يكتسي التكرار النصي في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة، ليوم الجمعة 14 أكتوبر 2017، أهمية بالغة، حيث إن تحليل مؤشرات التكرار يوحي بدرجة كبيرة مدى أهمية القضية والموضوع. وهذا يتضح جليا في الآثار المترتبة عن هذا التكرار؛ فالخطاب يدل على تناسق كبير في طرح الإشكاليات والتنويع في مصادر الحلول، وبالتالي تجاوز بشكل كبير التشخيص، الذي قدم في خطب ومناسبات سابقة، بل حاول الخطاب صياغة جديدة للأدوار الدستورية للمؤسسات بشكل عملي مرتبط بعامل الزمن والنجاعة والفعالية وذات بعد اجتماعي بالأساس، وهذا ما يمكن أن نسميه بخطاب SMART أو خطاب "الأجرأة والتفعيل". لقد انتقل الخطاب بشكل سريع إلى تأطير الأدوار ولم يعطِ الوقت للتشخيص؛ بل أكثر من ذلك، كان الخطاب جازما على أن المشاكل معروفة لدى الجميع بدون تقديم التشخيصات وتوجه إلى طرح مواضيع بعينها تحتاج إلى حلول. وهنا، يمكن أن نعتبر أن الخطاب الملكي بني على ستة محاور أساسية: محور الشباب والذي اكتسى حيزا كبيرا من الخطاب الملكي؛ ومحور التربية والتكوين وعلاقتها بسوق الشغل؛ ومحور الجهوية واللاتمركز الإداري؛ ومحور الاستثمارات الإفريقية وآليات تتبعها؛ ومحور اختلالات السياسات العمومية والفوارق الاجتماعية؛ ومحور تتبع البرامج وربط المسؤولية بالمحاسبة. أولا: محور الشباب أخذ محور الشباب حيزا كبيرا في خطاب جلالة الملك، حيث تكررت كلمة الشباب في الخطاب لأكثر من 15 مرة، كما حدد إحصائيا قيمة الشباب والذي "يمثل أكثر من ثلث السكان"؛ فتيمة "الشباب" لخصها الخطاب الملكي في جملة عميقة " ضعية شبابنا لا ترضينا ولا ترضيهم"، ويمكن أن نحدد هذه المكانة في الآثار التالية: الدعوة إلى بلورة سياسة جديدة مندمجة للشباب؛ الرجوع إلى المقتضيات الدستورية ذات الصلة بالشباب؛ إعطاء الكلمة للشباب وتفعيل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي؛ ابتكار مبادرات ومشاريع ملموسة وإيجاد حلول واقعية لوضعية الشباب الذين يعملون في القطاع غير المهيكل؛ الاستناد على خطاب 20 غشت 2012، الذي اعتبر الشباب ثروة حقيقية للمغرب. ثانيا: محور التربية والتكوين وعلاقتها بسوق الشغل ذكر هذه الكلمات 13 مرة في الخطاب الملكي؛ وهو ما يدل على أهمية هذه المواضيع في السياسات العمومية.. لذلك، حاول جلالة الملك، في الخطاب، تسليط الضوء على هذا المحور من خلال: ربط التكوين بسوق الشغل؛ الاعتراف بأن منظومة التربية والتكوين لا تؤدي دورها في التأهيل والإدماج الاجتماعي والاقتصادي للشباب؛ ضرورة التعجيل في رسم سياسة جديدة تستند على رؤية 2030 للتربية والتكوين. ثالثا: محور الجهوية واللاتمركز الإداري نالت قضية التدبير الجهوي قسطا وافرا من الملاحظات والحلول، حيث تكرر هذا المفهوم في الخطاب ثماني مرات. وتجلى هذا التكرار بشكل واضح في التعامل مع الجهوية والجماعات الترابية بنوع من الصرامة اللازمة لذلك؛ لأنها هي السبيل الأول لحل مشاكل المواطنات والمواطنين.. من ثمّ، فإن الخطاب الملكي أعطى للجهوية مسؤوليات وتوجيهات أساسية: الدعوة إلى تسريع التطبيق الكامل للجهوية المتقدمة؛ الإصغاء للمواطنين وإشراكهم في اتخاذ القرار؛ ضرورة ملاءمة السياسات العمومية؛ العمل الفوري على تطعيم الجهات الكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية؛ إخراج ميثاق متقدم للاتمركز الإداري. رابعا: محور الاستثمارات الإفريقية وآليات تتبعها شكلت كلمة "استثمار" أيضا حلقة مهمة في خطاب ملك البلاد، حيث وردت في إحدى عشرة مناسبة، وفي شقين أساسين: أولهما مرتبط بسياسة المغرب الخارجية اتجاه إفريقيا، والثاني مرتبط بجودة وحكامة الاستثمارات على مستوى جهات المملكة. لذلك، فمعالم وأثر الكلمة