عن عمر 81 سنة، مُشرق بالوهج الدائم والإبداع الرّصين، ودّعنا صباح الخميس 12 أكتوبر بمدينة تطوان الشاعر المغربي المرموق محمد الميموني، أحد رموز الثقافية المغربية ورواد الحداثة الشعرية ببلادنا. وشيع جثمان الفقيد الذي ترك تراثا شعريا ونثريا غنيين أسلوبا ومعنى عصر اليوم نفسه في محفل رهيب ومؤثر، حضره العديد من الوجوه الثقافية والأكاديمية ومحبي الفقيد من تلامذته وأصدقائه. وفي هذا السياق استقت جريدة هسبريس من أدباء وشعراء مغاربة شهادات في حق الشاعر الراحل. اعتبر الشاعر المغربي الأستاذ عبد الكريم الطبال، رفيق درب الراحل، أن علاقته به امتدت لسنين طويلة منذ الخمسينيات، إذ جمعتهما علاقة شاعر بشاعر أكثر من علاقة صديق بصديق، ورغم ذلك يضيف: "كنا لا نتكاشف شعرا في ما بيننا، وكنا معا على محبة لا تقال وعلى علاقة شعرية بالأساس، وكأننا خلال هذا الزمن الطويل إلى الآن كنا في سباق في حلبة القصيدة، لا يتباهى أحد منا على الآخر ولا يتطاول أو يتعاظم. وأخوة الشعر دائما كانت صفاءً ونقاءً وعمقا، لا تتبدل مع الأحوال ولا تتغير مع الأزمنة.. ومن هنا إلى هناك، كنا على الأقل في كل أسبوع نلتقي في تطوان، وكنا معا في مهرجان الشعر المغربي بشفشاون عضوين أساسيين". واختتم عبد الكريم الطبال بأن الشاعر الراحل محمد الميموني ومضة شعرية سوف تبقى مضيئة في تاريخ الشعر المغربي... وقال الكاتب والناقد الدكتور عبد الرحيم العلام، رئيس اتحاد كتاب المغرب، إنه برحيل الشاعر المغربي الكبير الأستاذ محمد الميموني يكون مشهدنا الشعري المغربي والعربي قد فقد صوتا شعريا متميزا، عرف بإبداعه الشعري الوازن وبكتابته السردية ومقالاته الصحافية وترجماته الرصينة، منذ أزيد من نصف قرن من العطاء والحضور المتألق داخل المغرب وخارجه. وزاد: "يعتبر من بين الشعراء العرب القلائل الذين خلفوا سيرة ذاتية بمحكياتها النادرة وبأسلوبها الشعري الأخاذ.. فضلا عما يعرف به شاعرنا الراحل من حضور إنساني كبير في مشهدنا الثقافي والأدبي، إذ ظل وفيا لمبادئه وللقيم التي نشأ وتربى عليها، مثل وفائه لمنظمته اتحاد كتاب المغرب التي بقي مخلصا ومساندا لها". وصرح الشاعر والأكاديمي الدكتور حسن الطريبق بأن الراحل محمد الميموني كان من زمرة الشعراء الطليعيين الذين أسهموا إسهاما عمليا في الارتقاء بالقصيدة الشعرية المعاصرة في منحييها الشعري والنثري، وكان أبرز ما يركز عليه نضاليته والتزامه الإيديولوجي والأخلاقي، فلم يسفّ بشعره أو ينزل عن مستوى التألق الذي لازمه..وكان سمة من سمات الجمالية والشرف والسموق بمستوى تحليقه، حتى يكون منظورا في سماء طيرانه ومجال تحركه، فكان كما يقول الشماليون في تعبيرهم الدارجي "يطير بعيدا". وأكد الدكتور حسن الطريبق أن الراحل من الشعراء الذين أسسوا مهرجان الشعر بشفشاون، فكانت الكوكبة التي تمثل ذلك الشعراء: أحمد المجاطي ومحمد الخمار الكنوني ومحمد السرغيني وعبد الكريم الطبال وحسن الطريبق..وكان المنطلق بعد الاجتماعات في تطوان وفاس والعرائش والقصر الكبير هو بلورة حقيقة مهرجان الشعر بشفشاون، مدينة الشعر وتألقه.. وقال الكاتب والمسرحي الأستاذ رضوان احدادو: "عايشت الراحل العزيز محمد الميموني على امتداد عقود متواصلة، أديبا وشاعرا ومثقفا عضويا..."