انعقدت الجلسة الافتتاحية للبرلمان، طبقا للفصل ال65 من الدستور الذي ينص على أن البرلمان يعقد جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى، التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر. وخلافا لباقي السنوات، فقد كان الجميع يترقب الخطاب الملكي بناء على تشخيص خطاب العرش الماضي وانتظار تفعيله. وفعلا، فقد بدأ الخطاب الملكي في ديباجته بلغة الدستور والصلاحيات الدستورية التي يخولها الدستور المغربي لجلالة الملك، وخصوصا الفصل ال42 منه، الذي يخول للملك ضمان سير المؤسسات. ومن خلال تحليل الخطاب الملكي، نسجل الملاحظات الآتية: الخطاب ربط الحلول المقترحة بما جاء في تشخيص خطاب العرش، حيث جاء في الخطاب: "... تأتي هذه الدورة بعد خطاب العرش، الذي وقفنا فيه على الصعوبات، التي تواجه تطور النموذج التنموي"، وهذا ما كان ينتظره المواطنون؛ الخطاب حدد الاختلالات في الإدارة والمجالس المنتخبة والجماعات الترابية، وضمنيا الحكومة بصفتها المسؤولة عن الإدارة؛ جلالة الملك اعتبر أن المرحلة المقبلة مرحلة حاسمة، تقوم على ربط المسؤولية بالمحاسبة والعمل على إيجاد الأجوبة والحلول الملائمة للإشكالات والقضايا الملحة للمواطنين. وهذا أصبح مطلب جميع فئات المجتمع المغربي لمحاربة الفساد الإداري والمالي والسياسي؛ الملك استعمل الصلاحيات الدستورية في الخطاب بصفته الضامن لدولة القانون والساهر على احترامه والمحافظ على سير المؤسسات وتطبيق الدستور، لأن الخطاب كان في البرلمان أمام البرلمانيين وأمام الحكومة، وبالتالي كانت الصفة الدستورية حاضرة في الخطاب؛ الملك أشار إلى أنه لم يتردد في تطبيق القانون ومحاسبة كل من ثبت في حقه أي تقصير بمسؤوليته المهنية أو الوطنية للقطع مع التهاون والتلاعب بمصالح المواطنين. وفي هذا الإطار، وجه جلالة الملك المجلس الأعلى للحسابات إلى القيام بمهامه في تتبع وتقييم المشاريع العمومية بفعالية بمختلف جهات المملكة، لأن المجلس الأعلى له الحق في إحالة القضايا المدانة إلى النيابة العامة. وفي هذا رسالة إلى أن المحاسبة في الطريق إلى التنفيذ وفقا للمبدأ الدستوري الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة؛ قرار إحداث وزارة منتدبة بوزارة الخارجية مكلفة بالشؤون الإفريقية والاستثمار جاء استجابة إلى الحاجة الملحة إلى متابعة الاستثمارات والمشاريع الإفريقية المشتركة تم التصدي لخصوم المغرب الذين يمارسون كل الوسائل لعرقلة العلاقات المغربية الإفريقية؛ الخطاب جعل مفهوما جديدا للتنمية بتسميتها التنمية المتوازنة والمنصفة التي تضمن الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل وخاصة الشباب وتسهم في الاطمئنان والاستقرار التي يطمح إليها كل مواطن. وهذا المفهوم الجديد للتنمية يجب أن يرتبط بالنموذج التنموي الجديد الذي سيفتح ورشا للنقاش العمومي؛ دعوة الملك الحكومة والبرلمان ومختلف المؤسسات إلى إعادة النظر في النموذج التنموي الحالي لمواكبة التطورات التي تعرفها البلاد يعني إعادة النظر في البرامج الحكومية والحزبية وفي السياسات العمومية وإيجاد نموذج جديد للتنمية قابل للتطبيق مصادق عليه من لدن حكومة وبرلمان مع إشراك جميع القوى الحية في المغرب تجسيدا للمقاربة التشاركية التي ينص عليها الدستور؛ المطالبة بتسريع التطبيق الكامل للجهوية المتقدمة المتوقفة حاليا بسبب الخلافات السياسية الضيقة وقلة الموارد وإيجاد حلول وإجابات للمطالب الاجتماعية والفوارق المجالية بمختلف جهات المملكة مع صيغ جديدة في عملية الحكامة الترابية، لأنه ليست هناك أية حلول جاهزة لكل المشاكل المطروحة في مختلف المناطق بسبب انعدام التفكير في البدائل. وعليه، فإن جلالة الملك يدعو إلى ملاءمة السياسات العمومية، لتستجيب مع حاجيات وخصوصيات كل منطقة؛ الخطاب الملكي أشار إلى أن نجاعة تدبير الشأن العام المحلي تتطلب نقل الكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية إلى الجهات، بموازاة مع نقل الاختصاصات لتقوية الأجهزة الإدارية للجهات. وتبقى هذه من مسؤولية الحكومة لاستكمال تفعيل الجهوية المتقدمة بالشكل المطلوب والسريع؛ الدعوة إلى بلورة سياسة جديدة مندمجة للشباب في جميع الجهات والمناطق تقوم بالأساس على التكوين والتشغيل.. وهذا يتطلب إصلاح التعليم وإعادة النظر في وظيفة وزارة الشباب والرياضة ووزارة الثقافة التي لها وجود جهوي ومحلي والإفادة من التقارير والدراسات حول "الثروة الإجمالية للمغرب" و"رؤية 2030 للتربية والتكوين" والإسراع بإقامة المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي كمؤسسة دستورية للنقاش وإبداء الرأي وتتبع وضعية الشباب. وأعتقد شخصيا أن أمر جلالة الملك بخلق هذه المؤسسة في هذه الظروف ستكون قبلة لاستقبال أفكار الشباب واستيعاب جميع التيارات وإقامة حوار وطني يخرج الشباب من الانتظارية والاتكالية؛ الخطاب حمّل المسؤولية للبرلمان والحكومة وللمنتخبين أمام الشعب وأمام الملك وفقا للدستور عن الوضع الذي تعرفه البلاد. وهذه رسالة قوية يجب استيعابها وعدم الهروب منها، لأن تهرب الحكومة من مسؤوليتها سيخلق عزلة سياسية بين الحكومة والمواطنين، وهو ما قد يوقف أوراش التنمية في المستقبل؛ الخطاب الملكي فتح أوراشا للسنوات المقبلة قد تفوق زمنيا الحكومة الحالية، ولكنها خارطة الطريق الطويلة لحكومات قوية بكفاءتها وفاعلة في عملها ومسؤولة دستوريا عن نجاحها وفشلها؛ إرجاع الثقة للمواطن هو ربط المسؤولية بالمحاسبة في إطار احترام الدستور والقانون. *أستاذ التعليم العالي