كان واضحا في الخطاب بدعوته إلى تتبع استثمارات الشراكة المغربية الإفريقية التي عرفت تحرك الملك في زيارات عديدة لعدد من الدول الإفريقية توجت بتوقيع المغرب على العديد من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية وعودته إلى الاتحاد الإفريقي. ومن خلاله، فإنه يمكن إبراز أهم ما جاء من أثر تكرار الكلمة في الخطاب: العمل إحداث وزارة منتدبة بوزارة الخارجية مكلفة بالشؤون الإفريقية؛ الحاجة إلى قضاء منصف وإدارة ناجعة من أجل تحفيز الاستثمار؛ الحاجة إلى المتابعة الدقيقة لتقدم تنفيذ البرامج الاجتماعية والتنموية؛ دعوة المجلس الأعلى للحسابات إلى القيام بمهامه في تتبع وتقييم المشاريع العمومية، بمختلف جهات المملكة؛ خامسا: محور اختلالات السياسات العمومية والفوارق الاجتماعية جاءت كلمة "اختلالات" و"مشاكل" تنزيل السياسات العمومية في 12 مرة داخل الخطاب، وهو ضمنيا اعتراف بوجود عتبات يصعب معها تفعيل استراتيجيات الدولة للمساهمة في التخفيف من وطأة مشاكل المواطنين، كما استخلص جلالة الملك في خطابه الأمر من خلال الملاحظات الآتية: الإقرار بوجود اختلالات بالإدارة والمجالس المنتخبة والجماعات الترابية؛ الحاجة إلى تصحيح الأخطاء، وتقويم الاختلالات ومعالجة نقط الضعف في البرامج التنموية؛ الحاجة إلى توفر الإرادة الصادقة وحسن استثمار الوسائل المتاحة لتجاوز الاختلالات؛ المشاكل معروفة لدى الجميع بدون تقديم التشخيصات؛ التنفيذ الجيد للمشاريع التنموية المبرمجة هو الجواب الحقيقي عن مشاكل المغاربة؛ توحيد الجهود الوطنية للتصدي للمشاكل المجتمعية؛ عدم الاعتماد على الحلول الجاهزة للمشاكل. سادسا: محور تتبع البرامج وربط المسؤولية بالمحاسبة في هذا التجزئ المنهجي للخطاب يلاحظ أيضا أن ملك البلاد حمل المسؤولية بشكل كبير للفاعلين الساهرين على تدبير الشأن العام وأيضا دعا إلى ربط مسؤولياتهم بالمحاسبة. لذلك فكلمتا "تتبع/ تقييم" "المسؤولية" جاء ذكرهما في تسع محطات من الخطاب؛ وهو ما يدل على جدية استعمال هذه الكلمات، ما يشكل لها "أثر" في هذا "التكرار" وهو كما خلص في الخطاب: الحاجة إلى المتابعة الدقيقة لتقدم تنفيذ البرامج الاجتماعية والتنموية؛ دعوة المجلس الأعلى للحسابات إلى القيام بمهامه في تتبع وتقييم المشاريع العمومية، بمختلف جهات المملكة؛ الحاجة إلى الانخراط الفعلي للجميع بكل مسؤولية بعيدا عن أي اعتبارات سياسوية أو حزبية؛ ربط المسؤولية بالمحاسبة وإعطاء العبرة لكل من يتحمل مسؤولية تدبير الشأن العام؛ الحاجة لسياسات عمومية تضمن كرامة المواطنين. خاتمة يبقى هذا الخطاب من الجيل الجديد للخطب الملكية التي تتسم بالموضوعية والواقعية، وهو ما أشار له الخطاب بشكل صريح: "لا نقوم بالنقد من أجل النقد، ثم نترك الأمور على حالها. وإنما نريد معالجة الأوضاع، وتصحيح الأخطاء، وتقويم الاختلالات".. ومن ثمّ، فإن الطابع النقدي للخطاب تجاوز "تشخيص الأزمة" وتعرية الواقع لوحده، بل الخطاب تعامل بثنائية جديدة هي ثنائية "النقد والبديل"، أي أن الخطاب يقدم نقدا للسياسات العمومية وفي الوقت ذاته يقدم البدائل والحلول والإجراءات. الخطاب أيضا لم يغفل عامل الزمن، الذي أصبح مؤشرا قويا لضبط الالتزامات وتنزيل السياسات العمومية- مثال في الخطاب "وضع جدول زمني مضبوط" / تحديد برنامج زمني دقيق".. كل هذه المضامين تشير إلى أن الخطاب - كما سبق أن قلنا في البداية- خطاب ذو أهداف ذكية، أي أننا يمكن أن نقول إنه "خطاب سمارت SMART": "محدد Spécifique"، "قابل للقياس Mesurable"، "قابل للتحقيق Atteignable "، "مهم وملائم Réaliste "، "مقيد بزمن محدد Temporellement défini". * باحث في قضايا الشباب وتتبع السياسات العمومية