وجه الملك محمد السادس في خطابه الأخير رسائل عدة إلى الحكومة والإدارة والأحزاب والمواطنين، وملخص الرسائل التي جاءت في خطاب الجالس على العرش يقول: نريد انتخابات نزيهة وشفافة تفرز برامج خلاقة ونخبا جديدة، وكل هذا ضمن العهد الدستوري الجديد الذي يمثل الجواب المغربي عن أسئلة الربيع الديمقراطي الذي داهم المنطقة العربية هذه السنة. كما نبه الملك إلى مخاطر استعمال المال في الانتخابات، والتشكيك المسبق في نزاهة هذه الأخيرة. الملاحظ أن الملك، وعلى خلاف ما كان سائدا في الخطب السابقة، لم يدخل في تفاصيل القضايا والملفات، ولا حسم في النقط الخلافية القائمة بين الأحزاب ووزارة الداخلية، مثل الجهة التي ستشرف على الانتخابات وشكل التقطيع ونمط الاقتراع وحدود العتبة، وطبيعة اللائحة الوطنية، وابتعاد الملك عن الخوض في هذه النقط الخلافية أمر إيجابي، من شأنه أن يرسي أعراف وتقاليد ابتعاد المؤسسة الملكية عن الإدارة المباشرة للحياة السياسية، والدفع في اتجاه أن تلعب المؤسسة دور التحكيم عندما يقتضي الأمر ذلك، مع إفساح المجال للحكومة لتلعب دورها كاملا ولتتحمل مسؤوليتها إزاء البرلمان والمعارضة والرأي العام. الآن دعونا نطرح السؤال حول كيفية الوصول إلى الأهداف الكبرى التي سطرها الملك في خطابه حتى لا تكون الانتخابات مجرد «تنافس حزبي على المقاعد، وإنما الارتقاء بها إلى معركة وطنية نوعية حول اختيار أفضل البرامج والنخب المؤهلة لتحقيق انطلاقة جيدة لتنزيل الدستور وإعطاء دفعة قوية للتحول السياسي الحاسم»، على حد تعبير الخطاب الملكي؟ بكل موضوعية وتجرد، هذه أهداف كبرى لا يوجد الوقت ولا المناخ ولا النخب السياسية القادرة على تحقيقها كاملة الآن على الأقل، وحتى لا نرفع سقف انتظارات الناس من هذه الانتخابات ونخلق المزيد من الإحباط، لا بد من القول إن عدم ربط التعديلات الدستورية ببرنامج متكامل وواضح للإصلاحات السياسية التي تقودها حكومة جديدة مصغرة تكنوقراطية أو حكومة وحدة وطنية قبل المرور إلى الانتخابات.. إن عدم اتباع هذه المنهجية صعّب إلى حد كبير من إمكانية جعل الانتخابات القادمة محطة استراتيجية في التحول الديمقراطي بالبلاد. ومع ذلك، وكما يقول الفقهاء، فإن ما لا يُدرك كله لا يترك جله، فبالإمكان اليوم إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المسار الانتخابي القادم إذا أقدمت السلطة على جملة من المبادرات الرامية إلى استعادة جزء من ثقة الرأي العام في العملية الانتخابية، وفي مقدمة هذه الإجراءات إنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات تتكون من ممثلي الأحزاب ومن القضاة ومن شخصيات حقوقية ومدنية مشهود لها بالنزاهة والاستقلالية. إن إبقاء الانتخابات في يد وزارة الداخلية التي تلوثت عبر عقود من الزمن بتزوير الانتخابات مغامرة غير محسوبة العواقب، لأن المواطن لا يمكن أن يثق في الإدارة الترابية بين عشية وضحاها. ثانيا: لا بد من تشديد الرقابة على استعمال المال السياسي في الانتخابات، ومتابعة المتهمين باستعمال المال لشراء الأصوات إبان الحملات الانتخابية، كما يجب على القضاء تحمل مسؤوليته، ومنع استعمال سلطة الإدارة في توجيه العملية الانتخابية. ثالثا: لا بد من اختيار نمط اقتراع يتأسس على التصويت السياسي على البرامج والأحزاب، وليس التصويت الشخصي أو المادي على المرشحين. إذا توفرت الإرادة السياسية وتخلصت السلطة من الخوف من مفاجآت صندوق الاقتراع، وامتنعت عن التدخل القبلي في هندسة الخرائط الانتخابية، فربما نصل إلى مرحلة إنعاش الأمل في تغيير ديمقراطي قادم عبر صناديق الاقتراع، ويبقى موعد 2016 هو الرهان الحقيقي، أما 2011 فلن يكون أكثر من تدريب قبل دخول المباراة الحاسمة.