، وزاد: "عايشته إنسانا يحمل قيم إنسانية الإنسان، نابذين معا كل الحساسيات السياسية التي كان بالإمكان أن تفصل بيننا على غرار ما حدث لكثير من المثقفين الأصدقاء / الخصوم، في ذروة الجفاء الذي كان بين الحزبين (الاستقلال والاتحاد)، إذ كان يصعب على الواحد منا أن ينام دون السؤال عن حال صاحبه، وكنا نتناوب على الكتابة الجهوية لاتحاد كتاب المغرب لتطوان، وشفشاون والعرائش، ولم يحصل يوما أن ترشح منا الواحد ضد الآخر، وهي العلاقة التي استمرت ولم يفرق بيننا إلا الموت". واستطرد احدادو: "بهذا الفقد نكون قد ودعنا أديبا كبيرا وشاعرا مميزا وصديقا عزّ نظيره". بدوره قال الشاعر والأكاديمي الدكتور عبد اللطيف شهبون: "لا رادّ لقضاء الله..كان المرحوم محمد الميموني نموذجا من نماذج الأستاذية الممتدة، علما وأخلاقا.. وكان منتميا إلى مدرسة الوطنية بمعانيها الصافية.. وكان مسيره الحياتي مطابقا لفكره". وأضاف شهبون: "الراحل لم يشرب رحمه الله إلا من المعين الصافي في السياسة والفكر؛ وأما موقعه في حركية الإبداع الشعري فيشهد له به ما خلفه من إرث شعري ونقد من داخل التجربة الإبداعية، وهذا هو المطلوب". وزاد عبد اللطيف شهبون أن الشاعر محمد الميموني لم يكن مفتونا بما لا يطيقه النّص ولا تسمح به الأعراف الأدبية الراقية.. كما كان مدرسة لأبنائه ونموذجا في السلوك لمجموع من عرفه أو استمدّ منه.. من جانبه استحضر الكاتب والناقد الدكتور العياشي أبو الشتاء مناقب الفقيد قائلا: "آلمنا الخبر المفجع الذي نزل هذا الصباح يفيد برحيل الشاعر محمد الميموني"، مضيفا: "رحيل هذا الشاعر فقدان لصوت من الأصوات الشعرية الرائدة في الشعر المغربي الحديث والمعاصر، ويعتبر الراحل من رواده إلى جانب الشاعرين الراحلين محمد الخمار الكنوني وأحمد المجاطي، وكذا الشاعرين محمد السرغيني وعبد الكريم الطبال أطال الله في عمرهما، إذ كانوا من الذين تلقفوا حركة التجديد من الشعر المهجري والشعر المشرقي عموما، وأدخلوا القصيدة المغربية إلى محراب الحداثة والتحديث". واستطرد العياشي أبو الشتاء: "لقد أثرى فقيدنا الشعر المغربي بدواوينه التي تتابعت بدءاً من ديوان "آخر أعوام العقم" إلى "بداية ما لا ينتهي"، منتصرا بذلك لأفق الانعتاق والتحرر، ولأفق مشرق للإنسان المغربي وللإنسانية بشكل عام. وأشار الشاعر والروائي محسن أخريف إلى أن الرائد محمد الميموني سيظل علامة بارزة في الشعر المغربي إلى جانب شعراء ساهموا في تطوير القصيدة المغربية الحديثة، وفي إخراجها من نمطية القديم، لتنفتح على كونية الشعر. وأضاف أخريف أن الميموني بذائقته الإبداعية اللافتة ساهم في تقريب متلقي الشعر المغربي من الشعر الإسباني، من خلال ترجمته لأشعار لوركا وخوان رامون خيمينيث، فبنى بذلك جسرا مبكرا بين الأدب العربي والثقافة الإسبانية.. يذكر أن الشاعر محمد الميموني من مواليد مدينة شفشاون سنة 1936، ترك منجزا شعريا ونثريا زاخرا يضع القارئ في قلب التجربة الإنسانية: "آخر أعوام العقم"، "الحلم في زمن الوهم"، "طريق النهر"، "شجر خفي الظل"، "موشحات حزن متفائل"، "رسائل الأبيض المتوسط"، "بداية ما لا ينتهي"، "عودة المعلم الزين" (في جزأين)، "كأنها مصادفات"، "سبع خطوات رائدة في الشعر المغربي المعاصر"، في الشعر المغربي المعاصر: عتبات التحديث"، وغيرها من الأعمال.. كما ترجم ديوان "التماريت" عن الإسبانية للشاعر فيديريكو غارسيا لوركا... على روح الفقيد الطاهرة السلام.