكفي من وسائل النقل التي تعمل بشكل قانوني، وزاد مُوضحا: "المواطنون لا ذنب لهم، ظروف العيش هي التي تفرض عليهم اللجوء إلى الخطافة".